إن الأحزاب المسجلة قد بلغ عددها ثلاثة وثمانين حزباً وفي رواية أخرى هناك حوالي عشرة أحزاب تقريباً تسمى أحزاباً مخطرة أي أنها أخطرت الجهات الرسمية المختصة وتسعي لإكمال إجراءات تسجيلها. وبكل تأكيد أن هذا عدد ضخم مبالغ فيه ولكن المؤكد أن جل هذه الأحزاب لا وجود لها إلا في القوائم المسجلة عند مفوضية تسجيل الأحزاب وهي مجهولة تماماً ولا يسمع بها المواطنون إلا عند نشر قوائم أسمائها في الصحف أو إعلانها في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية الأخرى عند دعوة قياداتها لاجتماع ودعوة عشاء في بيت الضيافة أو لملتقى فى دائرة مستدير بقاعة الصداقة كما حدث ذات مرة. وهناك حوالي خمسة وعشرين حزباً يطلق عليهم اسم أحزاب حكومة الوحدة الوطنية أو شيء من هذا القبيل، وصحيح أن بعضها مشترك في السلطة ولو ببعض الفتات ولكن جلها لا في العير ولا في النفير. ولم تعقد أية مؤتمرات تنشيطية يلتقي فيها ولو مرة واحدة الذين سجلوا أسماءهم في القائمة التي قدمت عند تسجيل أي واحد من تلك الأحزاب شبه الصفرية، رغم أن بعض قادة تلك التنظيمات الوهمية قد يتسم الفرد منهم بالديناميكية وتكون له قدرات ذاتية ولو انضوى للحزب الحاكم لكان ذلك أفضل للطرفين بدلاً من التحدث باسم حزب لا وجود له في الواقع وينطبق هذا القول على أحزاب المعارضة وبعضها وجوده في الساحة يمتد لعهد التعددية الحزبية الثالثة أو لعهود سلفت ولكن لم يفز في أية دائرة جغرافية ولم يمثله نائب برلماني واحد في يوم من الأيام، وبعضها مثل تمثيلاً ضئيلاً لا يعتد بها ووجودها الراهن في الساحة السودانية هو وجود إعلامي فقط وأن بعض تلك الأحزاب كون حديثاً ولكنه يحدث دوياً صاخباً في الندوات وعبر التصريحات النارية الملتهبة بالرغم من عدم ارتكازه على أية قاعدة تذكر وثقله الجماهيري شبه صفري، ويمكن وصف هذا النوع من الأحزاب بأنه «الكسيح الفصيح»، وخلاصة القول إن هناك أحزاباً تحت مظلة الحكومة وأخرى تنطوي تحت مظلة المعارضة وكلها أحزاب خفيفة الوزن وربما يقل وزن بعضها عن وزن الريشة، ولكن لابد من وجود حكومة يعادلها في الكفة الأخرى وجود معارضة فعلية جادة ذات وزن وثقل وهذا يقتضي ضرورة القيام بفرز للألوان الفكرية وسط المعارضة لأن آفتها وعلتها الآنية هي أنها تضم خليطاً متنافراً سياسياً ومتبايناً فكرياً. وقبل قيام انتفاضة رجب أبريل 1985م كانت الجبهة الوطنية تضم أحزاب «الأمة والاتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي» ومرت مياه كثيرة تحت الجسر وسيطر الضلع الثالث في هذا المثلث بالتمكين على السلطة وتوابعها في ربع القرن الأخير وما زالت توالي سيطرتها وتسعى بدهاء لتمديد سيطرتها في الدورة القادمة التي ستمتد بين عامي «2015م-2020م» وهي منهمكة الآن في عقد مؤتمرات حزبها تدرجاً من المؤتمرات القاعدية وصعوداً للمؤتمر العام للحزب الذي سينعقد في شهر أكتوبر القادم وقد تحدث منافسات وصراعات وتصفية حسابات وانتقامات ولكن في نهاية المطاف سيلتزم كل منهم تنظيمياً بما تسفر عنه نتائج الانتخابات ووضع السياسات. والنظام الحاكم أعلن أن يديه مبسوطتان للآخرين ومنابره مفتوحة للتفاوض مع المتمردين وفي ذات الوقت فإنه يعمل لاستئصال التمرد والقضاء عليه ويأمل في بداية دورته القادمة أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات الخارجية مع القوى الأجنبية المعادية التي سترفع يدها حتماً عن المتمردين ومن يدورون في فلكهم من المعارضين الذين إذا لم يحققوا تقدماً في التكليفات المنوط بهم القيام بها. وإن تجربة انتخابات عام 2010م قد أكدت أن السلطة المطلقة مفسدة، وأن الكتلة البرلمانية على كل المستويات الاتحادية والولائية إذا كانت من جسم سياسي واحد فإنها تغدو كالحجارة الصماء البكماء عديمة الحس والشعور وكما يقولون إن العافية درجات ولا يمكن أن تسير الأمور إلي الأبد بقبضة أحادية ومشاركات ديكورية صورية وعلى كل الأطراف أن تتخلى عن عنادها وعلى الباكين ضياع السلطة وعلى اللبن المسكوب على الأرض الذي اندلق بسببهم، أن يعيدوا حساباتهم ويكونوا أكثر واقعية ولن يعيد التاريخ نفسه بذات الأخطاء القديمة. وإن كل حزب هو كيان قائم بذاته وعليه ألا يربط حساباته بحسابات الآخرين معلناً أنه لن يشارك إلا إذا شاركوا ولن يترك لهم ساحة المعارضة لوحدهم إذا قرروا أن يظلوا معارضين. والقراءة الواقعية تشير لأن حزب الأمة القومي «والحزب الاتحادي الديمقراطي بشقيه الأصل والمسجل واللذين نأمل أن يندمجا من أجل مصلحة الوطن»، ولا ينكر أحد أن لحزبي الأمة والاتحادي قواعد لا يستهان بها ومن أجل هذه الجماهير فإن المشاركة في السلطة أكثر فائدة من الوقوف في المعارضة وانتظار المجهول، ولتكن المشاركة من أجل خدمة هذه الجماهير وتنمية مناطقها. ويمكن كمقترح أن يكون لكل حزب وجود معتبر في البرلمان الاتحادي القادم وألا يقل نواب أي واحد منهما عن خمسين نائباً وأن يتم إشراكهما إشراكاً حقيقياً في السلطة التنفيذية على المستوى الاتحادي والولائي مع إشراكهما في إدارة المؤسسات المختلفة ومجالس إداراتها... ألخ. وبالنسبة للمشاركة بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب الأمة فإنهما قد يتفقان في جل إن لم أقل في القضايا ولكن العقبة التي تحول دون هذا الاتفاق هي الرئاسة، ويمكن تجاوزها بخلق مجلس رئاسي تنسيقي يضم رؤساء كل الأحزاب الحاكمة وتعهد رئاسته للإمام الصادق المهدي ويكون رئيس الجمهورية عضواً في هذا المجلس بصفته الحزبية لا الرسمية ولا بد من وضع عدة مقترحات وسيناريوهات تخرج الوطن من النفق الضيق لآفاق واسعة رحبة ينعم فيها بالاستقرار والنماء والتقدم.