تباينت ردود الأفعال الأولية في الولاياتالمتحدة حيال الإستراتيجية التي أعلنها الرئيس باراك أوباما لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوسوريا. وانقسم الأمريكيون بين مؤيد وناقد، أو معارض للإستراتيجية والخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي عشية الذكرى ال«13» لهجمات ال «11» من سبتمبر 2001م. وكان أوباما كشف أمس الأول عن خطة من أربع نقاط لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوسوريا، مؤكداً أنها ستتركز على تحجيم وتدمير التنظيم من خلال توجيه الضربات الجوية في العراق ولن تقف هناك، بل ستستهدف التنظيم أينما وجد. وأكد أوباما في خطاب للشعب الأمريكي أن واشنطن «ستعمل على قطع التمويل عن هذا التنظيم، وتحسين أنشطة الاستخبارات الأمريكية، وتعزيز الدفاعات، والتصدي لأيديولوجية الدولة الإسلامية، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب»، كما لم يستبعد توجيه ضربات عسكرية في سوريا. وكالعادة، فإن الجمهوريين مثل السيناتور جون ماكين ينطلقون في نقدهم للرئيس الأمريكي من اعتبار أن إستراتيجيته جاءت متأخرة، وبعد أن أصبح تنظيم الدولة الإسلامية أكثر نموا وتطورا عما كان عليه قبل عامين، ويتبنى هذا الجناح إرسال جنود أمريكيين على الأرض وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية. ووجه ماكين انتقادات عبر الإعلام إلى سياسة أوباما وخطابه، قائلاً إن السبب الذي جعل تنظيم الدولة الإسلامية ينمو بهذا الشكل في العراق هو سحب أوباما القوات الأمريكية من العراق، وأنه كان ينبغي ترك قوة هناك. واعتبر محللون أن خطاب أوباما كان قوياً واحتوى على نبرة تحدٍ ومواجهة غير معهودة من الرئيس الذي اعتاد تغليب الدبلوماسية الناعمة، لكنه لم يسلم مع ذلك من انتقادات ركزت على مسألة اعتبار أن التجربة الأمريكية في مكافحة الإرهاب بالصومال واليمن كانت «ناجحة»، واتخاذه من ذلك أنموذجاً يسعى لتطبيقه بالعراقوسوريا في مواجهته مع تنظيم الدولة الإسلامية. واعتبر هؤلاء أن الأمر على العكس، وأن ضربات الطائرات بدون طيار لم تقضِ على القاعدة في اليمن أو الصومال بل خلقت أوضاعاً أكثر سوءاً من ذي قبل. ورأى المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية مايكل روبن أن الخطاب بشكل عام جيد ولكنه تأخر ثلاث سنوات، لافتاً إلى أن أوباما تحدث عن تحقيق النصر، بينما لم يعلن عن جدول زمني لخطته في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وعن آفاق نجاح إستراتيجية أوباما، قال روبن ل «الجزيرة نت» إن هناك مشكلتين رئيسيتين تضمنهما خطاب أوباما، الأولى تتعلق بالأنموذج، وتساءل هل حقاً يمثل الصومال أنموذجاً؟ وأضاف «لم تكن الغارات الجوية الأمريكية هي التي سمحت للصومال ببدء التعافي بل كان ذلك ناتجاً عن الاحتلال العسكري الذي يرعاه الاتحاد الإفريقي، وبالمثل في اليمن فإن المشكلات نمت بشكل أسوأ رغم هجمات الطائرات بدون طيار ولم تصبح أفضل». أما المشكلة الثانية من وجهة نظر مايكل روبن وهو باحث في معهد «أمريكان إنتربرايز» فهي في اختيار أوباما حلفاء أمريكا الذين اعتبرهم المتحدث «نصف المشكلة»، مضيفاً أنه «لم يكن لداعش أن تنمو بهذا الشكل الكبير لو لم تكن تركيا قد غضت الطرف عن المتطرفين العابرين من مطاراتها وحدودها، وبالمقابل فإن الثقة في السعودية لاجتثاث التطرف هي مثل الثقة بمشعل الحريق في أن يحرس محطة إطفاء الحرائق». من جهته، اعتبر مدير السياسات بمركز دراسات الرئاسة والكونغرس دان مهافي أن ردود الأفعال المتباينة داخل الولاياتالمتحدة بشأن مواجهة عدو خارجي تعكس مدى عمق تأثير الحزبية الداخلية في لعب دور بالسياسة الخارجية الأمريكية. وأوضح مهافي ل «الجزيرة نت»، أن هناك اتفاقاً عاماً داخل الولاياتالمتحدة على ضرورة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن القلق من إنهاك الشعب الأمريكي في استمرار التورط العسكري بالشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يشكل قلقاً لكل أطياف الشعب، سواء تلك القاعدة الليبرالية للرئيس أوباما أو المحافظين، أوالجمهوريين المعتدلين. وشدد المتحدث على أن هناك إجماعاً على أنه يجب وقف تنظيم الدولة عند حده وتدميره، ولكن قطاعات سياسية أمريكية معارضة للتدخل الخارجي سيصبح تحركها أكثر صخباً إذا اتضح أن قدرة التنظيم على المقاومة أكبر من المتوقع. ويرى الباحث الأمريكي أن الولاياتالمتحدة مع حلفاء أقوياء يمكنها التقدم العسكري على تنظيم الدولة وعملياته، لكنه أشار إلى مثال التدخل الأمريكي السابق في العراق وأفغانستان وحتى الضربات الجوية في اليمن والصومال والتي على الرغم من أن الرئيس الأمريكي اعتبرها «عملية ناجحة» فإنها برأي المتحدث لم تحل التوترات السياسية والثقافية والدينية التي تعتبر الوقود للتطرف والعنف. وتوقع مهافي أن تقلل الخطة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية من قدرته على تهديد كردستان وبغداد على الفور، لكنه أضاف أن أمريكا وحلفاءها بالغرب والشرق الأوسط سيبقون في وجه التحديات في المستقبل المنظور خاصة مع استمرار العوامل المحركة التي ساعدت على صعود تنظيم الدولة الإسلامية.