ليس بالضرورة أن تكون شريفاً للفوز في انتخابات العالم الثالث، خاصة في إفريقيا، فالخدمات قد تشكل دوراً مهماً في اختيار الناخبين، بينما لا تشكل المبادئ والشعارات أو التاريخ السياسي أهمية في خيارات الناخبين، فمهما كانت الظلال القاتمة تصبغ الشخصية المترشحة في الانتخابات، فإن ذلك لن يثني الناخبين عن تزكية المرشح، بينما في دول الغرب والولاياتالمتحدة يتحفظ الناخبون على التصويت لبعض المرشحين بسبب بعض القضايا التي نرى أنها بسيطة بحسب إرثنا السياسي، وقد تطيح حتى رئيس الجمهورية مثل قضية ووترقيت التي حدثت في السبعينيات عندما تجسس فيها الحزب الجمهوري في الولاياتالمتحدة ضد نظيره الحزب الديمقراطي بزرع أجهزة تنصت في أحد مقار الحزب، فاضطر الرئيس نيكسون للاستقالة، كما أن الناخبين قد يمتنعون عن التصويت لأي مرشح ثبث أنه لم يقدم يوماً معلومات صحيحة للضرائب، لكن في دولنا العربية المهم أن يثق الناخبون في قدرة المرشح على تنفيذ وعود الخدمات الملحة مثل مياه الشرب والتعليم والطرق، ولا يهم إن تجسس على حزب أو اخترقه بالكامل أو غير لونه السياسي لأسباب انتهازية، أو حامت حوله الشبهات في «لهط» صفقة مليارية، وربما لهذه الأسباب لم يكن غريباً قبل عام عندما ترشح في بلغاريا شخصان ضالعان في الجريمة في الانتخابات البرلمانية في إحدى القرى التي تبعد حوالي «60» كيلومتراً عن العاصمة صوفيا، وهما رجلا شرطة سابقان، وقد استغلا ثغرات في القوانين للحصول على الإفراج من السجن والحصانة المؤقتة في حالة تمكنهما من دخول البرلمان. وتعليقاً على الحدث قالت معلمة في الستين من العمر: «أنا لا أكترث إلى أنهما في السجن، لأن هناك الكثيرين ممن يتعين أن يكونوا في السجن، لكنهم ليسوا فيه، وأنا أثق بهما، كما أن لديهما المال ويعملان على خدمة البلد». وأشارت المرأة إلى الغضب المتزايد على الحزب الاشتراكي الحاكم الذي فشل في رفع مستوى المعيشة في أفقر دولة في الاتحاد الأوروبي، وكان الشرطيان السارقان اللذان تحيط بخلفيتهما وأعمالهما الأسرار، قد اعتقلا في يناير الماضى لاتهامات تتعلق بالابتزاز وإدارة عصابة للجريمة المنظمة. وقالت نيوزويك العربية إن عضواً برلمانياً في ولاية أوتاربراديش شمال الهند ينتظر المحاكمة في أكثر من «24» تهمة منسوبة إليه من بينها القتل، ولكن رغم ذلك ترشح لمقعد في مجلس النواب انطلاقاً من زنزانته، وقال بعض المواطنين مازحين إنهم لا يستطيعون أن يحددوا إذا ما كان المجرمون يتنكرون في زي السياسيين أم العكس، ولكن الغريب أنه سبق أن نجح في الدخول للهيئة التشريعية للولاية عام 1996م بعد مضي أسابيع من اتهامه بإطلاق نار على شرطي، وأعيد انتخابه بفارق كبير عام 2002م، بينما كان يواجه تهمة حيازة أسلحة غير شرعية. كما ترشح لمقعد مختلف عام 2007م وفاز به، بينما كان ينتظر محاكمته بتهم بينها قتل خصمه السياسي. ولعل الطريف والغريب في هذه الحكايات، أن الفوز في الانتخابات ليس دائماً الجسر الوحيد لتحقيقه الشفافية والنزاهة والنأي عن سفك الدماء، فالكثير من الناخبين الذين يحلمون بتحقيق الخدمات لمناطقهم يدفعهم اليأس للتصويت لأصحاب السوابق الظاهرة والمستبطنة في ظل إفلات العديد من المفسدين والمجرمين من العقوبة وتسللهم إلى مناطق النفوذ أو قاعات البرلمانات، ولهذا لم يكن غريباً أن تقول المرأة البلغارية «أنا لا أكترث إلى أنهما في السجن، لأن هناك الكثيرين كان يتعين أن يكونوا في داخله»، أو كما قال بعض المواطنين الهنود عندما أشاروا إلى أنهم لم يعودوا يفرقون بين ما إذا كان المجرمون يتنكرون في زي السياسيين أو العكس. فعندما تصبح الشفافية عملة نادرة وتعلق العدالة على مشانق القضاة، وحين يضحى السياسي بوجه ويمسى بوجه آخر ويتكلم بلسان آخر ثم يذرف الدموع، تصبح خيارات الناخبين عملية عبثية، فلا فرق لديهم بين مجرم يداه ملطختان بالدماء وشريف يخوض السياسة بمداد الصدق والشفافية. فعندما تنعدم الخيارات الصالحة، فالمواطنون يعملون بفقه «أخف الضررين» «يعني لص نص كم أفضل من لص كم كامل»، أو بعبارة أكثر دقةً «التمساح أبو كبلو أحسن من العشاري»، ومن يدري ربما كان الحرامي أبو كبك هو الخيار الأمثل حتى إشعار آخر.