المدخل لكوميديا العربات هو حكاية المعلم الذي تم نقله إلى منطقة نائية جداً بأحد الأرياف، نادراً ما تسمع فيها صوت، إلا أصوات الدواب وتغريد وصياح الطيور. دخل المعلم بعد أن وصل تلك القرية لفصل تعبان جداً مؤسس من القش.. وهو يلقي أول درس على التلاميذ.. فجأة أدهشته ضجة وترانيم التلاميذ وهم يضربون على كراساتهم مبتهجون يغنون ويرقصون طرباً بصوت «بوري» بص سفري يقترب رويداً رويداً من الحلة في معزوفة معروفة لدى أهل القرى والحلال المجاورة فكانت نغماته تقول: تريري ريري رم.. ترارار رارا رم.. ترترار.. تتريرم ويرددون معها في طرب وهستيريا صاخبة حتى دنا البص بالقرب من المدرسة وخرجت كل المدرسة تتبعه وتردد خلفه ثم غاب واختفى في الأفق البعيد. كان الصوت والحدث شاذاً على المعلم الجديد وهو لا يتكرر إلا بعد مدد متفاوتة بعدها خرج المعلم من الفصل وذهب واشتكى هذا السلوك للسيد المدير.. الذي أجابه فقط بابتسامة وقال له: معليش ألزم الصبر يا أستاذ. ومضت أيام وأسابيع وشهور.. والحلة هادئة لا يسمع فيها ذلك المعلم إلا أصوات الحيوانات والطيور وكان من قبل متعوداً في المدينة على صخب العربات وضجيجها. وفجأة سمع ذلك المعلم صوت البص ونغمته الفرايحية تشنف أذان القرى من بعيد، وهي تقترب من القرية. فكان ذلك المعلم في مقدمة المستقبلين للبص الذي مرّ بموكب النغم الفريد والمعلم ومن خلفه التلاميذ يرددون ترررارا ارا رم.. تتريري ريري ري. ترارا رارا ريم تترار تترارااا...!! وللعربات والبصات واللواري والحافلات والبرنسات والدفارات في حياتنا قصص وحكايات، فقد عرفناها منذ أن أدخلها الاستعمار وسماها «الاتومبيل» بل وغنى لها الشعراء والمطربون: سايق الفيات.. وسايق البوباي.. وسواقنا زينة حالف ما يدلينا.. وأحرق الجازولين يا الوابور جاز... إلخ. وفي عصرنا القريب دخلت السودان معظم ماركات العربات المصنعة لشركات عالمية من اليابان والصين وكوريا وألمانيا والبرازيل.. وأخيراً بدأنا نصنع عرباتنا برانا. أما عواصمنا وأحياءنا الجعيصة فقد بدأت تركل العربات القديمة «الهكر» للأحياء الطرفية.. وبدأ المواطن «المطرِّف» يومياً يقول لها صباح الخير ومساء الخير وفي الذاكرة منلوجات كانت تعزي الواقع ب «عربيتي يا كركوبة يا الحاضرة عرس حبوبة.. دورتك بالمنفلة الكوراك وقع في الحلة.. وقال لي سوري وما سوري باللَّه لو ضربك لوري لا فرامل ولا بوري»... إلخ. كانت تلك العربات تسير آمنة لأن سرعتها محدودة وعدد إشارات المرور بأصابع اليد.. أما وقد عايشنا البرادو واللقزز والشفر والسوناتا... إلخ. فإن أحياءنا الطرفية لا زالت تعيش حقبة الستينيات والسبعينيات بمواصلاتها البينية. حيث الحافلات التي نزلت المعاش الإجباري وأخرى صغيرة تقدم خدمات «جليلة» لأهل المناطق الطرفية «قدر ظروفك» أهم ما فيها هو الأمن والأمان لأن سرعتها بطبيعة الحال لا تمكنها من «البل» و«الفتح» و«التمحيط» فهي مثلها مثل سيارة «كونيون» التي صممها المهندس الفرنسي «كونيون» «1769م» للجيش الفرنسي وسرعتها «3 5» كيلو مترات في الساعة وكانت تعمل بالغاز. نقول إن حالة الناس هناك على بعضها.. الباب الأمامي لا بد أن يغلق ب «الترباس» حفاظاً على سلامة الناس. أما خزان الوقود فهو يحتل كرسياً مجاوراً لأحد الركاب عبارة عن جالون موصل بخرطوش للماكينة. وشاهدت «وهذه حقيقة وليست مبالغة» عجل إحدى الحافلات الصغيرة يتقدم بعد أن «اتملص» من مكانه ولولا إن الحافلة كانت تسير بالسرعة المذكورة أعلاه لانقلبت الحافلة... ألم أقل لكم إن من المزايا ما فيه رحمة للعباد؟!. وعند دخولك لمثل تلك المركبات لا تحتاج لمن يذكرك: «أعمل حساب بنطلونك».. هناك بعض المسامير البارزة من الكنب. وكثيراً ما ينبغي أن «تتباقص» شوية حتى تستطيع أن تجلس على الكنب الضيق.. يعني ركبتك مع الحنك.. وعند النزول لازم تبقى حريف وتتصرف يا ظريف.. أما كرسي النص فلربما قد تكون حملته في مؤخرة بنطلونك وأنت نازل. والحكايات كتيرة وربنا يقدرنا على الحيلة.