الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    نهاية الإسلام السياسي في السودان بخسارة إيران للحرب    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    عواسة فطيرة في طاجن الانقلاب..!    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    في شنو تفاوض (جاك ديارا) وتسجل (بخيت خميس)؟!    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    حركة متمرّدة جديدة بقيادة عضو سابق في المجلس التشريعي الوطني    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة السور..
نشر في الانتباهة يوم 11 - 11 - 2014

كان لا بد أن نجيء بالكرة. نظر العيال نحوي لأن شوطتي القوية هي التي طيّرت الكرة إلى المبنى المجاور. رفعني العيال على أكتافهم. تسلقت السور؛ رميت بنفسي فيى حوش المبنى.
يا له من منظر جميل كأنه الجنة حوش المدرسة كان أحلى ما فيها. لما رأيته أول مرة في العام الماضي حين أتى بي أبي وسلمني لهذه المدرسة ظننت أنه لطابور الصباح فحسب؛ إلى أن ضرب جرس الفسحة وصرنا نهرول فيه ونلعب الكرة حتى يضرب الجرس مرة أخرى فندخل الفصول. أحببت المدرسة والحوش والعيال؛ أصبحت أصحو وحدي مبكرا، وألبس المريلة وحدي، وأعلق الحقيبة الجلدية على ظهري، وأمشى وحدي في الحواري الضيقة حتى أغادر درب الجماميز وأصل إلى شارع بور سعيد حيث توجد المدرسة، فأدخل الحوش فرحا بزئيط العيال ونداوة الصبح على وجوههم، لا ينغصني سوى مدرس الألعاب الذي لا بد أن يفتش علينا في الطابور ممسكا بالخيزرانة الرفيعة المربربة مثل الكرباج، ولا بد أن يضربنا جميعا لأن أظافرنا طويلة وأيدينا متسخة وأحذيتنا مبرطشة كالحة ومرايلنا مترهلة غبراء ممزقة من الشد والتناحر واللعب الخشن؛ فنولول ثم نصمت في الحال بصرخته نقطع خنسًا.
ينتهي مدرس الألعاب من الرواح والمجيء وتطويح الخيزرانة. نردد نشيد «بلادي بلادي» بأصوات مسرعة؛ نحيي العلم؛ نمضي صفوفا إلى الفصول؛ ليبدأ الضرب بحد المسطرة على ظهور الأيدي لأسباب لا تنتهي؛ فإذا ما ضرب جرس الفسحة اندفعنا إلى الحوش كالقرود الهائجة؛ نجيء بالكرة؛ وهات يا لعب.
نطت الكرة ذات يوم فوق السور؛ هبطت في حوش المبنى المجاور. اغتظنا؛ صرنا ننظر لبعضنا في حيرة لا ندري ماذا نفعل؛ فلم نكن نعرف أي شيء عن المبنى المجاور الذى لا يفصله عن مدرستنا غير هذا السور؛ فشكل المبنى من الخارج وهو مغلق البوابة على الدوام، ومنظر الحديقة التي تطل أشجارها فوق أسواره، والبوابة الداخلية العالية التي تطل على الحديقة من الداخل؛ كل ذلك كان يجعلنا نظن أن المبنى قصر رجل غني من باشوات زمان.
كان لا بد أن نجيء بالكرة. نظر العيال نحوي لأن شوطتي القوية هي التي طيّرت الكرة إلى المبنى المجاور. رفعني العيال على أكتافهم. تسلقت السور؛ رميت بنفسي في حوش المبنى.
يا له من منظر جميل كأنه الجنة: الأرض أحواض زهور بينها طرق واسعة منسقة؛ في الوسط نافورة على شكل تمثال لامرأة جميلة تبخ الماء من فمها وأصابعها ورأسها؛ الأشجار تبدو كأن الحلاق نسق لها شعرها. أطفال كثار، صبيان وبنات؛ يشبهون الزهور، كلهم بيض وحمر، شكلهم جميل، شعورهم مسبسبة لامعة، ثيابهم جديدة ملونة بألوان زاهية مفرحة؛ لا يصيحون ولا يتعاركون، يقفون فى مجموعات يتكلمون ويضحكون، كلهم حلوين، كاللعب المعروضة في الفتارين الكبيرة. هى إذن مدرسة كمدرستنا ولها جرس!
وقفت تحت الشجرة بين أحواض الزهور مبهوراً أتفرج على العيال وهم يرطنون بكلام لا أفهمه؛ أتطلع إلى الجدران الحمراء كالورد، والأراجيح، والروافع، والخرائط واللوحات الملونة على الحوائط. زعلت من أبي: كيف لم يأت بى إلى هذه المدرسة الجميلة؟! كرهت مدرستنا.
قلت لنفسي: لا بد أن أبي لم يعرف هذه المدرسة، وما دمت أنا قد عرفتها فقد اخترتها وسأبقى فيها.
صار العيال ينظرون لي بخوف واستغراب ودهشة. ضرب الجرس؛ حتى جرسهم مختلف عن جرسنا إذ يشبه جرس التليفون الحديث. مضى العيال إلى الفصول فمضيت معهم؛ دخلت أول فصل؛ جلست على أول مكتب بجوار ولد قصير طيب لكنه كان يتزحزح بعيدا باشمئزاز، ثم سمعت همسات: المِسْ! المِسْ. ثم دخلت سيدة أنيقة كالخواجات. وقف العيال فوقفت معهم. أشارت بيدها فجلس العيال. شكل المِسْ جميل جدا، ووجهها مبتسم مريح للنفس على عكس مدرسي مدرستنا ذوي الوجوه المتجهمة المكشرة المكلبظة والصوت الخشن. قلت لنفسي: لن أمشي من هذه المدرسة فأنا أحببتها وعيالها وفصولها وحوشها.
رائحة العيال كلهم عطرة كرائحة المِسْ. أما أنا فرائحة عرقي الزنخة تطلع من عِبي. لا بد أن المِسْ شمت رائحت ؛ صارت تنظر حواليها وقد اقشعر أنفها. وقع بصرها علي؛ فاتسعت عيناها اتساعا أخافني؛ صارت تقترب مني وهي في غاية من الدهشة والخوف كأنها تقترب من فأر أو ثعبان تسلل إلى الفصل. حدثت ربكة بين العيال كلهم؛ صاروا يشرئبون بأعناقهم ويشيرون إلىّ بأصابع صغيرة بيضاء منغزة.
بطرفي أصبعيها أمسكتني المس من كتف المريلة؛ سحبتني خارج المكتب. العيال كلهم يزأطون يرطنون يضحكون، وأنا واقف تحت السبورة تتهدل المريلة على كتفي؛ لا أستطيع الهرب من عيونهم الواسعة الصافية التي تنظر لي باستغراب وفضول تتوقف على وجهي الصدئ وشعري المنكوش ومريلتي الوسخة والبرطوشة المتفتقة عن جورب في لون الأرض.
قالت المِسْ:
«إيه ده؟! إيه اللي جابك هنا؟! دخلت هنا إزاي؟! هه؟! انطق!! جاي تعمل إيه هنا؟! تعال!!».
سحبتني من كتف المريلة بأطراف أصابعها جاعلة بيني وبينها مسافة كبيرة. دفعتني خارج الفصل. نادت: «يا محمود أفندي»؛ جاء أفندي أنظف من مدرسي مدرستنا؛ وقف ينظر لي في اشمئزاز وحيرة. قالت المس:
«الولد ده دخل هنا إزاي؟! دي بقت فوضى!! شوف إيه حكايته؟!».
أطبق الأفندي على معصمي بقوة؛ سحبني. مشيت تحت ساقيه أرتعش. مررنا على أحواض الزهور، والنافورة. خرجنا من البوابة. مضى بي إلى بوابة مدرستنا؛ طرق عليها بقبضته فى غيظ. ووربت البوابة؛ أطل منها وجه فرّاشنا.
«خير يا محمود بك؟!»
دفعني محمود بك إلى فتحة البوابة:
«شوف البلطجي الصغير ده دخل عندنا إزاي؟! لقيناه قاعد وسط العيال في الفصل! عمل حالة رعب!! لمّوا عيالكم!! ما ينفعش كده!!».
أمسكني الفرّاش من قفاي بغلظة:
«لا مؤاخذة يا محمود بك! أيوه.. الولد ده تبعنا!!».
ثم أغلق البوابة. مضى بي إلى مدرس الألعاب في حجرته الضيقة؛ أخبره بكل كلمة قالها محمود أفندي، وأضاف من عنده بغيظ:
«العيال دي لازم تتربى!! حَقَّه كله إلا نط السور! ده اللي كان ناقص!!».
أمره مدرس الألعاب أن يأتيه بالفلقة. أمره أن يعلقني فيها. طرحنى الفراش على ظهري، كتَّف ساقىّ ثم أدخلهما في الحبل وكسكر عليهما؛ نادى زميله الصغير؛ أمسك كل منهما بطرف من طرفي الفلقة؛ رفعاها. صارت رأسي واقفة فوق البلاط وساقاي معلقتان في الهواء؛ والخيزرانة تنهال على قدمىَّ كالمطر. النار تسري في جسديى؛ أصرخ؛ أنتفض؛ تكاد رأسي تتفتت. جاء الناظر وبعض المدرسين، سألوا عن السبب: «عمل إيه؟!». قال لاهثاً وهو منهمك فى ضربي:
«نط السور على المدرسة الأجنبية عمل حالة ذعر فيها!!».
فإذا بهم جميعا يقولون:
«عمله سوده! اضربه عشان يحرم! ده يستاهل قطم رقبته!! عيال آخر زمن!!».
أفقت من الإغماء فوجدت نفسي في منزلنا والمياه تغرق رأسي ورائحة النوشادر في خياشيمي؛ وأبي ينظر لي في غيظ ودهشة قائلا:ً
«تستاهل! أصل أنا ما عرفتش أربيك..!!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.