عندما كتبت مقالي عن النحل الأفريقي القاتل وذكرت فيه منطقة جنوب دارفور وبالتحديد كفياكانجي أو كفياقانجي كما علمت فيما بعد وأهلها من قبيلة كريش لم أكن أتوقع أن يكون هناك غبن قد وقع على أهل تلك المنطقة حتى وصلني مقال من الأستاذة منى كدوس ريحان عبد الله عبد الكريم في بريدي الإلكتروني وفيه توضح لي حقائق كثيرة لم أكن أعلم بها. كل مبلغ علمي أنني كنت أزور تلك المنطقة في عام 1970 والأعوام التي تلت بغرض تسجيل ودراسة البيئة الحيوانية لمنطقة جنوب دارفور. ومبلغ علمي أن أهلها من قبيلة كريش وقبائل أخرى كانوا في غاية الكرم ويعيشون في سلام ويتبعون لمحلية الضعين تحت نظارة الهبانية. الأخت منى تقول بالرغم من أنهم ينتمون للشمال بحكم تبعية تلك المنطقة للشمال إلا إنه بعد انفصال الجنوب لم يعترف بهم كشماليين بل إن عدداً منهم فقدوا وظائفهم كأخيها الذي كان يعمل مساعداً في الشرطة وهي وغيرها. تقول الأستاذة منى؛ تقع منطقة كفياقنجي في الجزء الجنوبي الغربي لولاية جنوب دارفور محلية الردوم، تعتبر معبراً يربط شمال وغرب افريقيا ولقد كان التجار من تلك المنطقة يعبرون من خلال درب الاربعين الى دولة مصر. هذا الموقع الإستراتيجي الذي تتمتع به المنطقة جعلها محط أنظار الكثيرين فهي تزخر بمعدن النحاس بكميات ضخمة وكنوز أخرى متنوعة لم يتم استغلالها بعد، ولقد كانت المنطقة مزدهرة اقتصادياً في العصور السابقة. والتاريخ القديم يذكر أن منطقة كفياقنجي كانت من الممالك المهمة بدارفور حيث كانت منارة لنشر الإسلام وهذا ما جعل المستعمر يخشى تمدد الإسلام جنوباً فسعي إلى خرابها بأن جعلها سياسياً مركزاً رئيساً بمديرية بحر الغزال في ظل السودان الموحد وقتذاك، ولكن إبان عهد الفريق عبود تم ارجاعها الى دارفور وتتبع إدارياً الى نظارة قبائل الهبانية. الموطن الأصلي لقبيلة الكريش منطقة كفياقنجي بالاضافة لانتشارهم بجميع ربوع السودان وهذه سمة الإنسان دوافعه تقوده الى الهجرة داخلياً أو خارجياً وأنموذج لذلك، قبائل البني عامر في شرق السودان ودولة ارتريا البصالوة في حلفا الجديدة والاصل صعيد مصر واذا اتجهنا غرباً نجد الزغاوة اصولهم في تشاد وليبيا وكذلك الفلاته، الرشايدة، العقيلات، الكنوز، البرتا والكثير من الشواهد التاريخية للهجرات جماعية متنوعة عبر الحقب التاريخية موجدة بالسودان. فتبقى الحقيقة الواضحة حتى وقتنا الراهن وجود أحياء ارتبط اسمها بالكريش مثل حي فنقر بالعباسية أمدرمان وديم الكريش بالخرطوم واعداد كبيرة جدا ما زالت حتى اللحظة تقطن البلاد وتشارك بصورة إيجابية فى نهضة واستقرار وتطور الوطن كما كانت لهم في السابق مقاومة شرسة ضد الاحتلال الانجليزي المصري ومن الرموز التاريخية التي لعبت دوراً مهماً بطرد الغزاة وتحرير السودان من الاستعمار السلطان الشهيد مراد إبراهيم الشهير بمراد عرديب فلقد نظم وقاد الحملات العسكرية ضد المستعمر وناضل حتى استشهد بمنطقة كفياقنجي مسقط رأسه في عام 1912م ومعه حوالى ثلاثمائة من الجنود البواسل. وهذا ليس من باب المزايدة التاريخية التي ليس من ورائها طائل، وإنما هي حقائق ومعلومات تروى وتترى من أفواه الرواة والمؤرخين المحيطين بالمكونات والخلفيات التاريخية للمنطقة والانتماء الحقيقي لتراب هذا الوطن ووفقاً للأوراق الثبوتية الآتي: 1/ شهادة معهد الدراسات الإفريقية والآسوية بجامعة الخرطوم . 2/ شهادة إفادة من النظام الأهلي السوداني إدارة الهبانية مكتب ناظر عموم الهبانية الذي يوضح الأثنيات بهذا التنظيم الإداري وتتبع له إدارياً وجغرافياً. 3/ شهادة الهيئة الإهلية لأبناء دارفور. 4/ إفادة ديوان الحكم المحلي لولاية جنوب دارفور. بهذه الشهادات والإفادات والوثائق التاريخية وبحوث أبناء المنطقة تكون هذه الإثنيات سودانية الأصل والمنشأ وأضافة للوقائع والشواهد التاريخية للمنطقة أن الكارا , البنقا, الشات, الكريش، الدنقو، الفورقي هم من السكان الأوائل. ولكن بالرغم من صحة ما ذكر آنفاً وفيما يتعلق بالوضعية الإدارية لمنطقتي كفياقنجي وحفرة النحاس نجد بعد الاستفتاء الذي تم بموجبه انفصال جنوب السودان ترتب عليه واقعٌ جديد وترتيبات لم تحسم بعد فمازالت بعض الإثنيات المختلفة بتلك المناطق الحدودية (وبصفة خاصة قبيلتي الكريش، والفورقي) تعاني من صعوبات ومشكلات تتمثل في: 1/ عدم استرجاع المفصولين من الخدمة المدنية والعسكرية وتعسف في إجراءات الفصل والاستحقاق للالتباس في عدم إلمام الجهات المختصة بحقيقة وهوية أصل قبائل المنطقة . 2/ تم تجميد استخراج الوثائق الثبوتية لأبناء الكريش والفورقي وسبب ذلك كثير من الأضرار منها عدم الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية والاساس والحصول على شهادة الميلاد للمواليد والكثير من ضروريات الحياة اليومية. 3/ عدم استيعاب الخريجين والمؤهلين في مؤسسات الخدمة المدنية والعسكرية. والاستفادة من الكادر الشبابي للمشاركة والانخراط في المجتمع. أن قضية الهوية صارت هم يشغل بال جميع أبناء كريش كفياقنجي وحفرة النحاس وقبيلة الفورقي بالخرطوم وكل ولايات السودان فهذا ظلم بالطعن في الإنتماء الوطني وفقدان للمكتسبات الاساسية للمواطنة فهب شيوخ وشباب هذه الإثنيات بتقديم عدة مطالبات الى الجهات الرسمية وخطابات بواسطة الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية إبان وزارته لديوان الحكم اللامركزي وقد وعدت الجهات المختصة بحل القضية الأساسية ولم تف بالوعد وعليه لم تحسم قضية المفصولين من الخدمة المدنية بموجب القرار الوزاري رقم (236) لعام 2011م تم الاستئناف وتم تصنيف المفصولين من فئة الأجانب وهذا ما اثار حفيظتنا. إن مفصولي القوات النظامية والتي تشمل (قوات الشعب المسلحة والشرطة وجهاز الامن والمخابرات الوطني) الى جانب الشركات الحكومية ومؤسسات الدولة الاخرى وشباب وطلاب قبيلتي الكريش والفورقي الآن تائهون فى الارض لايعرفون مصيرهم الحتمي رغم اعتراف الحكومة بإنهم أبناء دارفور ولهم ثقل بكافة الولايات وبصورة أكبر دارفور خاصة حفرة النحاس وأعلنت تبعية المنطقة للشمال لكن تلك التحولات التاريخية لم تجد الاهتمام اللازم بالنسبة للإنسان. لقد تجاهل المسؤولون بالحكومتين أمر القبائل الاصلية بمنطقتي كفياقنجي وحفرة النحاس ولم تكن لهم مشاركة في إتخاذ القرار أو معرفة الحقائق التاريخية منهم فأصبحت المنطقة تعاني من نزاع وصراع حول هويتها وتبعيتها وتعرضت لاعتداءات من قبل الحركات المسلحة مما أدى الى وفاة المواطنين الأبرياء وتشريد بعضهم من موطن أجدادهم، ومثل هذه الإعتداءات تعطيل لعجلة التنمية التي تفتقرها مناطق جنوب دارفور محلية الردوم ومنطقتي كفياقنجي وحفرة النحاس بالتحديد. فطالما هنالك تاريخ ومستندات رسمية لما المساس بشخصية الإنسان ووطنيته أومجرد الشك في هويته؟ لقد طال الصبر والانتظار يبقى السؤال المهم هل يعقل إجتثاث أهل المنطقة هكذا؟! يا ترى ماذا يدور بأروقة ودهاليز السياسة بشأن قرار كريش حفرة النحاس والقبائل الحدودية الأخرى؟! أذكركم ونفسي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} البقرة «218».. إن تجاهل هؤلاء يعني أننا لا نعترف بتبعية كفياقانجي وقبائلها للشمال مما يصب في منطق الذين ينادون بتبعية تلك المنطقة للجنوب كما هو الحال في أبيي. وأخشى أن تكون هناك أبيي أخرى تحت النضج. Another Abyei is in the making فأبيي واحدة أكثر من كافية ومن كفياقنجي.