قد يتساءل البعض لماذا اضطر الرئيس سلفا كير إلى اتخاذ ما يمكن أن يكون أصعب قرار في حياته حين جاء صاغراً إلى الخرطوم ليستغيث بالبشير ويطلب إغاثة شعبه الجائع بالرغم من أن أمريكا كانت قد منّته بأن (يرقُد قَفَا) ويطمئن أن شعبه سيغرق في النعيم المقيم عقب الانفصال وقيام دولته المستقلة حيث ستقوم أمريكا بتحويل جوبا إلى نيويورك وجنوب السودان إلى أمريكا وتُغدق على الجنوب وتُحيله إلى ولاية أمريكية من حيث مستوى معيشة شعبه. أمريكا قرائي الكرام تعيش مرحلة انحدار نحو هاوية سحيقة ولذلك فإنها أعجز من أن تمد يد العون للجنوب أو لغيره من أصدقائها. لم أقل هذا الكلام الذي سأبرهن على صحته من خلال شهادة شاهد من أهلها وكذلك من خلال بعض الأرقام إلا لكي أطلب من الحكومة السودانية أن «تركز» وتغيِّر من طريقة تعاملها مع الشيطان الأكبر الذي لم يعد كذلك إلا من حيث ما يُضمره من شر للإسلام وللعالم الإسلامي بعد أن غدا صغيراً لا يهشّ ولا ينشّ. الشاهد من أهل أمريكا هو نعوم تشومسكي المفكِّر المرموق الذي لا يُلقي الكلام على عواهنه وإنما بعد تمعُّن وتمحيص وقراءة متأنية للماضي والحاضر والمستقبل فقد قال تشومسكي إن مؤشرات انهيار أمريكا بدأت مع بلوغها أوج قوتها بعد الحرب العالمية الثانية ثم تفوُّقها الملحوظ عقب حرب الخليج الثانية في التسعينات بالرغم من أن ذلك كان ينطوي على كثيرٍ من الخداع. تشومسكي تحدَّث عن أثر هيمنة من سمّاهم بالمتشدِّدين أو اليمين المتطرِّف الذين يعني بهم المحافظين الجدد.. أثر هيمنتهم على مراكز القرار في إسقاط الصرح الذي بنته الشركات التي وضعت أولئك المتشددين في مراكز القرار كما تحدَّث الرجل عن تركيز الثروة في يد «1%» من السكان وهو ما يفسِّر المسيرات التي تضرب أمريكا هذه الأيام والتي تدعو إلى احتلال وول إستريت للتعبير عن الظلم الذي أوقعه النظام الرأسمالي على الأغلبية الساحقة من الشعب الأمريكي الذي يفضِّل إجراء تخفيضات هائلة في الإنفاق العسكري كأحد الحلول لمعالجة الأزمة الاقتصادية وكذلك فرض الضرائب على الأغنياء في اتساق مع الإسلام الذي يحذِّر من تركيز المال في يد قلة من الناس كما تفعل الرأسمالية المتوحِّشة التي تُلهب ظهر العالم بظلمها وغطرستها وطغيانها كما يرفض الجمهور أي تخفيضات على البرامج الاجتماعية أو أي زيادة في الضرائب. بالرغم من أن خفض الإنفاق العسكري بات هو الخيار الذي لا مفر منه لدى أوباما فإن من ينظر إلى أمريكا اليوم من حيث قدرتها العسكرية يجد انحداراً كبيراً في الإنفاق العسكري ويكفي أن نذكر أن عدد القوات الأمريكية في أواخر ثمانينات القرن الماضي كان «2.1» مليون جندي أنخفض عددهم إلى «1.4» مليون وكان عدد الطائرات الحربية في عام 0991م «4355» انخفض إلى «1990» طائرة كما انخفضت السفن الحربية إلى «288» من «546» وكان للجيش الأمريكي حسب صحيفة الواشنطن بوست عام 0991م «1720» فرقة انخفض العدد الآن إلى «100» وبالرغم من ذلك لا مناص من مزيد من التخفيض في الإنفاق العسكري!! وقد انتهت تلك الأيام التي كانت أمريكا تنفق فيها بغير حساب فقد صرفت على حرب العراق وأفغانستان «1.3» ترليون دولار «تخيلوا ألف وثلاثمائة مليون دولار»!! ولا يفوتني أن أذكر أن أمريكا مَدِينة للصين بأكثر من عشرة ترليونات دولار!! إذن فإن أمريكا بل وأوروبا يعيشان حالة انحدار سريع ولا أقول احتضار ويا سبحان الله!! إن ذلك يحدث في وقت يشهد فيه قلب العالم الإسلامي ومركز الإشعاع فيه دورة حضارية جديدة ترتكز على الإسلام القادم بقوة عُرفت باسم الربيع العربي الذي أقسم بالله إن نشوء دولة السودان الشمالي المستقلة بعد أن تعافت من الجنوب الذي كان يكبِّل حركتها ويعطِّل مسيرتها ويوشك أن يطْمس هُوِيَّتها.. إن نشوء دولة السودان الشمالي بهُويتها الجديدة بعد أن انعتقت من استعمار الجنوب جزء من ذلك الربيع العربي. لذلك فإني، رغم كثير من التحديات، متفائل أن السودان يعيش أفضل فترة في تاريخه الطويل منذ الاستقلال فما من دولة استفادت من الثورات العربية مثل السودان الذي أزاح الله عنه فرعوني ليبيا ومصر اللذين حل محلهما نظامان شقيقان مقبلان نحو الإسلام كما أن استقلال الشمال وحسم هُويته لمصلحة الإسلام وتحرير أرض الشمال من عملاء الحركة في النيل الأزرق وجنوب كردفان والهزائم التي عانت منها دولة الجنوب ولا تزال مع الظروف الاقتصادية التي تعاني منها أمريكا والتي تجعلها تنكفئ على نفسها وتنأى عن مشاريعها التآمرية المستهدِفة للسودان الشمالي.. كل ذلك وغيره يبشِّر بخير عميم ومستقبل باهر يُتيح لحكامه أن ينطلقوا به إلى الأمام لو وظّفوا الفرص المتاحة وأداروا الدولة بشكل صحيح فهل تدرك الحكومة المتغيِّرات التي تحيط بالسودان وتعيد النظر في التعامل مع أمريكا بما يجعلها تطرد مبعوثيها وغيرهم من مبعوثي الاتحاد الإفريقي الذين لم يعُد لهم وجود إلا في السودان؟!