في بحر الأسبوع الماضي الذي تصادف فيه مرور الذكرى السادسة عشرة لقصف مصنع أدوية صغير بمنطقة الأحامدة بالخرطوم بحري، اتهم بإنتاج أسلحة دمار شامل حيث كان القصف في مساء يوم العشرين من أغسطس عام 1998م أي قبل صدور قرارات الرابع من رمضان الشهيرة بعشرة أشهر، أحيت بعض الصحف هذه الذكرى دون قراءة حديثة للحدث، ودون ربط هذه الذكرى بنقاط التحول الكبيرة التي تشكلت في الساحة. وما زال التركيز مستمراً على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي قصفت المصنع الصغير غير المؤهل لإنتاج الأسلحة غير التقليدية بصواريخ توماهوك، قد تلقت معلومات غير صحيحة بخط إنتاج حربي داخل مصنع الأدوية البشرية والبيطرية، والمعلومات التي لفقها ذاك الموظف الذي كان يعمل بالمصنع وقدمها لمبارك الفاضل المهدي حينها مقابل مساعدته في تلبية طلبه للجوء السياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد ظفر فعلاً بما طلب، هذه المعلومات لم تأخذها واشنطن كدافع لقصف مصنع الأدوية «مصنع الشفاء» باعتبار حماية العالم من الدمار الشامل كما تحدّثت المعارضة السودانية أيامئذٍ، أو دفاعاً عن النفس من الإرهاب الإسلامي كما قال حينها العميل منصور خالد، وإنما أخذتها حيلة للاعتداء على دولة رفضت أن تنصاع لبرنامج السياسة الخارجية الأمريكي، وطبعاً أهم ما في هذا البرنامج فتح البلاد لواشنطن لنقل الموارد بالسعر الزهيد الذي تحدده هي، ووضع البلاد في مسار التطبيع مع إسرائيل، وهذا هو الأهم بالنسبة للوبي اليهودي داخل الكونجرس الأمريكي، وحينما يقول منصور خالد إن قصف مصنع الشفاء دفاعاً عن النفس، فإن تلك النفس التي يقصدها تبقى مكونة من عنصرين هما الوايت أنجلو ساكسون بروتستانت واليهود الأمريكان الذين ينتظرون او يعملون ليجد حضرتهم مستقبلاً أن الدولة الكبرى في العالم هي إسرائيل وليست الولاياتالمتحدةالأمريكية ولا «داعش». فواشنطون لا يمكن أن ترى صحة معلومات تصدر من موظف يتاجر بالمعلومات المفتراة لنيل فرصة اللجوء السياسي على أرضها.. فهي تستوعب تماماً كيف يمكن أن يفعل أي شخص من أجل أن يحظى بإقامة في إحدى الولاياتالأمريكيةالمتحدة أو بريطانيا. لكن هي أيضاًَ من جانبها لكي توفر رداً أدبياً لكل من يتساءل عن عدوانها على الدول لا بد أن تستفيد من أية معلومات مفتراة. فبعد أن قصفت المصنع السوداني التابع للقطاع الخاص وليس للحكومة بالمعلومات الكذوب المتاجر بها من أجل «لجوء سياسي»، قصفت ايضاً العراق بنفس الحيلة.. حتى بعد أن فرغ فريق التفتيش من مهمته ولم يجد ما ادعته المخابرات البريطانية في عهد المخبول طوني بلير. لكن في سوريا حيث استخدم نظام الأسد البعثي الطائفي ضد المواطنين السلاح الكيماوي وكان هذا بمثابة اعتراف بامتلاكه حتى الآن لم تتحرك واشنطن للمساعدة في تغيير ذاك النظام الدكتاتوري الذي فاق دكتاتورية الحكام الشيوعيين في دول المعسكر الاشتراكي الذي تفكك بالوعي الشعوبي لاحقاً. والسؤال هنا في سياق قراءة حديثة لقصف مصنع الشفاء لماذا استحق السودان العدوان الأمريكي قبل المطالبة بتشكيل فريق تفتيش للأسلحة المحظورة؟! ولماذا استحق العراق أيام حكم صدام العدوان الأمريكي بعد أن قام فريق التفتيش بالدور المنوط به على أكمل وجه؟!.. ولماذا لم يستحق نظام البعث في سوريا هذا العدوان الأمريكي رغم أنه ثبت بالدليل القاطع امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل حينما استخدمه ضد المواطنين فقتل حتى الأطفال والنساء؟! لماذا تنزل العقوبة الأمريكية على «البريء» ويستثنى منها الجاني؟! أليس هو السلوك القانوني الذي تتعامل به محكمة الجنايات الدولية التي تستحق أن تسمى محكمة «التجني والتجريم»؟! إذن ما الحل؟! .. الحل لعله التفكير في «فتح» الولاياتالمتحدة ولو بعد حين، كما كان من قبل التفكير في «فتح» بلاد فارس والمدائن بعد حين من انطلاق نور النبوة الخاتمة.