دُقت طبول الحماسة وسط ترانيم ملأت أرجاء قاعة الشارقة في نهارية رائعة، وذلك احتفاءً ببلوغ المائة الثالثة لندوات معهد البروفيسور عبد الله الطيب للغة العربية «300» ندوة بعنوان الحماسة بين التراث السوداني وتراث الأدب العربي تحدث فيها نخبة من العلماء بجانب فواصل من غناء الحماسة قدمها الفنان عمر الحواري ونماذج شعرية من الحماسة في الشعر العربي. كان أول المتحدثين الأب الروحي لندوة العلامة بروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن والذي أوضح أن المعهد درج على تقديم الكثير من أجل الثقافة ويكفي أن نذكر أسماء ارتبطت بهذا المعهد من بينهم عبد الله الطيب التجاني يوسف بشير إدريس جماع التني المحجوب حسن نجيلة وصلاح أحمد إبراهيم.. وأضاف عبد الملك أن المطلوب من المراكز والمعاهد الاهتمام بالبحث العلمي المرتبط بالدراسات المتداخلة ثم الاشتراك في العملية التدريسية في الجامعات ومن ثم نشر الوعي في المجتمع، وتأتي هذه الندوات في مجالات المعرفة المتداخلة في مجالات مختلفة وقد كان هذا ديدن أسلافهم في ظل الاهتمام بالمعرفة بصفة عامة. وكشف البروفيسور عبد الملك عن القرار الذي توصلت إليه جامعة الخرطوم وهو إنشاء معهد للغة الإنجليزية حتى يكون رفيقاً لمعهد عبد الله الطيب؛ لأن الأدب هو معرفة عالمية وبالتالي سيستفيد المعهدان من بعضهما كثيراً، وقد أشاد بالاحتفاء الذي أقامه المعهد بالقامة تاج السر الحسن والذي نصحني بدوره في الانفتاح على الأدب العالمي سيما أنه كان لصيقاً بالأدب الغربي خاصةً الأدب الروسي، بجانب اهتمام المعهد بجهات كثيرة خارج الجامعة من بينها منظمة أروقة للثقافة ومعرض الخرطوم الدولي للكتاب وغيرهما.. وقد ختم حديثه بأن المعهد يحتاج إلى دعم كبير ومبنى يليق بقامة الراحل البروفيسور عبد الله الطيب. ٭ حماسة الجعليين الأستاذ أزهري محمد علي كانت كلمته عن غناء الحماس أو ما يُعرف بغناء الدلوكة والذي يرى أنها تخلق إضاءات تجاه الأشخاص الفاعلين في المجتمع، وأوضح أنه نشأ تحت كنف ثقافة أغنية الدلوكة وكيف أن أهلنا كانوا يتغنون للبحر والختان بل كانوا يودعون الموتى بأغانٍ حماسية، وقد نشأت عند منطقة الجعليين وساعدت في ذلك الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، لكن اليوم فكثير من الجعليين انشغلوا بالثقافة العامة دون أن يواصلوا في هذا النمط من الغناء. الأستاذ عبد الفتاح عمر أكد خلال حديثه أن الحماسة من أعظم مختارات الأدب العربي وضرب مثلاً بأبي تمام الذي كان اختياره الحماسي أفضل منه في شعره فقد انتقاه انتقاءً ثم تتابع العلماء في قبول هذا الأثر وتباينت مناهج الشُراح وما استتبع ذلك من روايات للحماسة؛ لأن الخصيمة كانت بين القدماء والذين كانوا يناصرون الحديث. ٭ محفزات الحماسة الدكتور الصديق عمر الصديق أشاد في بداية حديثه بالعلاّمة الراحل الذي وصل علمه لكافة الناس، ومن ثم أوضح أن الحماسة عند العرب تُعرف بالشدّة ويقولون فلان أحمس أي شديد في قتاله وفي دينه إلا أنها أصبحت تُستخدم لشعر الحرب، وقد اجتمعت نساء قريش يحمسن قومهُن «نحنُ بنات طارق»... الخ، وكيف أن أبي تمام اختار في حماسته ثلاث «متقطعات» لتأبطّ شراً من الشعر الذي يعد في الدرجة العالية من شعر الحماسة.. وأضاف الصديق أن العرب كانت تمدح الشجاعة بايزاء الجُبن لذا كانت للشجاعة محفزات منها النساء وهذا ما يتقاطع مع التراث السوداني، كما أن الخوارج عمقوا أدب الحماسة وذهبوا به مذهباً بعيداً في مناجاة النفس ومنهم قطري الفجائي، إلا أن شعر الحماسة ارتقى عند أبي الطيب أحمد بن الحسين؛ لأنه تمكن من ممازجته بآلامه وأوجاعه. ٭ صعوبة التصنيف أما الأستاذ عباس الحاج فقال: إن الشعر الشعبي في السودان كله غناء والحماسة هي جزء من هذا الغناء، وكشف عن معضلة تواجه هذا الضرب وهي عدم تصنيف الناس لهذا النوع مثلاً باب «الشكر والنبيذ» وهو ما يقابل المدح والذم، فالنبذ هي كلمة فصحى وردت في العربية وقيل المنابذة هي الإشاعة باللقب ومنه قوله تعالى: «ولا تنابذوا بالألقاب».. وختم قائلاً: إن أول ظهور «البوباي» ويقصد به غناء الحماسة كان في سلطنة الفونج إلا أنه اشتهر في زعامة العبدلاب والجعليين، والبوباي مشتق من الحركة الصوتية ويُطلق على المُغني والغناء. ٭ برعاية زين كلمة شركة زين ألقاها الأستاذ الإعلامي عبد الله محمد الحسن وجاءت مختصرة معبِّرة قال فيها: إن زين لم تجد إلا اللغة العربية حتى تضفي لها رونقاً وجمالاً وذلك من خلال رعايتها لندوة العلاّمة في العام المقبل منذ أول يناير وحتى نهايته في ديسمبر.