كتاب كليلة ودمنة من التراث الهندي وقد ترجمه للغة العربية عبدالله بن المقفع. وقد جاء في تعريفه «من نفائس الأدب العالمي الخالدة. وقد سمي بعنوان أحد قصصه الهادفة في مجموعها للوصول إلى مطلب واحد هو إصلاح الملك الظالم، كغيره من الكتب التي كتبت على منواله.. وهو يمهد للقصة بحكمة، ثم يجعل القصة تفسيراً لهذه الحكمة. كقوله:«إن الذي يعمل بالشبهة يكون قد صدق ما ينبغي أن يشك فيه ... كالمرأة التي بذلت نفسها لعبدها حتى فضحها.» وفكرة الكتاب قائمة على الحوار بين الفيلسوف بيدبا والملك دبشليم في سياق القصة الرئيسية». في كثير من المواضع يضطر الناس أن يلجأوا إلى الحيوان لحمل أفكارهم التي لا يستطيعون التعبير عنها جهرة كما إنه يتيح المجال لارتياد أبواب الخيال لإيراد الحكمة والنصيحة. وقد جاريت كثيراً من تلك القصص التي تصلح للتعبير عن الحال من واقع المقال بما يجاري العصر فقد كتبت مرة أقول: قال دبشليم «وهو الملك» لبيدبا الفيلسوف: حدثني يا بيدبا عن المرء يتحرى الفعل القبيح حتى يورثه لنسله. قال بيدبا:- أعز الله مولاي الملك واصلح بحكمته حال الرعية: فقد بلغني أن جد الكلاب وكما قال الشاعر: الكلب في نسل الكلاب فجده كلب ووالده أعرفو براكا جد الكلاب ذلك عندما بلغ من الشيخوخة مبلغاً أصابه حفظك الله مرض السكر. فكان يقضي يومه نائماً تحت الأزيار ولا ينهض إلا لقضاء حاجة ثم يعود أدراجه. وفي سعيه الدؤوب لقضاء حاجته على جدران المنازل كان لا يأبه لتلك الفئة الضالة المارقة من بني البشر التي تكتب على الجدران «ممنوع البول يا حمار» فذلك أمر لا يعنيه لأن المعني به الحمار إلا إنه كان يتعجب في سره كيف يتبول الحمار على الجدار والجدار قائم؟ ولكنه كان يقول : مالي أنا والحمار.. يتبول على الجدار هذا شيء يخصه هو ولا يخصني. كانت الكلاب الصغيرة الضالة منها وغير الضالة تراقبه وهو يتبول على الجدار فتزداد إعجاباً به وتقلده. غير أنها ذات يوم رأته يتمطى ثم يقف على رجليه ويمشي مشواره المعتاد إلى الجدار الذي اعتاد أن يتبول بالقرب منه.. ثم يقف ليحك جسمه بالجدار من القراد الذي يقلق راحته.. ثم يحك أذنه برجله الخلفية التي سيضعها على الجدار ثم ينزلها ويقف ليتبول. ودون سابق إنذار «وفجأة دون أسباب» سقط الجدار عليه في ثوان لم تمهله ليتدبر أمره فمات مدفوناً تحت أنقاض الجدار. ومن يومها أي كلب لا يريد أن يتعرض لمثل ما تعرض له جده فصار عندما يريد أن يتبول يرفع رجله ويسند الجدار حتى لا يسقط عليه وصار ذلك السلوك ديدن جميع أفراد أمة الكلاب. انتقل إليها من فرد إلى فرد ومن جيل إلى جيل ولا زالت تعتقد أن الكتابة على الجدران «ممنوع البول يا حمار» تعني الحمار وحده. وأمة الكلاب غير مقصودة بذلك. والكثير من مثل هذه الروايات التي تصلح لتقويم السلوك والدعوة لمكارم الأخلاق. أما في مجال السياسة فالمجال واسع رحب. فمثلاً يقول الملك دبشليم للفيلسوف بيدبا : -حدثني يا بيدبا: لماذا لا تسارع الرعية للحوار معي وقد دعوتها إلى ذلك؟ ويجيب بيدبا : لأنك عندما جمعت كل الكروت لديك لتلعب كونكان .. قرر الجميع أن يلعبوا شطرنج. وهذا يشير للحلقة المفقودة في الحوار الذي تدعو له جميع الأطراف ولكنه لا يحدث إذ أن لغة الحوار لا تحمل مفردات متشابهة.