الأستاذ ربيع حسن أحمد مدير مركز دراسات المستقبل، أحد رموز الإسلاميين القلائل الذين سطروا مواقف مشهودة وقوية في ساحة الحركة الإسلامية، كشفت عن شخصيته وقناعاته التي لم يتزحزح عنها وكان رأيه واضحاً إبان المفاصلة الشهيرة التي نصفت الحزب الكبير إلى «منشية» و«قصر»، التقيناه في هذا الحوار الذي تطرق الى هموم وقضايا الحركة الإسلامية الراهنة وعن إمكانية توحيد صفوفها بعد أن برزت على الساحة مبادرات عديدة منها داخلي وآخر خارجي تحمل الهم نفسه وأسباب فشل هذه المبادرات وعن العقبات التي دائماً تقف حجر عثرة في طريق هذا التوحد الذي صار بدوره أحد أشواق معظم الإسلاميين، وخرج الحوار بإجابات وحقائق لا تخلو من الصراحة المعهودة لدى ربيع. فإلى نص اللقاء باعتبارك أحد رموز الإسلاميين، بصراحة ماذا يجري في صفوفكم؟ هناك قلق على المستقبل السياسي، وهناك رغبة في أوساط الإسلاميين أن تعالج البلد الكثير من القضايا التي شابت تجربة الحكم وتحتاج لمعالجة صريحة وواضحة، وهذا هو سبب القلق، ومن آثاره خروج بعض الإخوان أمثال غازي وآخرين، فهم يعبرون عن ضيق التغيير ليس بالقدر الذي يمكن لإحداث التغيير المطلوب وهذا ما يدور في أوساطنا، ولا تزال هذه الململة موجودة، وهناك محاولات لإعطائها المجال لتظهر والناس ينظرون إلى أن الحركة الإسلامية لا بد أن تواجه واقع اليوم، وأن تخرج برؤى محددة ولا بد أن تقيم المشروع الإسلامي نفسه منذ بداياته وإلى الآن وترسم مستقبله. وهذا لا يعني أن تقوم مقام المؤتمر الوطني، وإنما هي جهة يفترض أن تقدم الفكر والرأي في أمر المشروة الإسلامية ككل. هل هذه أشواق أم أنها رؤية حقيقية للأحداث من داخل الحركة الإسلامية؟ القلق نتج لأنه ليست هناك خطوات جادة، أما إذا كانت أشواقاً فإنه سيكون سبيلها آخر. هناك من ينظر إلى تقارب الوطني والشعبي إنما هو محاولة لترميم صفوف الحركة الإسلامية والعودة من جديد صفاً وحزباً واحداً؟ نعم هناك شيء من الصحة في ذلك، فأنت تعلم أن المفارقة التي حصلت والانشقاق الذي حصل كان الرؤية له يجب ألا يحدث وقتها، وما يؤكد ذلك اللجان التي كونت لرأب الصدع وغيرها مما يمثل رأي الغالبية في الحركة الإسلامية.. وأنا هنا أقول توجد أشواق للعودة ولكن وقوعه أضعف من وضع الحركة الإسلامية وصدر لها مشكلات، حقيقة كانت في غنىً عنها. وما حدث أعتبره تطوراً في الساحة السياسية أكثر من كونه ناتجاً لعمل حصل داخل الحركة الإسلامية. البعض يصف المفاصلة بأنها كانت «خدعة» من الإسلاميين، حيث كان الخطر الخارجي مداهماً البلاد ولا سبيل لتفاديه غير هذه التمثيلية ماذا تقول؟ طبعاً حينما قيل هذا الكلام كان تحليلاً وتخرصاً، لأن من حلل رأى إلى النتيجة وقال لا بد إنها أن تكون مقصودة ولذلك رأى أنه لابد من يكون وراء هذا الأمر تدبير، ولكن أن تكون هذه العودة بعد «15» سنة فهذا ما لم يكن من المنطق، ولكن إذا كان قد تمت هذه العودة بعد سنتين أو ثلاث يمكن أن تكون هذه الفكرة قوية مسلم بها، أما بالنحو الذي نراه فهي غير صحيحة. ولكن الترابي كشف في حديث له سيناريوهات الإنقاذ الأولى حينما قال: «قلت للبشير اذهب للقصر رئيساً وسوف أذهب أنا للسجن حبيساً»؟ ذلك السيناريو كان تغطيةً للانقلاب الحاصل حتى لا يكشف أمره من يقف وراءه، وأنه ليس انقلاب الحركة الإسلامية.. وأنا قناعتي الشخصية أنه لم تكن المفاصلة تمثيلية وإنما كانت شيئاً طبيعياً، غير أنه أبرز أزمة في الأوضاع العامة وفي التعامل الداخلي والتنظيمي وكذا.. ولكن برأيك، هل كان سيكتب للحكومة النجاح إذا ما سارت كما تقول بنفس الحركة الإسلامية في ظل التربص الخارجي بها؟ الحركة الإسلامية حكمت السودان طيلة الفترة الماضية وخيبت كل التوقعات التي راهنت على أنها سوف تصمد ل«40 أو 50» يوماً فقط، ومع ذلك قامت بأعمال كثيرة ثبتت بها الحكم ومواقعها ولم تكن بدون إنجازات وبدون عمل ولو كانت كذلك لانتهت زمان. كأنك تريد أن تقول إنها نجحت في تغيير واقع الناس للأفضل؟ عملت أشياء كثيرة، ففي الخمسة عشر عاماً الماضية حصل تطور كبير في السودان، وكانت تقوده الحكومة سواء أكان في الاقتصاد أو غيره، فالسودان اليوم ليس سودان 1989م إيجابياته أكثر من مواقع الخلل فيه. هل الحركة الإسلامية حاكمة أم محكومة، وهناك من يشير إلى أنها لم تحكم؟ الحركة الاسلامية لم تكن حاكمة يقصد به شيء آخر. ما هو؟ الذين يقولون ذلك يعتقدون إن المشروع الإسلامي هذا يجب أن يكون هناك مجال لحركة فكرية موازية له تهديه وتوجهه وهكذا فهم افتقدوا هذه المسألة. الذين يقولون بسيناريو الخديعة، قالوا إن الخطة كانت هو أن يكون المؤتمر الشعبي حامياً للنظام وفي نفس اللحظة قائداً للمعارضة؟ لا أظن ذلك، لأن فكرة المؤتمر الشعبي كحزب أو تنظيم سياسي، تنظيم ضعيف وإمكانياته كانت محدودة وكان عبارة عن تنظيم تصريحات فقط، واستفاد من شخصية الترابي وهذا ما جعله موجوداً في الساحة. وماذاعن مقاطعة الشعبي لأحزاب المعارضة وتمسكه بخيار المؤتمر الوطني وهو الحوار، ألم يكن هذا مفسراً لسيناريو الإسلاميين الذي بات مكشوفاً؟ طبعاً ليس بمستغرب أن ينضم الشعبي للمؤتمر الوطني لأنه أقرب الأحزاب في الساحة إليه برامجياً وتشكيلاً وتوجهاً، ولو خير الحزبان في أنه من في الأحزاب الموجودة في الساحة أقرب له سيكون اختيار كل منهما بلا شك الآخر. لأنهم الأقرب لبعضهم وجدانياً. مقدرة الإسلاميين على طي صفحة الماضي؟ من السهل جداً، وأقول هذا الكلام لأني أعلم تكوين الشخصية السودانية ومزاجها أميل إلى أن تتفق وأن تنسى الخلافات، لأنه رغم حدوث المفاصلة ظلت العلاقات على المستوى الشخصي عادية جداً والخصومة لم تكن فاجرة، وعلى المستوى الشخصي لم نجد هواجس في التعامل مع إخواننا في المؤتمر الشعبي. معنى ذلك أنكم تقودون خطوات لترميم صفوفكم من الداخل للاتحاد مجدداً؟ الآن ليس هناك مشروع مطروح بهذه الكيفية، وغالب الظن يبقى المؤتمر الشعبي كما هو والوطني كما هو. الناطق الرسمي باسم الشعبي في حديث له قال قد يقدر الحزبان العودة مرة أخرى؟ الناطق الرسمي لا يعلم كثيراً في هذا الأمر. ومن يعلم بهذا الأمر؟ أنا أقصد بأنه ليست له تجربة ولا معرفة في هذا الأمر، هناك أكثر من مبادرة لطي خلافات الحزبين قد أعلنت ولكن دائماً لا تمضي بعيداً، فمن حقيقة يئد هذه المبادرات؟ هذه المبادرات لم يكن لها مردود واضح إلا إذا أتت من قبل القيادة والحاصل أنه ليس هناك تفاهم مماثل على مستوى القيادات مما أدى الى ذهاب كل المبادرات سدى، وينفي حدوثها في معظم الأحيان من قبل القيادة في الحزبين. الأحزاب الأخرى تتهمكم بأنكم تقومون باستقطاب الأحزاب اليمينية ضد الأطراف اليسارية؟ هذه هي العملية السياسية دائماً، تفاعل بين الأحزاب يشترك فيه الأفراد ويؤثر فيه موقف الأحزاب قرباً وبعداً وأذكر أن هذا هو الأمر منذ الستينيات، فكل القيادات السياسية فيها اليساري أقرب لليسار واليميني أقرب لأحزاب اليمين، حتى أنه بعد ثورة أكتوبر كانت قيادات حزب الأمة قريبة جداً من الإسلاميين، وهذا تفاعل سياسي طبيعي. كيف تقيِّم تجربة الإسلاميين في الحكم؟ هذا السؤال كبير وليس من السهل الإجابة عنه، لكني أعتقد دوماً أنه لو كان هناك فشل هو في الجانب السياسي لأننا من بدري جداً كنا نعتقد أن السودان بلد في حد كبير متألف والإسلام يجمع السودانيين بصورة كبيرة لذلك ليست هناك فوارق كبيرة بين الأحزاب التي هي في السودان ليست كالتي في البلدان الأخرى متمرسة ولها مبررات، إما عنصرية أو مصلحية، فهنا أحزابنا عادية وتفكر في الأمور السياسية تفكيراً عادياً ممكن تغير في المواقف وتبدل، فلذلك كنا بنفتكر دوماً أن فرصة الحركة الإسلامية كبيرة جداً ليس كي تحكم هي، ولكن كي تأتي بنظام سياسي ذي توجه إسلامي مقبول وممارسة ديمقراطية أقرب للسودانيين وأقرب للإسلام، وكنا نعتقد أن السودانيين قادرون على ذلك لما لهم من وعي وفهم وتعليم، وفي هذه الناحية ولو تذكر أنها من أوائل الأشياء التي بدأت بها الإنقاذ من خلال المؤتمرات، وكانت تريد بذلك أن تشير إلى أن حركة الإنقاذ هذه تغيير جذري في المجتمع السوداني. ولكن يلاحظ أنه رغم أن المجتمع ظل يتنفس منهاج الحركة الإسلامية، إلا أنها لم تحافظ على وحدة المجتمع السوداني وكثرت الانشقاقات؟ هذا الموضوع كان تحدياً للحركة وأظنها لم تنجح فيه، تحديا أن تبرز قيادات مؤثرة في المجتمع ولكن الشيء المؤسف أن بعض هذه القيادات انحرفت إلى الانتماءات الجهوية بدلاً من أن تخفف منها. فالنظام السياسي الذي أتت به الإنقاذ لم ينجح في أن يبرز للمجتمع قيادات سياسية بفكر جديد واصلة إلى القواعد وإلى الشعب السوداني ككل. تجربة الإسلاميين في الحكم وفشلها، أدى إلى خلق نفور وانفضاض عنها وسط الشارع السوداني؟ هذاردة فعل، وفيها نوع من المبالغة والتطرف، فالناس إذا ما تعاملوا مع أي نظام آخر غير الإنقاذ وفشل هذا النظام لا يعطي هذا الناس سبباً للانفضاض عنه، والإنقاذ هي أنجح نظام سياسي حكم البلاد، ولا أظن بوادر الفشل المحدودة مسوغاً لخروج الناس عنه. هناك شواهد أخرى في بلاد مجاورة شهدت انفضاضاً عن الإسلاميين؟ هو طبعاً في مصر والجزائر وتونس وصول الحركات الإسلامية للحكم قابلتها الجهات المضادة لها وزعزعت الحكم بسببها وفي الآخر ألقت باللائمة على الإخوان وهذه واضحة جداً في مصر مثلاً التي انقلبت فيها الثورة على الديمقراطية ولا أستطيع أن أقول إنها تعبر عن الشعب المصري والذي انقلب منهم كان ذلك بفعل الدعاية المضادة. لذلك كان الناس يعتقدون أن الإخوان ارتكبوا خطأً كبيراً حينما استلموا السلطة إذ ما زال الوقت باكراً لذلك لأن بوادره لم تتنزل إلى الأرض إلى وقتها. ما جرى لإسلاميي مصر، هل له تأثيرات على إسلاميي السودان؟ ليس له تأثيرات بشكل مباشر، لأن الاسلاميين في السودان والإسلاميين في مصر ليسوا تنظيماً واحداً، فكل منهم تنظيم مستقل قائم بذاته، ولا يوجد تأثير. لكن اتجاه الحكومة المصرية تجاه إخوان مصر جعل الحكومة المصرية تعادي كل التيار الإسلامي حتى في البلدان المجاورة، ولذلك أصبح هذا الموقف عاماً وتأثيره كبيراً ولكن غير مباشر. إسلاميو مصر يحاصرهم النظام ولكنكم لم تناصروهم ولم تدعموهم؟ الإخوان في السودان وفي كل العالم متعاطفون مع الموقف المصري، لكن يدعمونهم أم لا فهذه مسألة صعب الحديث فيها، وهذه المسألة بالنسبة لنا في السودان حساسة جداً. هل يستطيع السيسي تنفيذ حكم الإعدام على المئات من الإخوان؟ لا يستطيع. هو فقط يريد أن يظهر للعالم بأنه يملك زمام القوة وأنه قادر على تسيير الإسلاميين بالصورة التي يريدها. كيف تنظر لمستقبل الإسلاميين في السودان في ظل التحديات التي يواجهها رصفاؤهم بالخارج؟ لا يوجد شيء صعب أو مستحيل وإذا ما فتحت القيادة المجال للإخوان وأن يتوفروا للنظر في وضع السودان ووضع الحركة والمشروع الإسلامي نفسه وهكذا، فإنهم قادرون على أن يأتوا بأفكار جديدة تعالج هذا الوضع الذي نحن فيه الآن. باعتبارك أحد القدامى في الحركة الإسلامية. برأيك لماذا تفرقت وحدتهم وتجزأت؟ كثرة تعدد المنابر الإسلامية والمنظمات الإسلامية حاجة قديمة لم تكن وليدة الحكومة الراهنة، ولم يكونوا جبهة واحدة إطلاقاً، والخلافات بينها تكون في أوجها عندما تكون سياسية. ولكن اذا كنت تعني بالتفرقة الانشقاق بين الشعبي والوطني، فإنه لم يكن انشقاقاً عادياً مثل الذي يحدث في الأحزاب الفكرية، انشقاق منطلق من مواقف ورؤى! هذا الانشقاق صراع منطلق من مواقف حول السلطة وهذه طبيعته بمعنى لمن تكون السلطة وهكذا، فالغالب ليس لديه عمق ولم يكن لديه توجه فكري ولم نختلف حول طريقة إدارة البلد وهذا أثر تأثيراً كبيراً في صفوف الحركة الإسلامية لأن الكثير من القضايا الآن لم ينظر لها النظرة الموضوعية المجردة، دائماً يدخل فيها العنصر الشخصي، فالطريقة القديمة التي فيها نوع من التآلف والوضوح والعلاقة الخالية تأثرت كثيراً. خلال انتخابات الحركة الإسلامية بولاية الخرطوم قيل إن قيادات نافذة تدخلت من خلال رسائل تلفونية دفعت الأعضاء إلى التصويت لاتجاه محدد.. ما صحة ذلك؟ أعلم أن هناك محاولات للتأثير قريبة مما تقول عن طريق الاتصال بأعضاء مجلس الشورى للتأثير على قراراتهم، ولكن القيادة انتقدتها. ولا أدري إن كانت لها علاقة بالانسلاخات الأخيرة في صفوف الحركة الإسلامية. الحوار الوطني ومجرياته، كيف تنظر له؟ مبادرة موفقة جداً من جانب المؤتمر الوطني والسيد رئيس الجمهورية لمسؤوليته المباشرة عنه، وكذلك كانت الاستجابة جيدة من المجتمع السياسي السوداني، وما حصل من رفض كما قيل عنه، ليس أساسياً لأن هناك قبولاً لفكرة الحوار محلياً وعالمياً، وذلك لأن المسألة في غاية البساطة هو أنك تريد أن تفتح النظام والدولة للمشاركة، فمشكلة السودان منذ زمان هو كيف يؤسس لنظام ديمقراطي ولأن التجارب التي مرت بالنظام الديمقراطي كلها ليست جيدة، لذلك كانت تفشل الديمقراطيات في السودان. لذلك جاءت فكرة الحوار الوطني. عملية تعديل القانون ألا يمكن أن تكون قد أخذت منها الكثير؟ تعديل القانون جاء ليضمن حسب رأيي أكبر مشاركة ممكنة في الحكم، وقد تكون هذه معالجة جيدة للأمر وإن كانت القضية المهمة أيضاً في المسار السياسي هي مسألة الحركات المسلحة الناتجة عن صدى لشعور موجود في مناطق نسميها «مناطق الهامش»، وهي تسمية غير دقيقة والشعور بأن مشاركتها في السياسة ليست بالصورة المطلوبة، لكن هذه المسألة نفسها تحتاج لنظر من القيادات والمفكرين السياسيين خاصة وأن البلد حدثت فيها تغييرات «ديموغرافيكية» تحتاج لجديد في التفكير. بما أنك امتدحت هذه التعديلات، نجد أن القوى السياسية مجتمعة أعلنت رفضها لها، وطالبت بإرجاع القانون للحوار الوطني؟ افتكر شخصياً هذا التوجه بغير المفيد لأنه يجب علينا إذا جاءت مبادرة من أي اتجاه يجب أن نأخذها بجدية، ومن ثم يتم تقييمها لمعرفة ما لها وعليها، وكونها جاءت من أين هذا ليس مهماً، وإنما المهم هي المبادرة في نفسها. وكون الوطني يعمل مبادرة فهذا هو المطلوب ويعتبر خطوة جريئة دافعة للحوار وليس ناقصة منه. الشعبي أيضاً طرح مبادرة بإرجاع القانون للأحزاب ولكن لم يؤخذ بمبادرته؟ حسب وجهة نظري لا اعتراض على تلك المبادرة، فكل شيء قابل للنظر، لكن المهم جداً أن تكون هناك مبادرات أكثر من الحكومة في المجالات المختلفة. ولكن أحد رهان القوى السياسية ومنهم حركة غازي هو أن يخرج الوطني من جلباب الحكومة حتى تكون المسافة بينه والأحزاب واحدة لإنجاح الحوار؟ هذا حديث نظري، من الممكن أن تطالب المؤتمر الوطني الحزب الحاكم أن يخفف من تأثيراته على العملية الانتخابية لأقل شيء ممكن، ولكن لا يمكنك أن تطالب بترك البلد من غير حكومة لإجراء العملية الانتخابية، ومعلوم أن الحكومة القائمة تستفيد من موقفها، فالرئيس إذا كان نازلاً انتخابات لا أحد يقول للرئيس استقيل كي تترشح. خروج قيادات موثرة كالصادق المهدي وغازي صلاح الدين، ألم يكن مؤثراًَ في عملية الحوار الوطني؟ أرجو ألا يكون هذا الخروج خروجاً لأغراض سياسية، لأن من المشكلات المؤثرة في تطورنا السياسي هو أن كل جهة حريصة على أن تنظر لمصالحها ومنفعتها الشخصية والعائد لها من أي تحرك، ومن هنا تحدد موقفها، فإذا كان تحرك الصادق وغازي الغرض منه أن تكون هناك جدية في التعامل مع أمر التحول من أجل الديمقراطية مرحب به، أما إذا كان لأغراض شخصية فإن العائد سيكون سلبياً. بعض الأحزاب تقول إن الوطني كلما اشتدت به المصاعب يلجأ لأسلوب التصالح مع الأحزاب، فهل تعتقد أن الحزب الحاكم جاد في مسألة الحوار الوطني؟ بصرف النظر عن الدافع فإن المواعين السياسية وإدخال الآخرين درج عليها المؤتمر الوطني منذ زمن بعيد، والدليل على ذلك فإن المشاركة في الحكومة الآن من غير الوطني أعداد كبيرة ولا تستطيع أن تقول كل هذه الأعداد «كومبارس»، وما يقال فيه شيء من المبالغة ولا يعكس الواقع. وماذا تتوقع للحوار الوطني، هل سيعبر بسفينة الاستقرار والسلام إلى شاطئ الأمان أم ماذا؟ أتوقع له درجة من النجاح وهذا يعتمد على المقدرة في معالجة المشكلات برؤية منفتحة. هل سيعود غازي ومجموعته إلى كتلة الإسلاميين؟ إذا تغير الوضع تغيراً كبيراً وحلت المشكلات التي من أجلها اتخذ غازي هذا الموقف، فإنه سوف يعود. تغير الوضع، هل تعني به تنازل الوطني عن سياساته الأحادية؟ نعم، تغير سياسي شامل، ونعتقد أن يأتي الحوار بهذا التغير السياسي الشامل.