سُئل الشيخ القرضاوي عن موضوع التعددية الذي يُثار في كثير من الدول الإسلامية والعربية فأجاب أنه لا يوجد مانع شرعي من وجود أكثر من حزب سياسي داخل الدولة الإسلامية لأن المنع يحتاج الى نص ولا نص في هذا الأمر، بل يرى أن التّعدد قد يكون ضرورة في عصرنا لأنه يمثل الضمانة الأكيدة من استبداد فرد أو فئة معينة بالحكم وتسلطها على سائر الناس وتحكمها في الآخرين كما دلت على ذلك قراءة التاريخ واستقراء الواقع وقد اشترط لذلك أمرين أساسيين هما: 1- أن تعترف هذه الأحزاب بالإسلام عقيدة وشريعة ولا تعاديه ولا تتنكر له. 2- ألا تعمل لحساب جهة معادية للإسلام وأمته أيًا كان اسمها أو موقعها. اذ لا يجوز قيام حزب يدعو إلى الإلحاد أو الإباحية أو الاستخفاف بالأديان إلخ. ولما كان الناس فيما مضى يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقومون اعوجاج حكامهم بسيوفهم؛ فإن هذا الأمر ليس متيسرًا في زماننا وعصرنا؛ لذا كانت الصيغة المناسبة للقيام بهذا الواجب وجود قوى سياسية تعجز السلطة القائمة الحاكمة عن القضاء عليها وقهرها والتغلب عليها وبعد أن كان الأمر فريضة فردية أصبح عن طريق الأحزاب فريضة جماعية تقوم بها الأحزاب لما لها من قوة تأثير وفاعلية بل لما لها من قدرات على التغيير والتبديل في حالة الطغيان والاستبداد دون عنف أو إراقة دماء. ويقول القرضاوي: إنّ الدولة في نظر بعض المخلصين لا تحتاج إلى كل ذلك لأنها ملتزمة بشرع الله تقف عند حدوده ثم يجيب عن هؤلاء بأن الدولة الإسلامية ليست هي «الدولة الدينية» التي عرفت في بعض المجتمعات وإنما هي «الدولة المدنية» التي تحتكم إلى الشريعة وإمامها ليس معصومًا وأعضاؤها ليسوا كهنة مقدسين بل هم بشر يخطئون ويصيبون ويحسنون ويسيئون ويطيعون ويعصون وعلى المسلمين أن يعينوهم إذا أحسنوا ويقوموهم إذا أساؤوا ويرفضوا أمرهم إذا أمروا بمعصية كما وضّح ذلك الخليفة أبو بكر في خطابه السياسي الأول، فإذا انتفت العصمة والقداسة فكل الناس بشر لا يؤمن أن يستبدوا ويطغوا. إنّ أشد أنواع الاستبداد خطرًا ما كان باسم الدين، ولهذا كان إيجاد قوى منظمة تعمل في وضح النهار هي صمام الأمان من وقوع الاستبداد أو إزالته إذا وجد وتقويم المسيئ وإعانة المحسن وأكبر الخطأ كما يقول الشيخ القرضاوي: أن تظن الدولة أو الممولون لها أن الحق معها وحدها وأنّ من خالفها على خطإ وباطل وفي التاريخ الإسلامي قضية «خلق القرآن» التي أثارها المعتزلة حين انفردوا بالسلطة والحكم وأرادوا أن يفرضوا رأيهم على الناس ويمحوا الرأي الآخر من خريطة الفكر وقاوموا بالسوط والسيف رأي الفئات التي لا تتفق معهم ولا ترى رأيهم حيث كانت المحنة والأذى الجسيم الذي لحق بعلماء الأمة وقادتها من أمثال الإمام التقي «أحمد بن حنبل: وسجل التاريخ على المعتزلة الذين زعموا أنهم أهل العقل وحرية الرأي هذه الجريمة حيث اضطهدوا معارضيهم في الرأي وضربوهم وسجنوهم دون النظر إلى مكانتهم العلمية والدينية والقيادية. يرفض الشيخ القرضاوي الأحزاب القائمة على أساس عنصري أو طبقي أو إقليمي أو المبنية على مصالح شخصية وأغراض ذاتية لأن التّعدد المشروع هو تعدد الأفكار والمناهج والسياسات المؤيدة بالحجج والأسانيد فيؤيدها من يرى أن اصلاح المجتمع وصلاحه يتم من خلال تلك البرامج والرؤى والمناهج والأساليب المحققة لها ويقارن الدكتور القرضاوي بين تعدد الأحزاب وتعدد المذاهب الفقهية فالمذهب الفقهي مدرسة فكرية لها أصولها في فهم الشريعة واستنباط الأدلة منها ويتكون أتباع المذاهب من تلاميذ المذهب فهم أشبه بحزب فكري التقى أصحابه على أصول معينة أما الحزب فهو مذهب سياسي له فلسفته وأصوله ومناهجه المستمدة من الإسلام الوسع الرحب وأتباعه أشبه بأتباع المذهب الفقهي كلٌّ يؤيد مايراه قريبًا إلى الصواب. فقد تلتقي مجموعة على أنّ الشورى ملزمة للحاكم وأن ّرئيس الدولة ينتخب انتخابًا مباشرًا عامًا وأنّ مدة الرئاسة محددة وأنّ أهل الشورى هم النّواب المختارون بالانتخابات وأنّ للمرأة حق الترشيح والنيابة وأنّ الدولة تتدخل في تحديد أسعار السلع والنشاط الاقتصادي كله وأنّ في المال حقًا غير الزّكاة وأن السياسة الخارجية قائمة على السلم إلخ.. بينما تلتقي مجموعة أخرى محافظة في برامج مختلفة حيث يرون الشورى معلمة ومجرد رأي للحاكم أن يأخذ به أويتركه وأن رئيس الدولة يعين أهل الحل والعقد ورئاسته مدى الحياة وأن الانتخاب ليس وسيلة شرعية وأن المرأة ليس لها حق الانتخاب أو الترشح وأن الاقتصاد حُر والملكية مطلقة وغير ذلك من المفاهيم.. وقد توجد مجموعة ثالثة لا تتفق معهما ولكنها تأخذ من هذا شيئًا ومن الثاني شيئًا آخر وهكذا.. ويقول القرضاوي فإذا انتصرت فئة من هذه الفئات وأصبحت مقاليد السلطة بيدها فهل تلغي الفئات الأخرى من الوجود؟؟ هل الاستيلاء على السلطة هو الذي يعطي الأفكار حق البقاء؟ والحرمان من السلطة يبيدها؟؟ فهل تلغى الفئات الأخرى من الوجود؟ وتهيل التراب على أفكارها لمجرد أنها صاحبة السلطات؟؟ هل الاستيلاء على السلطة يقضي بالحرمان والفناء للأفكار الأخرى؟ إنّ النظر الصحيح يقول: «لا»، فمن حق كل فكرة أن تعبر عن نفسها مادام معها اعتبار وجيه يسندها وأنصار يؤيدونها. يواصل «القرضاوي» ويقول: «أما ما ننكره في ميدان السياسة فهو ما ننكره في ميدان الفقه: التقليد الغبي، والعصبية العمياء، وإضفاء القداسة على بعض الزّعامات كأنهم أنبياء وهذا هو منهج الوبال والخبال»