يدفع المجلس العسكري وقوى سياسية أخرى الى اجراء الانتخابات البرلمانية (مجلسا الشعب والشورى) في غضون الأيام القادمة. وسواء كان هذا قرارا حكيما أما خاطئا فانه يبقى احتمال نجاح العملية الانتخابية غامضا، أي بنسبة 50 نجاحا أو 50 فشلا. ولست هنا في نقد قرار اجراء الانتخابات الان من عدمه، لكنني أطرح بعض التساؤلات التي تدور في ذهني وتدور في ما اعتقد في ذهن الكثيرين . أول هذه التساؤلات، مدى إقبال الشارع المصري على الانتخابات؟ ثانياً ما هي القوى السياسية التي سيكون لها النصيب الأكبر من مقاعد مجلسي الشعب والشورى.. وثالثاً هل ستقبل القوى السياسية الموجودة الآن نتائج الانتخابات أيا كانت.. أم ستعترض عليها لاحقاً. للإجابة على السؤال الأول ينبغي ايضاح ان هناك حالة من التشوش تسود رجل الشارع الآن في مصر بخصوص الانتخابات. لا يعرف كثيرون ممن لهم حق التصويت ما هي الاحزاب المتنافسة باستثناء الإخوان والسلفيين والوفد.. تقابلت مع الكثير من التجمعات الشبابية داخل الجامعة وآخرين من المواطنين العاديين. أجمع الكل على أنهم حتى الآن لا يعرفون لمن سيدلون بأصواتهم.. فبرامج احزاب الثورة كلها متشابهة وأسماء مرشحي القوائم كلها جديدة ولا يعرف المواطن المصري البسيط من هم هؤلاء. كذلك فان المقاعد الفردية في غاية الصعوبة والغموض، فدائرة انتخابية مثل حدائق القبة مثلا أصبحت دائرة أخرى تضم دوائر مثل الوايلي، غمرة، الشرابية.... الخ. واهالي كل دائرة لا يعلمون شيئا عن مرشح من دائرة أخرى حتى لو كان عضوا سابقا بمجلس الشعب. هذا اشبه بمرشح قرية صغيرة أصبح عليه أن يرشح نفسه في مدينة لا يعرفه أحد فيها إلا ابناء قريته. في الانتخابات البرلمانية البريطانية السابقة بين حزبي العمال والمحافظين عام 2010 كان الاتجاه الشعبي ضد العمال وكانت هناك إجماع شعبي ضد السياسة الاقتصادية لحكومة العمال وكذلك تحالفهم مع الولاياتالمتحدة في حرب الخليج في العراق.. كان هناك رأي شعبي قوي ضد حكومة العمال.. وكانت هناك معركة انتخابية شديدة.. وفي بلد مثل بريطانيا.. بلد عريق في الديمقراطية وفي الوعي السياسي.. كان المتوقع اقبالا هائلا من الناخبين.. لكن كانت نسبة الاقبال في حدود 50 من الناخبين أو تزيد قليلا. في انتخابات الرئاسة الأمريكية بين الرئيس أوباما وماكين.. لم يدل بصوته سوى حوالي 61 من المسجلين في الانتخابات. ان التوقع المبالغ فيه عن إقبال الناخبين المصريين على الادلاء بأصواتهم غير منطقي، هذا بالإضافة الى حالة الخوف والترقب حول الحالة الأمنية أثناء الانتخابات. سوف يكون هناك عزوف من شريحة كبيرة من المصريين الذين ليس لديهم انتماء سياسي عن الاشتراك في العملية الانتخابية وسوفتكون هناك أخطاء كثيرة في عملية الادلاء بالأصوات أو اختيار المرشحين. ووسط هذا الضباب تنشر الشائعات هنا وهناك... شائعة عن أن هناك تعليمات من السلفيين والاخوان الى الاعضاء بالذهاب بعد صلاة الفجر أيام الانتخابات للوقوف طوابير أمام اللجان الانتخابية وذلك للأدلاء بأصواتهم أولا وثانيا تعطيل الناخبين الاخرين الذين ربما يملون من طول الانتظار وينصرفون ... وهناك الكثير من الشائعات من جوانب مختلفة» أما في حالة تصويت المصريين في الخارج فالصورة أكثر تشويشا وغموضا، فالإقبال على التسجيل حتى الآن ضئيلا ولا يزيد عن 20 أو أقل عن اعداد المصريين الذين لهم حق التصويت في الخارج. واللافت للنظر بل والاستغراب كيف وأن هناك صعوبة كبيرة في تعرف الناخب داخل مصر على أعضاء القوائم أو المقاعد الفردية، كيف سيقوم المصري المغترب وكثيرون لم يزوروا مصر منذ سنين كيف سيتعرف هؤلاء الناخبون على اسماء المرشحين سواء في قوائم أو في مقاعد فردية. في بريطانيا لا يحق لأي بريطاني الادلاء بصوته وهو خارج بلده، بل يستلزم عليه اذا قضى أكثر من ثلاث سنوات خارج بلده أن يعيد تسجيل نفسه في قوائم الانتخاب. وهذا هو الحال في الولاياتالمتحدة وكل أوروبا. ان انطباعي الشخصي، والانطباع الشخصي هو وسيلة مقبولة من وسائل البحث العلمي أن اقبال الناخبين المصريين على الاقتراع في الانتخابات لن يزيد بأي حال من الاحوال عن 20 الى 30 على أكثر تقدير وسوف تكون هناك نسبة كبيرة من الاصوات غير الصحيحة نتيجة الجهل وعدم المعرفة بطرق الاختيار الانتخابي. وعن السؤال الثاني ماذا عن حظوظ الاحزاب والقوى السياسية على الساحة الانتخابية الآن، للأسف لا توجد في مصر أو العالم العربي هيئات متخصصة في قياس اتجاه الرأي العام أو التنبؤ بنتائج الانتخابات أو توقعات المواطن تجاه مشاكل بلده. لايوجد سوى استطلاعات بسيطة في بعض الجرائد والمجلات وكذلك بعض مواقع الانترنت ونتائجها كلها غير علمية وغير دقيقة. لكن لا جدال أن الاخوان رغم محدودية عددهم الانتخابي ومحدودية المؤيدين لهم الا أنهم أكثر تنظيما وأعضاءهم أكثر التزاما بالحضور والتصويت الانتخابي. فعلى سبيل المثال في انتخابات نقابة الاطباء الأخيرة كان الاخوان يشكلون مع مؤيديهم ما لا يزيد عن 10 فقط من أعضاء النقابة حضر منهمحوالي 8 وقد بلغ عدد الحاضرين من الاطباء، وهم فئة مفترض فيها ارتفاع الوعي والثقافة، حضر الانتخابات حوالي 20 فقط من أعضاء النقابة. كان من بينهم 8 من الأخوان أو مؤيديهم أي بنسبة 40 من عدد الناخبين الحاضرين. وقد حصل ممثلو الاخوان على النصيب الأكبر ان لم يكن كله من أعضاء مجالس نقابة الأطباء، سواء العامة أو الفروع. فنسبة ال60 الأخرى قد توزعت على تيارات مختلفة. وهذا هو التكتيك الانتخابي للإخوان في كل انتخابات نقابية ولن يختلف الحال في الانتخابات الحالية سيحصل الاخوان على نصيب 40 الى 50 يليهم من مقاعد مجلس الشعب والشوري التيار السلفي. يليهم في المرتبة الثالثة أعضاء الحزب الوطني المنحل الذين يتراوح بين من ينتمون الى عصبيات ريفية في الصعيد أو الدلتا أو ممن لديهم رصيد خدمات سابقة في دوائرهم. ثم حزب الوفد بعدهم بمسافة. أما الأحزاب الجديدة أو أحزابما بعد الثورة فانها لن تحصل الا على اصوات قليلة سيكون معظمها لبعض الشخصيات التي ظهرت اعلاميا بعد الثورة ويملؤن القنوات الفضائية حديثا وصراخا ونقدا في كل الأحوال. أما برلمان ما بعد الثورة فان اداءه في الأغلب لن يكون مقنعا وسوف يتعثر في كثير من الأمور. فغالبية أعضائه خليط من وجوه جديدة ليس لها رصيد أو سابق خبرة بالعمل العام أو العمل السياسي (وهذا ليس خطأهم بل خطأ نظام سابق متخلف)، ومن أعضاء سابقين لديهم اجندات وملفات خاصة وتصفية حسابات. هذا بالإضافة الى مستجدات في غاية الصعوبة في مجالات سن واصدار قوانين جديدة وتعديل قوانين قديمة ثم اعداد دستور دائم. وكذلك الرقابة على الحكومة القادمة في ظل حالة متردية من الخلل الأمني.. والركود الاقتصادي.. وتدهور في مجالات الصحة والتعليم خاصة، والمواصلات والمرور والمحليات. بصفة عامة بحق وأمانة أنا لست متفائلا لكنني لست متشائما.