كما أشرنا أمس فقد كانت المفاصلة الشهيرة بين النخبة المؤسسة للسلطة الحاكمة والراهنة، على النحو الذي جرى في أواخر القرن الميلادي العشرين المنصرم، بمثابة اختبار سافر وماثل لمدى القوة المسعفة والقادرة على توفير المساندة الداعمة والمفضية والمؤدية لكسب الجولة وتحقيق الانتصار في مثل هذا الاختبار وتأكيد الشرعية التي يحظى بها من يكسبها. وكما هو معلوم فقد كان السيد رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم المشير عمر البشير، هو الجهة التي تمكنت من الحصول على المساندة المسعفة والداعمة والمؤيدة لانتصارها في تلك الجولة الحاسمة والفاصلة التي خسرها الزعيم التاريخي للحركة الاسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة وملهمها ومرشدها د. حسن الترابي، والذين وقفوا معه واختاروا، بوعي أوبغير وعي، الانحياز له في تلك الفترة آنذاك. واستناداً على هذا، وبناءً على أن د. الترابي نفسه قد اعترف أخيراً أومتأخراً، كما ورد على لسانه مؤخراً في الندوة التي عقدها اتحاد المحامين بالخرطوم في الأيام القليلة المنصرمة، بأنه قد فشل وعجز عن الذي ظل يسعى له وينشط فيه، على مدى السنوات الماضية منذ تلك المفاصلة، من أجل الإطاحة بالسلطة الحاكمة القائمة، وأنه لهذا السبب، اضافة لاسباب مهمة أخرى ذكرها، قد وافق على المشاركة المتفاعلة والفاعلة بقوة بالغة الحدة وشديدة الوطأة في الاستجابة للدعوة التي اطلقها السيدرئيس الجمهورية ورئيس الحزب الحاكم في مطلع العام الحالى لإجراء حوار وطني مفتوح ومنفتح على كافة القوى الحاكمة والمعارضة والمتمردة في مناهضة مسلحة للسلطة القائمة، وذلك بهدف المساهمة في الإعداد للاقدام على القيام بوثبة وطنية مزمعة وشاملة... فربما قد يمكن ويجوز ويصح القول بناءً واستناداً على هذا ان د. الترابي قد وافق إذن ولو حتى متأخراً أو أخيراً، كما قد يرى البعض، على الاذعان للحقيقة الماثلة والشاخصة والرضوخ لها والعمل على القبول بها، والتعامل معها باساليب ووسائل أخرى لعلها تكون مجدية ومفضية ومؤدية للنتيجة الايجابية المطلوبة والمأمولة والمرجوة والمنشودة فيها والمرغوبة منها، وذلك في سياق ما قد يمكن ويجوز ويصح وصفه بانه ربما قد يكون بمثابة الرضا بالعودة من الغنيمة بالاياب، أو ربما حتى العودة بخفى حنين كما قد يري البعض. وعلى العموم، وكما ذكرنا أمس فلم يكن ما انتهى إليه وحصل عليه أو وصل إليه د. الترابي على النحو المشار له هو المثل الأول من نوعه، فيما يتعلق بالخبرة المكتسبة والعبر المستخلصة والدروس المستفادة من مثل هذه التجربة والتجارب المماثلة وذات الطابع التاريخي الجاري على مدى المسيرة الانسانية والبشرية منذ فجرها وعبر كافة عصورها وعمودها ومراحلها المتعاقبة والمتلاحقة والمستمرة والمتواصلة والمتطورة في تعبيرها عن كل حقبة بعينها وغيرها من الحقب المتشابهة معها أو المختلفة والمخالفة والمغايرة لها. وتجدر الاشارة، في سياق مثل هذا الاطار للرؤية البعيدة المدى والمنمقة والمتأملة والمتمعنة في الدلالات ذات المغزى والدروس المستفادة والعبر المستخلصة والكامنة في الذي جرى وظل وما زال يجرى فيما يتعلق بما يدور بين السطور في الأوساط والدوائر الفاعلة والمتفاعلة والمتنافسة والمتنازعة والمتصارعة والمتوافقة في تأسيسها للتجربة الحاكمة الراهنة، منذ وصولها الى سدة مقاليد السلطة بانقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت على القيام به في العام 1989 الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، الى ان ما حدث للترابي وتعرض له على النحو الذي أفضى وأدى لما يسمى بالمفاصلة، وما نتج ونجم عنها، وما ترتب عليها من تداعيات ساحقة ومهلكة ومدمرة ومنفجرة ومتفجرة وملتهبة دفعت ثمنها دارفور بصفة خاصة باعتبارها هي المسرح الذي صار هو الخشبة المحترقة والمخترقة التي دارت وتدور فيها الفصول الساخنة والسافرة في تعبيرها عن هذه المسرحية الدامية كدرامة مؤلمة ومفجعة ومحزنة ومؤسفة. تجدر الاشارة الى أن ما جرى في هذا الصدد وبهذا الخصوص، لم يكن قاصراً على الترابي وحده قبل ان يعترف بنفسه مؤخراً وأخيراً ومتأخراً بوجود ضرورة ومصلحة وطنية وحضارية ملحة وضاغطة وداعية ودافعة للمسارعة الهارعة والهادفة لوضع نهاية لهذا الذي جرى وظل وما زال يجري، والعمل على الخروج منه، والسعى لتجاوزه بمعالجة ناجعة وحلول اخرى تكون ناجحة وصالحة ومفلحة وذات طابع سلمي وإيجابي على النحو الذي يجرى في الحوار الوطني الجاري والمتعذر والمتعثر في الوقت الحالي.