كما أشرنا يوم الخميس الماضي، فقد ذكر زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق تحت عنوان «ملف تسليح القبائل العربية.. حقائق مغيبة» أنه في فترة حكومته المنتخبة ما بعد مايو 1986 وحينما تقلد لفترة وزارة الدفاع إلى جانب منصبه كرئيس للوزراء، في تلك الفترة تقدم الإخوة في هيئة القيادة بطلب لمساعدتهم في حث المواطنين للإقبال على التجنيد بالقوات المسلحة، وتلبية لذلك الطلب الناجم عن عدم رغبة المواطنين حينها في التجنيد، فقد أصدرت مرسوماً بتكوين لجنة من حزب الأمة القومي ممثلاً له باللواء م. فضل الله برمة ناصر ومعه المحامي تاج السر محمد صالح ممثلاً للحزب الاتحادي الديمقراطي والدكتور علي الحاج ممثلاً للجبهة الإسلامية القومية آنذاك وذلك لوضع قانون تنشأ بموجبه قوات للدفاع الشعبي تعمل تحت إمرة القوات المسلحة، ولكن قبل أن تنتهي اللجنة من إجراءاتها قام انقلاب يونيو 1989م، وقامت الجبهة الإسلامية بسرقة الفكرة، وتنفيذ المشروع بطريقة جعلت من قوات الدفاع الشعبي موازية للقوات المسلحة وليست تابعة لها، وهو الأمر الذي وصفه المهدي بأنه تنفيذ خاطئ لفكرة صائبة وذلك على النحو الذي أورده في كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان «الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك». ويضيف المهدي أنه من الحقائق التي تستحق الإشارة إليها لدحض التهم والحملة الإعلامية المكثفة التي مارستها الأحزاب العقائدية ضد حزب الأمة في تلك الفترة المقابلة التي تمت بين المرحوم يوسف كوه مكي واللواء فضل الله برمة ناصر بلندن عام 2011م بحضور صديقهما المشترك الأستاذ محمد سليمان مؤلف كتاب «السودان حروب الموارد والهوية» حيث نقل لي اللواء برمة أنه بعد حوار هادف وحقائق مريرة اعترف المرحوم يوسف كوه بأن الشعار الذي رفعه بشأن أن حزب الأمة سلّح العرب لضرب النوبة كان الهدف منه تحقيق مكاسب سياسية لإقناع بعض الجهات الأجنبية للقيام بتسليحهم. ويضيف المهدي أنه في خاتمة المطاف لا بد من الإشارة إلى أن الشرفاء من أبناء النوبة وأبناء القبائل غير العربية في دارفور والذين تقلدوا مواقع وزراء وحكام أقاليم في حكومات الديمقراطية الثالثة كانوا بدون شك في مواقع رفيعة تؤهلهم لمعرفة الحقائق إن كان حزب الأمة قام بتسليح القبائل العربية ضد القبائل الأخرى في فترة حكومتي ما بعد مايو 1986م. وتجدر الإشارة بالإضافة لذلك إلى أن كتاب المهدي المشار إليه قد تضمن عدداً من الملاحق المرفقة به ومنها ملحق تحت عنوان «الميثاق العسكري» ذكر فيه أنه في التاريخ القديم قامت شرعية الحكم على أسس آيديولوجية أو كاريزمية أو وراثية، وفي كل تلك الحالات خضعت القوات المسلحة للشرعية المتبعة. وفي مرحلة تدهور الدول المعنية تراجعت الشرعية واستطاعت القوات المسلحة الاستئثار بالسلطة السياسية على أساس شرعية القوة المسلحة. ويضيف المهدي أن السودان الحديث أقامه الحكم الثنائي الذي كوّن قوة دفاع السودان وجعلها أساس الدفاع عن البلاد. وأسوة بما حدث في كل المستعمرات السابقة فإن قوة الدفاع التي كونتها السلطة الاستعمارية صارت هي المؤسسة العسكرية للدول المستقلة. ويشير المهدي إلى أن هناك مجموعة من العوامل هزت الشرعية الدستورية في البلدان حديثة الاستقلال فأقدمت تيارات سياسية علي استخدام القوات المسلحة وسيلة للاستيلاء على السلطة، والنتيجة في كل الأحوال هي أن المؤسسة العسكرية صارت هي السلطة السياسية. وقد انتهت تجربة العسكرتارية والسلطة السياسية في العالم الثالث إلى ثلاثة أنماط هي إقامة نظام سياسي فيه وصاية عسكرية مستمرة كما في تركيا، أو إلغاء المؤسسة العسكرية نهائياً لتجنب المغامرات الانقلابية كما في كوستاريكا، أو إخضاع القوات المسلحة للشرعية الدستورية كما في أغلبية بلدان أمريكا اللاتينية أسوة بما حدث في التجربة السياسية الغربية. وتحت عنوان «التكوين العسكري المستقبلي» دعا المهدي في الميثاق العسكري الذي أورده كجزء مكمل للمشروع السياسي الديمقراطي إلى الالتزام بمبادئ تكوين المؤسسة العسكرية السودانية على أسس من شأنها أن تجعلها عالية الكفاءة والتدريب وقابلة للتوسع عند اللزوم. إضافة لاعتماد نظام الخدمة الوطنية وضبط الصرف العسكري وحصر وظيفتها في الدفاع، ووضع ضوابط محددة للحيلولة دون الانقلابات العسكرية.