مشروعية زكاة الفطر: قال تعالى «قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى» سورة الأعلى «14 15» وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة لمساكين.. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة متقبلة.. ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» رواه ابو داؤد وابن ماجة، فهي شرعت لتخرج قبل صلاة العيد.. ألا ترى أن الصلاة عطفت على الزكاة بحرف الفاء وهو يدل على التتابع والترتيب. تزكى وذكر اسم ربه.. فصلى أي أن الصلاة تأتي بعد الزكاة وهذا ما أكده الحديث وبينه بياناً شافياً. أما قوله طهرة للصائم من الرفث واللغو.. أما الرفث فهو الاشتغال بأمر النساء المباضعة وما دونها والمقصود هنا في الصيام ما دونها، لأن المباضعة تفسد الصيام أي ما دون المباضعة في نهار رمضان، أما الرفث بنوعيه فهو معفي عنه في ليل الصيام لقوله تعالى «أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم». أما في الحج فالممنوع هو الرفث بمعنى المباضعة من بداية دخول الحاج في مناسك الحج بالاحرام لقوله تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج». وانظر إلى قوله فلا رفث في الحج ولم يقل في اشهر الحج، ليدلنا على ان النهي منصب على الحاج بعد دخوله في حرمات الحج. {اسمها: سميت زكاة الفطر لأنها تجب ليلة الفطر، والزكاة تعني التطهير فهي تطهير للمسلم عند اقبال الفطر، وسميت الفطرة لأن الفطرة هي الخلقة قال تعالى «فطرت الله التي فطر الناس عليها» فزكاة الفطر طهرة للبدن وللنفس فنسبت إلى الفطرة، وأما الزكاة العامة فهي طهرة للمال.. حكمها وعلى من تجب: قال ابن عمر رضي الله عنهما «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان على الناس صاعاً من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين» متفق عليه، وقالوا تجب على كل مسلم صغيراً كان أو كبيراً ذكراً كان أو أنثى.. وتجب على اليتيم في ماله ويخرجها عنه وليه، وتجب على العبد مسلماً كان أو كافراً ويخرجها عنه سيده المسلم، ويخرج عن كل هؤلاء رب الاسرة فيخرجها اولاً عن نفسه ثم زوجته ثم رقيقه ثم ولده ثم أمه ثم أبيه ثم الأقرب فالأقرب في الميراث.. ذكر ذلك ابن قدامة في «المغنى» مع تفصيل وترجيح واختيارات في تقديم صدقة الرقيق على الزوجة.. وتقديم الولد الصغير غير البالغ على الوالدين.. وكذلك في تقديم الولد الكبير على الوالد أو في تقديم الوالد عليه.. كل ذلك إذا لم يتوفر عنده الفضل الذي يكفي كل هؤلاء.. فاذا توفر وجب اخراجها عنهم جميعاً مع عدم الاشتغال بالترتيب اذ لا حاجة إليه. في أي الأصناف تجب: روي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر في رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من إقط أو صاعاً من شعير.. فعدل الناس به صاعاً من بر. وفي رواية نصف صاع من بر لغلاء قيمة البر وهو القمح». وقالوا يصح اخراجها من كل ثمرة وحبة تقتات اذا عدمت الاصناف المنصوص عليها.. فالذرة تصلح لذلك والزبيب والدقيق والقمح.. هو اغلاها وانفعها للناس «يعني القمح» ويخرجها اهل البوادي والارياف من طعامهم الذي اعتادوه، وقد اخرجها اهل البادية قديماً من الإقط وهو اللبن المجفف، على ان اللبن نفسه لا يصلح لا الخبز ولا العصيدة.. وكل ما تجاوز حد الادخار فلا يصلح. فاذا كانت الاصناف المنصوص عليها متوفرة فلا يجاوزها إلى غيرها. هل يشترط فيها نصاب؟ الذي عليه عامة اهل العلم انها واجبة على القادرين عليها دون اعتبار للنصاب.. بل اجازوا أن يستدين المكلف لاخراجها اذا كان قادراً على سداد الدين. لكن أهل الرأي وهم الاحناف على خلاف ذلك، بل يشترطون النصاب اخذاً بظاهر الحديث «لا صدقة إلا عن ظهر غنى»، والارجح عندهم انها لا تسقط عن الفقير اذا ملك قوت يومه وأفضل عنده، وتقضي عن الميت في ماله إذا مات بعد ان قد وجبت عليه ومات قبل أدائها. هل يجوز إخراج القيمة؟ اما مالك والشافعي وابن حنبل فلم يجيزوا اخراج القيمة لأنها عندهم زكاة والزكاة لا تجب إلا في الصنف ذاته المزكى. وخالفهم الامام الثوري وابو حنيفة وعمر بن عبد العزيز والحسن واجازوا اخراج القيمة. قالوا وكان معاذ بن جبل يأخذ الثياب مكان الذرة والشعير، إلا ان هذه الرواية ضعفها صاحب المغنى وطعن في صحتها لأن معاذاً ذكر أن الثياب انفع للمهاجرين والانصار، قال كيف ذلك وهو لم يؤمر بحملها إلى المدينة، بل أمر بتفريقها في مساكينهم فعدوا هذا طعناً في الرواية. وقال ابن تيمية في فتاواه إن اخراج القيمة بغير حاجة ولا ضرورة ولا مصلحة ممنوع، وبنى ذلك على أنه قد يقع ضرر في التقديم فيكون ذلك وبالاً على المستحق لها. كان أن إخراج العين فيه تيسير على المكلف حتى لا يضطر إلى البحث عن القيمة. إخراج القيمة في السودان: والذي عليه العمل في السودان أن القيمة تجزي، وقد اعتبر المجمع الفقهي الاسلامي ان الربع يكفي لثلاثة افراد، واذا زادت قيمة الربع أو قلت فبالحساب . متى يجوز إخراجها: الذي عليه السنة ان المكلف يخرجها قبل توجهه إلى المصلى وهو ما جاء في القرآن، وتأخيرها ينافي إغناء الفقير ويؤدي إلى انشغاله بقوت يومه هو وعياله.. أما وجوبها فبعد غروب آخر يوم من رمضان.. قالوا يجوز تعجيلها يوماً أو يومين، واجاز آخرون اخراجها في رمضان كله.. قلت وذلك ينافي الحكمة في إخراجها، وهو اغناء المحتاج يوم الفطر. لمن تعطى زكاة الفطر: الراجح عند اهل العلم انه تعطى للفقراء والمساكين دون بقية الاصناف الثمانية لأنها مقصود بها اغناؤهم عن المسألة، ولأن النص جاء انها «طعمة للمساكين»، ولقوله صلى الله عليه وسلم «أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» ولذلك اوجبها الله طعاماً ولم يوجبها نقداً هكذا ذكر ابن تيمية رحمه الله. هل تعطى لولي الأمر: الاصل ان يخرجها صاحبها بنفسه لأنها تدخل ضمن المال الباطن الذي يتولاه صاحبه بنفسه خلاف ما يجري عليه الأمر في ايامنا هذه النحسات.. واذا تعذر على صاحبها اخراجها بنفسه أجزأت عنه إذا سلمها لولي الأمر مضطراً. واذا كانت لجان المساجد ولجان الأحياء مكونة ممن يؤتمن فلا بأس من توليتها أمر زكاة الفطر. ونختم مذكرين ومؤكدين أن زكاة الفطر واجبة وجوباً قطعياً على القادرين.. وليست مندوبة ولا مستحبة.. والدليل على وجوبها خلاف ما ذكرنا من جهة النقل أنها قدرت لها قيمة ملزمة.. وذلك يدل على الوجوب.