عقد الإمام الترمذي في آخر كتاب الشمائل باباً فيما جاء في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام رؤي فيه عدة أحاديث في ذلك. الحديث الأول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي) والحديث الثاني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور أو قال لا يتشبه بي». الحديث الثالث عن طارق بن أشيم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني» الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثلني». قال كليب الراوي للحديث عن ابي هريرة فحدثت به ابن عباس فقلت قد رأيته أي النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت الحسن بن علي فقلت شبهته به فقال ابن عباس إنه كان يشبهه. وقال يزيد الفارسي وكان يكتب المصاحف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام زمن ابن عباس فقلت لابن عباس إني رأيت رسول الله في النوم فقال ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي فمن رآني في النوم فقد رآني هل تستطيع ان تنعت هذا الرجل الذي رأيته في النوم قال نعم أنعت لك رجلاً بين الرجلين جسمه ولحمه أسمر إلى البياض (أي احمر لأن السمرة تطلق على الحمرة) أكحل العينين حسن الضحك جميل دوائر الوجه قد ملأت لحيته ما بين هذه الى هذه (أي ما بين هذه الأذن إلى هذه الأذن الأخرى) قد ملأت نحره فقال ابن عباس لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا. الحديث السادس عن أبي قتادة رضي الله عنه والسابع عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي قال ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة». فقال الشيخ إبراهيم الباجوري رحمه الله في حاشيته: وجه ذلك على ما قيل إن زمن الوحي ثلاث وعشرون سنة واول ما ابتدىء صلى الله عليه وسلم بالرؤيا الصالحة وكان زمنها ستة أشهر ونسبة ذلك لسائر المدة المذكورة جزء من ستة وأربعين جزءاً. ثم قال: واظهر ما قيل في معنى كون الرؤيا جزءاً من أجزاء النبوة أنها جزء من أجزاء علم النبوة لأنها يعلم بها بعض الغيوب ويطلع بها بعض المغيبات ولا شك أن علم المغيبات من علم النبوة ويؤيد حديث ابي هريرة : «ان النبوة والرسالة قد انقطعت، ولم يبق الا المبشرات قالوا ما المبشرات قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له». أخرجه مسلم والبخاري. وفي ختام هذه السلسلة نكرر إن نقدنا هذا يجيء في صورة عتاب ولوم لإخوة لنا ينكرون امورا وردت في السنة تقليداً لمشايخهم. ولعل الأخطاء الذاتية هي الخطر الحقيقي الذي يهدد المواقع الإسلامية المتعددة ومنها الموقع الفكري والثقافي. وقد يكون غياب عمليات التخطيط والنقد والمراجعة والتقويم من وراء تكريس الأخطاء وتكرارها والتمكين للمؤثرات الخارجية وعدم الاعتبار وعدم الاحساس بالمشكلة ومحاولة معالجة الأمور، ولكن بعقلية ذرائعية تعفي الذات وتلقي التبعة على الاخر وهذا مجاف لمنهج القرآن: «قل هو من عند أنفسكم» لذلك نقوم بأهمية اصلاح المناهج، لأخطائنا نحن الذين نذرنا انفسنا لحمل القضية والقيام على شأنها عدم الوقوع في احادية النظرة وشيوع روح التحزب والوقوع في عملية الاستقطاب وهو خطأ قد يجهض القضية ويحولها من امتلاك قدرة الحل إلى أن تصبح عناصر الأزمة وقد تكون المشكلة في تحويل القضايا الاجتهادية والمدارس الفكرية المنهجية إلى حزبيات لذلك يكون واضحاً إن التحزب ليس من طبيعة التفكير وان الطلاقة والموضوعية في النظر والحرية المطلوبة للتفكير لا تتوفر بشكل سليم في نطاق التحزب. وقد تتأم القضية من اتباع لم يدركوا البعد الفكري المطلوب. ولعل أبرز أسباب الأزمة في تاريخنا الفكري انقلاب المدارس الفكرية الاجتهادية إلى مذاهب مقلدة وأحزاب متصارعة وأدوات طائفية وطوائف يقودها الاتباع. يضاف إلى ذلك الآفة الفكرية الحالقة وهي أن نقع بالافتتان والعجب بالإنجاز الفكري للمؤسسة التي تنتمي إليها، الأمر الذي حول بينها وبين الإفادة من الرصيد الفكري للآخرين الذي يمكن أن يخصب الرؤية ويغني العقل ويصب في الهدف نفسه، وبذلك تنقلب المؤسسة الرحبة إلى طائفة مغلقة تحاصر نفسها قبل ان يحاصرها خصومها بدل ان تكون قادرة على الافادة والتعاون والتفاعل والانتشار والتنسيق مع المؤسسات الأخرى التي تحمل الهم نفسه وتعمل للهدف نفسه وايضاً يخشى ان يصطدم هذا النقد والتقويم بتصلب بعض القائمين على القضية لآرائهم والانتصار لها، وعدم قدرتهم على رؤية غيرها واتهام وجهات النظر الأخرى بالقصور والسذاجة واحيانا بالتفاهة. وذلك لا يليق بمن يتسنم قضايا الفكر او يشتغل بها كما لا بد ابتداءً من نزع العصمة والقدسية عن اي اجتهاد بشري ليكون ذلك وسيلة لدخول ساحة التصويب والنقد ورفع حواجز الخوف والارهاب الفكري والنأي عن اي اتهامات تمزق رقعة التفكير. كما ان علينا ان نذكر انفسنا على الدوام ان نجعل الوحي (الكتاب والسنة) مصدرين أساسيين للكفر والثقافة والمعرفة والحضارة لا ان يجعل اجتهاداتنا الخاصة مصدرا لذلك كما نخشى ان يعتمد الهوي وخطران النفوس والميل الشخصي على أنه فكر وانتاج فكري فالميول والرغبات والاهواء امور وجدانية شعورية متأرجحة اما الفكر فهو يرتب مقدمات بشكل منطقي علمي وعقلي للوصول الى نتائج. وانا أتأسى في هذا المقال بقاعدة علمية خطها السيد المرحوم جمال الدين القاسمي وهي فائدة جليلة انه ينبغي الرجوع في الرمي ببدعة الى مصنفات رجالها فيها يظهر الأصيل من الدخيل، والمعروف من المنكور ونظير هذا نقول في الرجوع في اقوال الفرق الى مصنفاتها المتداولة حتى ينثلج بها الصدر والا فكم من قول افترى على مذهب او نقل مقلوباً، أو فاقد شرط، كما يعلمه من حقق وراجع الاصول. بل رأينا من الشراح من يضبط لفظه لغوية ويعزوها، وبمراجعة المعزو اليه يظهر اشتباه في المادة فتنبه لهذه الفائدة واحرص عليها. مثال ذلك: المؤرخ اللبناني الكبير الدكتور عمر فروخ قال عن يحيي الدين بن عربي في فصل من كتابه انه قتله العوام عندما قال لهم ان الهكم تحت قدمي هاتين (يقصد انهم يعبدون المال) ومعروف ان ابن عربي مات على فراشه فكيف يكون اغتاله العوام من الناس؟! ومن المفارقات الغريبة أن وفروخ نفسه في سفره هذا الضخم في صفحة أخرى تحدث عن ان ابن عربي مات على فراشه ولم يقتل؟! فكان قوله الأول خطأ عن قناعة استحوذت عليه بنتيجة ما سمعه من أفواه الناس دون ان يلقي إليه بالا ولم يحقق ويراجع الأصول كما بينا ومثال ذلك قال الأستاذ عارف الركابي: في معرض نقده للبرهانية انهم يستبدلون المأثورات الواردة في السنة والاذكار من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بهمهمات وكلمات اعجمية وضرب مثلا بالحزب السيفي والحزب المغني وحزب البحر.. الخ وسخر من هذه الاحزاب بأنها عبادات شركية ولكن الحقيقة ان الحزب السيفي هو من كلام سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وهو في ذروة سنام قريش الأشم والذروة العليا والركن الاشد بالفصاحة والبراعة والبلاغة فكيف تكون كلماته اعجمية او فيها همهمات فلن يستطيع عبده البرهاني ولا قبيلته ومشايخه الذين خلفوه ان يؤلفوا مثل كلام امير المؤمنين من حيث تنزيه الباري جل وعلا من حيث التكبير والتحميد والتهليل والتعظيم. فحزبه السيفي عقد نضيد كالدر يزداد حسناً ولذلك فالاخيار من الصوفية يحلون أورادهم به. أما الحزب المغني فهو أيضاً ليس من تأليف عبده البرهاني كلا إنما هي كلمات العبد الصالح سيدي أويس القرني من سادات التابعين قال له رجل أوصني فقال: فسر إلى ربك قال فمن أين المعاش؟ فقال: ان القلوب يخالطها الشك أتفر الى الله بدينك وتتهمه في رزقك؟! كان رضي الله عنه لم يجتمع برسول الله عليه السلام لانه كان مشغولاً بخدمة والدته فلذلك لم يعد من الصحابة وقيل إنه اجتمع به مرات وحضر معه موقعة أحد وقال والله ما كسرت رباعية النبي حتى كسرت رباعيتي ولا شح وجه حتى شح وجهي وقد اوصى الرسول سيدنا عمر اذا لقيه ان يطلب منه الدعاء له. وحزبه المغني أيضاً در مكنون مثل الحزب السيفي وكان يقول الدعاء بظهر الغيب أفضل من الزيارة واللقاء لانهما قد يعرض فيهما التزيين والرياء. فلما دفنوه في قبره رجعوا فلم يجدوا لقبره عيناً ولا أثراً رضى الله عنه. وقيل إن قراءة الحزب السيفي والمغني مؤثر للثروة والغني والله أعلم. أما حزب البحر فهو لسيدي ابي الحسن الشاذلي الذي كان كبير المقدار عالي المنار. من كلامه: عليك بالاستغفار ان لم يكن ذنب، واعتبر باستغفار النبي عليه السلام بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر، هذا في معصوم لم يقترف ذنبا قط وتقدس عن ذلك، فما ظنك بمن لا يخلو من العيب والذنب في وقت من الأوقات. وكان رضى الله عنه يقول إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل في نفسك إن الله قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف وهكذا الأخيار من الصوفية لا يحيدون عن جانب الكتاب والسنة قيد أنملة وأما حزبه فله قصة طريفة جداً نحكيها المرة القادمة بإذن الله فلا تسخر من أولياء الله الصالحين والله يتولى هداك.