لا أكون مبالغاً إن قلت بأن الشعب السودانى، موعود بحياة هادئة، وأوضاعٍ مستقرة وسلامٍ وأمن مستتب خلال المرحلة القادمة، مع علمي بأن المتشائمين الذين أنشب التطيُّر أظفاره في سويداء قلوبهم، قد ينكرون ويتبرمون إزاء هذا التفاؤل الواقعي، والمطلوب منا دائماً أن نتفاءل وألا يجد اليأس إلى نفوسنا منسرباً. ولكى لا يتهمني البعض بأنني أعيش لحظات تطغى فيها أحلام اليقظة على ظروف الواقع، والخيال الجامح على الرؤية العلمية، فالمنطق يقود نحو إبراز حالة الحاضر مقارنة بما كان عليه الماضي، فإن كان الأمر يسير بعجلة متسارعة نحو مراقي الإيجاب، ومستويات الرفاهية، عندها لن يكون لأحد أدنى مسوِّغ ليجادل مزايداً حول ذلك، وإن كان العكس هو الصحيح، فأولئك الذين يقولون بأنني من معتنقي ثقافة المبالغات والرجم بالغيب، لهم ألف مبررٍ وأكون قد أخطأت بحقهم، بل سأعترف بما اعتراني من وهم ملك زمام التفكير، وجعلني أسرح بعيداً في أودية الخيال. وبالرجوع تارة أخرى إلى منهج المقارنات بين واقع مضى، وواقع نعيش حقائقه، يكفي أن أشير إشارة خفيفة إلى أحوالنا في السنوات الثمانين والسبعين من القرن الماضي، وإزاء ذلك فإن السؤال البريء، الذي يتبادر إلى الذهن ضمن عشرات الأسئلة، هو كيف كانت الأوضاع المعيشية؟ حيث تتفرع منه عدة استفسارات منها، هل كان المواطن يجد في معية أبنائه قطعة خبز إن لم يستيقظ هو شخصياً للحصول عليها بعد صلاة الفجر أو قبلها؟ وهل كان بالصيدليات دواء للملاريا أو حتى للالتهابات والنزلات الشعبية؟ وهل كانت محطات الوقود تحظى بكميات من الجازولين أو البنزين لتوزعها على سيارات الأجرة والملاكي إلا بعد مرور الأسبوع والأسبوعين، تظل أثناءها محطات الوقود جافة تتحوطها أرتال السيارات، ويلفها الظلام بالليل بسبب انقطاع التيار الكهربائي؟. وهناك أسئلة لا حصر لها، قد تكون إجاباتها جاهزة لدى أولئك الذين عاشوا مآسي تلك الفترة، حيث لم تكن العاصمة، ولا طرقاتها، ولا منظرها يشبه بأي درجة ما نشاهده اليوم من أبراجٍ شاهقة، وطرقات مسفلتة، وإنارة حولت العاصمة إلى هالات من نورٍ وضياء. ومنعاً للاسترسال في المقارنة، فالأمر يبدو أنه لا يستحق المزيد، لكننا استناداً إليه، نؤكد أن السياسة وحرياتها لم تعد كما كانت، والاقتصاد ومعضلاته، قد تجاوزتا الكثير من المنعطفات بقهر تحديات الندرة، والتخلف، والجمود، من حيث الإدارة، ومن حيث الحركة، ويكفي إشارةً هنا إلى التدفق المهول لسلع الغذاء، والاستثمار الواسع من قبل البسطاء في حقل التعدين الذي ظل حقلاً متعطلاً، فإذا به يعود إلى أهل هذا الوطن بما يوازي المليار أو قد يزيد عملة صعبة، وما كان يحلم بها إلا مغترب ترك دياره، وهام باحثاً عن ثروة فيما وراء البحار. والجمهورية الثانية بهذا المقياس موعودة بلا شك برفاهية أضعاف أضعاف الرفاهية التي عاش القسط الأيسر منها هذا الشعب في ظل تحديات تراكمت كقطع الليل المظلم، وهي رفاهية يبشر بها ما رفع من ثقل عن ظهورنا يساوي تسعة ملايين شخص كنا نوفر لهم المأوى والخدمة، فكانت أغلالاً رحمنا الله بفك إسارها ومغادرة من كانوا سبباً في معاناتنا وكذلك النقص في الأموال والأنفس والثمرات، وإذا انتفى مثل هذا النقص لا شك ستربو الديار وتستغل الثروات، وتحدث الرفاهيات. وإن غداً لناظره قريب، إذ لا يتشاءم إلا أهل الشؤم ولا يتفاءل إلا الذين يتوكلون على ربٍ رحيم.