قبل إجازة عيد الأضحى المبارك بيوم واحد أعلن عاملو النظافة الاضراب عن العمل. قال لي بعض سائقي عربات النظافة ان مرتبهم الذي يبلغ ستمائة جنيه فقط «مجهجه الولاية». تخيلوا عامل مرتبه ستمائة جنيه في بلد «باغة» زيت الطعام فيها بأكثر من ثمانين جنيهاً. ورغم ذلك لا يتسلمون مرتباتهم في مواعيدها، مما جعلهم يضربون عن العمل لتزداد الخرطوم وسخاً وتردياً. طبعاً العمال استلموا مرتباتهم ليلة العيد حتى ينظفوا الخرطوم في عطلتها السنوية!! قال لي احد الاصدقاء حينما علم بامر عمال النظافة: «هذا المبلغ ربما يكون اقل بكثير من نثرية مكتب الوالي اليومية». لم اكترث كثيراً لحديث صديقنا ذاك، ولكن ما لفت نظري ان احد الموظفين «الكبار» في هيئة النظافة له بدل عدوى. وسائق عربة النفايات والعامل الذي يرفع النفايات ليس له حافز بسيط حتى «خلي بدل عدوى». غريباً امر هيئة نظافة الخرطوم، والاغرب امر محلية الخرطوم التى تعتبر واجهة العاصمة «الحضارية». والنتيجة جبال من الأوساخ في قلب العاصمة وأطرافها كذلك. تلك الجبال جعلت أحد أحياء الخرطوم تسد الطرقات بأكياس النفايات الممتلئة على آخرها. بدل نظافة لموظف يجلس في مكتب «مكيف» واجواء نظيفة، وعامل النظافة لا يجد حتى حقه الا بعد «حمرة عين». قبل سنوات عديدة كتبت عن أوساخ كوستي التى عرفت بها، ولم اكن اتوقع ان الخرطوم تسير على دربها. الآن الخرطوم تعتبر المدينة الأولى تقريباً من حيث الأوساخ وسوء الخدمات. الخرطوم العاصمة التى نحلم بأن تتربع على عرش العواصم مازالت تكابد في الخروج من نفق النفايات. ستمائة جنيه تكاد تكون نثرية وقود عربة أحد الموظفين صديقي وليس نثرية السيد «الوالي». ولكن في بلاد العجائب كل شيء معكوس حتى الخدمة المدنية. حسناً.. عمال النفايات واصلوا عملهم في العيد لينظفوا الخرطوم.. ولكن بعد ان ضاعت ايام وهم يطالبون بحقوقهم الشرعية. أحد السائقين قال لي إنهم محرمون من البدلات والحوافز، وحتى زيادة المرتبات محرمون منها. عامل محروم من المال في بلد تختنق اقتصادياً فماذا نرجو منه؟ أب يكابد ليأكل ابناؤه حلالاً لا يجد حتى منحتي الرئيس ووزير المالية اللتين اصبحتا لا تكفيان حتى لأيام معدودة. عامل يجتهد يومياً ليجعلنا نعيش في أجواء نظيفة وجيبه خالٍ. عامل يكابد في هجير الشمس الحارقة لا يجد شيئاً، وآخر يجلس على الكرسي الوثير ويجد كل شيء. وحينما يطالبون بحقوقهم يفصلون من أعمالهم. قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق. غداً بإذن الله نكتب عن ضياع حقوق حجاج بيت الله من السودان. اعدلوا في الأرض حتى ينصلح الحال.