في برنامجه المحضور (الصالة) الذي بث على الهواء مباشرة بفضائية الخرطوم بتاريخ 21/ 9/2014م ناقش الصحفي الكبير خالد ساتي ازمة أطراف نزاع الرزيقات والمعاليا باستضافة أحد رموز المعاليا وتغيب الطرف الآخر ومشاركة الأستاذ محمد الفاتح رئيس تحرير صحيفة الاهرام اليوم، وفي اعتقادي أن المحاولة أضرت بالقضية أكثر من دفع الجهود لحلحلتها، وقد جاءت مداخلات البرنامج بشكل أقرب (للجُودية) إن صح التعبير، منه للطرح الموضوعي والمنطقي في معالجة مثل هذه القضايا، ومعروف أن جلسة الجودية تعقد في إطار محدود لمناقشة مشكلة معينة بين طرفين أو اكثر يخرج كل من الاطراف الهواء الساخن ثم تنشط حكمة الوسطاء في لملمة المشكلة وتحديد الأخطاء، وإصدار الحكم والارضاءات المناسبة لطرفي النزاع، ولكن أن يتم ذلك على الهواء مباشرة وما زالت الجراح نازفة من الطرفين ففي ذلك تجذير للمشكلة وتعميق لجذور الخلاف، والحمد لله أن الضيف الآخر من الرزيقات لم يحضر مما كان قد يعقد الأمور أكثر، وكان الأجدى أن يستضيف مقدم البرنامج أطراف محايدة تحلل واقع الازمة بصورة علمية غير منحازة، وتقدم مقترحات حلول غير متعنتة يمكن للحكومة ولطرفي النزاع ووسطاء الصلح أن يستهدوا بها في ايجاد منافذ مقبولة لاحتواء التطورات المتلاحقة في ولاية شرق دارفور الوليدة خاصة بعد استقالة (20) دستورياً بعد تشكيل حكومتها عسيرة المخاض. ولكن رغماً عن ذلك فقد شخص الأخ الكريم بشار من طرف اخواننا المعاليا أُس المشكل بصورة واضحة وبائنة، حيث حدد الغياب التام لسلطة الدولة وهيبتها وعدم تحسبها لما قد سيحدث سبباً رئيساً للازمة التي كانت بوادرها وإماراتها تشير بما لا يدع مجالاً للشك ان هناك كارثة ستحدث، وكانت أحاديث معطياتها تتناقلها الركبان من العوام والخواص وقيادات الشأن العام بشكل غريب وصريح بيد أن كثيراً من الدوائر حذرت مراراً من خطر الاحتكاكات القبلية في دارفور بايماءات وتأكيدات جازمة تدعو فيها المركز للقيام بدوره كاملاً تجاه المواطن السوداني أين كان موقعه، ولعل الكلمة التي ألقاها الدكتور التجانى سيسي رئيس السلطة الاقليمية لدارفور منتصف رمضان قبل الفائت وبحضور رئيس الجمهورية ونائبه ولفيف من الوزراء وقيادات دارفور بمنزله بضاحية كافوري، كانت تمثل قراءة صحيحة لما قد توؤل له الامور، حيث أكد السيسي وكرر أن ما يهدد أمن المواطن في دارفور هو الحروب القبلية أكثر من غيرها، وصرح أن هناك أفراداً وقيادات يصلون للمواقع والاستوزار من خلال هذه الاحتكاكات بشكل أو بآخر، ودعا حينها رئيس الجمهورية والمركز إلى التدخل المباشر والناجع لتلافي خطر النزاعات بين القبائل، خاصة في الولايات الوليدة التي تحتاج للدعم بكل صوره واشكاله حتى تتمكن من إدارة شأنها. وفي الحقيقة كان البعض يتوقع أن يستتبع ما قال به السيسي ويترجم إلى قرارات ومعالجات سريعة وجادة من رئاسة الجمهورية، بيد أن السيسي يمثل أعلى سلطة في الاقليم ويحوز مستوى رفيع في سلم القيادة السياسية بالبلاد، ولكن انفض سامر القوم وفي رقابها قسم غليظ منزوع الدسم. وبالفعل تفاقم ما حذر منه رئيس سلطة دارفور بشكل أكثر عنفاً وأشد بأساً وأفظع وصفاً، وبالتالي فإن حديث ممثل المعاليا في برنامج ساتي يدلل عن المسببات الاساسية للمشكل وهو غياب الحكومة بل ومساهمتها إجلاء المعاليا والرزيقات من مناطق لاخرى بدلاً من فرض هيبتها وحماية رعاياها، وحتى وإن جنح البعض الى تفاسير ومفاهيم متباينة للقضية وردها الى اعتبارات موضوعية وقيمية والى معطيات تاريخية، الا أن المواطن الآن اصبح يتطلع الى أن ينعم بحياة تكفل له فيها الدولة سبل العيش الكريم من خلال توفير الخدمات الاساسية، وصوغ القيم الوطنية والمعتقدات الدينية والأعراف والمرتكزات والثوابت والموروثات في شكل تعهدات والتزامات قومية يحتكم اليها الجميع تحت غطاء حكومة راشدة وقوية. وللأسف الشديد أن ينصرف شأن الحكومة الى توليفات سياسية تجعل حاجة المواطن للدولة غير مكافئة لحاجة الدولة للمواطن، مما قد يظهرها في مواقف المتفرج كثير من الأحيان، الامر الذي يجعل وظائف الدولة تنتقل للمواطن ووظائف المواطن للدولة، وتصبح المحصلة النهائية الفوضى والتعاون على الاثم والعدوان وأخذ الحقوق بالشطط والتشظي القبلي والعشائري المهلك والمميت. إن الازمة الحالية بين أهلنا المعاليا والرزيقات وغيرها من الاحتكاكات الأخرى سواء في دارفور أو غيرها، لا تخرج من كون الحكومة هي المتهم الاول في كل ما يحدث، حسب المعطيات التي يتناقلها البعض، وبالتالي فإن اي دعوة لإعادة تقسيم المنطقة أو التفريق بين القبيلتين وضمهما لمناطق أخرى، ما هي إلا دعوة للمزيد من الاستقطاب والاحتقان واحتمالات تجدد وانتاج الازمات والحروب بصورة مستمرة، لأن المسافات والمسارات تظل هي نفس المسافات والمسارات التي تجمع أفراد القبيلتين في حلهم وترحالهم، وهذا الواقع الذي لايمكن تبعيضه يضع أطراف النزاع أمام تحدٍ كبير لضرورة العمل سوياً للخروج من هذا المأزق المفخخ بجرعات مضاعفة من منشطات لبينونة كبرى لا يكون معها أمل التقارب والتصالح ممكناً كما ينبغي أن يكون في الوضع الطبيعي المعهود، ويتطلب ذلك وجود إرادة سياسية حقيقية وفاعلة تتعاطى مع الوضع الراهن في دارفور وغيرها يكون همها وشعارها الأمن أولاً، تستنفر له الحكومة المركزية كل طاقاتها وإمكاناتها السياسية والمادية والعسكرية، خاصة في ما يتصل بالنزاعات القبلية التي تعد أكبر معاول هدم الاقتصاد وفقدان الهوية وتجذير القبلية وتثوير الفكر العشائري، بالاضافة إلى انها أحد أكبر الروافد الرئيسة لحركات التمرد، التى لن يجلب وجودها الاستقرار والتنمية لأي بلد على وجه الأرض.