كتبت في هذه المساحة قبل شهور وكنت في السعودية أعمل في إحدى صحفها الجديدة مقالاً بعد أن هزني تقرير قدمته وزارة الحج والشؤون الإسلامية في المملكة لمجلس الوزراء عن حج عام 1434ه، وجاء في التقرير الضخم تقييم لأداء بعثات الحج في الدول الإسلامية، وقفزت فرحاً حين أطلعني الزميل السعودي على تصدر البعثة السودانية لكل البعثات من كل دول العالم.. فكتبت ذلك التقرير مشيداً. وفي الأيام الماضية والسعودية في آخر استعداداتها لموسم الحج الجديد، اختارت ثلاث دول لتجربة نظام الحج الإلكتروني وتحديد المسارات بصورة علمية سيكون لها أثرها في راحة ضيوف الرحمن، وهذا ليس الخبر، لأن السعودية تنتهج دائماً الوسائل المتقدمة لراحة حجاجها، ولكن الخبر اختيار السودان ضمن ثلاث دول فقط لتجربة الخطة الإلكترونية الجديدة. ولم أحتج لتقديم التهنئة للإخوة القائمين على أمر الحج في بلادنا.. خاصة الوزير الذي يعمل في صمت الفاتح تاج السر ومدير الهيئة شيخنا المطيع محمد أحمد، لأنهما ورفاقهما نالوا التقدير من السعودية ومن مجلس وزرائنا حين ناقش حج الموسم الماضي الذي جاء خالياً من شكاوى الحجاج إلا من النزر اليسير المتعلق بعودة الحجيج.. ولكن ما أصابني بالألم هو الحملة التي تتناول إخوتنا في الداخل ضمن ممارستنا التي جبلنا عليها، وهي جلد الذات وخلق الأزمات وأكل لحم بعضنا البعض دون النظر لأي تقدير يأتينا من الخارج.. وحقيقة زامر الحي لا يطرب.. وعود الصندل في بلده يوقدون به النار. لست على علم بتفاصيل ما يحدث في الداخل تجاه القائمين على أمر الحج، ولكن يبدو لكل متابع من بعيد مثلي أن الأمر يتعلق بالضوابط الموضوعة في اختيار الوكالات أو في التدقيق لمنح الفرصة لمن يود أداء الفريضة لأول مرة.. ونحن نعلم أن كثيرين لا يودون الضوابط ويحلمون بأن تظل البلاد هكذا تسير بالأهواء والمجاملات وحرمان صاحب الحق وتقديمه لمن لا يستحق وهلمجرا. وكنت أتمنى من القائمين على أمر الحج الذين انتشروا هذه الأيام في أجهزة الاعلام للرد على المتشككين، ألا يشغلوا أنفسهم في هذه الأوقات المهمة التي يحتاجها الحجيج لتنظيم سفرهم وتفويجهم ومراقبة أية تجاوزات قد تظهر.. وأن يكتفوا بالإشادة التي جاءتهم من السلطات السعودية، واختيار السودان ضمن الأوائل، واختياره لتجربة أكبر وأحدث ضجة علمية لتسهيل وراحة الحجيج. وظللت منذ أربعين عاماً على مقربة من الحج بحكم عملي في الصحافة السعودية.. كما أن الصدفة وحدها جعلت مني مندوباً شبه دائم لصحيفتي «الشرق الأوسط» و «الحياة» اللندنيتين ضمن البعثة الإعلامية الرسمية، والصدفة كانت حين انتقلت للخرطوم منذ عام 1990م مديراً لمكتب هذه الصحيفة وتلك، ولاحظت أن الزملاء في جدة لا يرغب معظمهم العمل في لجنة الحج للاستفادة من العطلة الممتدة للسفر خارج البلاد.. ومرة اقترحت لهم القيام بهذه المهمة بدلاً منهم جميعاً ورحبوا ورحبت، وظللت هكذا كالمندوب الدائم في البعثة الرسمية للحج.. ولكن من خلال عملي كنت دائماً الأقرب للحجيج السوداني. وظللت أتابع عبر السنوات معاناة الحاج السوداني.. في استقباله وإرشاده وسكنه المتكدس وعودته وتوهان أعضائه.. ولكن بحمد الله قلت في السنوات القليلة الأخيرة الشكوى بنسبة كبيرة وطبعاً لن تنعدم نهائياً.. وكما يقول المثل «كنا فين وبقينا فين» مع دعواتي للاستمرار من نجاح إلى نجاح.. لضيوف الرحمن.. وكل عام وأنتم بخير.