هاشم عبد الفتاح كم من البرلمانيين الذين حملتهم قواعدهم الشعبية على أكتافهم إبان مواسم الحصاد الانتخابي ودفعت بهم إلى داخل قبة البرلمان، يحملون عشم هذه القواعد وأشواقها وهمومها، ويتحدثون بألسنتهم وأصواتهم تعبيراً عن كل هذه الأشواق يبرمون العهود والمواثيق، ولكنهم حينما يفشلون.. أو ينتكسون يسقط «العشم». ويبدأ هؤلاء النواب في البحث عن مصوغات يبررون بها هذا الفشل، وتظل الدوائر الجغرافية هكذا وبكل مواطنيها تلعق جراحاتها وأحزانها لأن قياداتها فشلت في أن تلبي لهم أشواقهم أو تعيد إليهم بعض وفاء وعهد. وبالأمس، وفي إحدى باحات البرلمان، أطلق العضو البرلماني مهدي عبد الرحمن أكرت عن دائرة بارا الشرقية بولاية شمال كردفان، عبارات الرحيل والهروب خارج القبة وبلا رجعة وبلا أدنى تفكير ثانية في أية محاولة تعيده إلى هذا البرلمان. وبرر أكرت هذا الهروب بأنه يريد أن يتيح الفرصة للأجيال الصاعدة هناك في دائرته الجغرافية. ولكنه أيضاً أطلق اتهاماته في عدة اتجاهات. حيناً في وجه النواب يتهمهم بالخوف، وحيناً يطلق سهامه هذه، ناحية حزبه ومؤسسته البرلمانية. ويرى أنه لا جدوى من العمل البرلماني في ظل أغلبية ميكانيكية يتسيدها المؤتمر الوطني. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا بإلحاح شديد.. لماذا إذن ظل أكرت طيلة هذه السنوات العجاف باقياً داخل أسوار حزبه وداخل كتلته البرلمانية، دون أن يتحدث عن الأغلبية الميكانيكية المعيقة كما يقول، أو دون الإشارة حتى إلى ضرورة فتح الأبواب والنوافذ للأجيال الصاعدة، ولماذا اختار العضو «أكرت» هذا التوقيت بالذات؟ أم أنه أدرك فعلًا أن النهايات لهذا البرلمان قد اقتربت؟ ولكن الحقيقة التي لم يشر إليها «أكرت» أن كل أوراقه السياسية احترقت وانفضت القواعد من حوله وأسقطه الحزب من كليته الشورية، أما القبيلة فهي الآن تعاني من حصار القصر الرئاسي وضغوطات السياسة والحكم، ولهذا فإن السيد مهدي قناعته في أمل جديد قد تبددت، فحدثته نفسه بأنه لا مجال لبدايات جديدة تعيد إليه ذات التجربة بكل امتيازاتها، فكان هذا السيناريو. إلى ذلك، استهجن العضو البرلماني الفاضل حاج سليمان اتهام النواب بالخوف من الجهات العليا، وقال ل «الإنتباهة» إنه لا ينبغي اتهام النواب بهذه الصفة، خصوصاً أن هناك جلسات مجلسية يجب أن تطرح فيها مثل هذه القضايا، كما ليس من الأفيد أن يكون الإعلام هو إحدى الساحات لإطلاق مثل هذه الاتهامات، كما استنكر الفاضل حديث العضو مهدي أكرت في هذا التوقيت الذي قاربت فيه الدورة البرلمانية على الانتهاء. وأضاف أنه ليس بإمكانه أن يصف زملاءه النواب بالخوف أو الجبن لأن هذا لا يخدم القواعد الجماهيرية وإن هذا الوصف يستوجب الدليل والحجة. ويعتقد العضو الفاضل سليمان، أن الممارسة البرلمانية مسؤولية فردية داخل قبة البرلمان، مؤكداً أنه إذا شعر ذات يوم بأن هناك جهة ما تمارس عليه الضغط أو تفرض عليه خيارات محددة، فإنه لن يبقى في هذا البرلمان. غير أنه يعتقد بأن السياسة هي فن الممكن، ولن يستطيع أي شخص عبرها الوصول إلى كل غاياته في لحظة واحدة. وأشار إلى أن الفساد لن ينتهي، وأن مكافحته غاية لا يمكن الوصول إليها، ولكننا كبرلمانيين سعينا ونسعى الآن لمحاصرة دوائر الفساد بما ينبغي، وأضاف: لكننا نحتاج إلى إحصاءات ودراسات علمية لمعرفة إلى أي مدى نجح البرلمان في محاربة الفساد. فيما ذهب العضو عثمان آدم نمر عن دائرة حمرة الوز وجبرة الشيخ بولاية شمال كردفان في ذات الاتجاه في حديثه ل «الإنتباهة»، ونفى بشدة أن يكون النواب خائفين من حزبهم أو من الجهات التنفيذية أو السياسية، وقال إن الأغلبية الميكانيكية داخل البرلمان ليس عيباً. وأشار إلى أن النواب يمارسون دورهم ليس تحت أي ضغط على حد قوله، ولكنهم ملزمون بلائحة تنظيم أعمال المجلس، وبالقسم الذي أدوه عند دخولهم البرلمان خصوصاً أن البرلمان به كتلة مقدرة من نواب المعارضة مارست دورها كاملاً. وأبدى العضو عثمان رفضه لاتهام النواب بالخوف، وقال إن هذا الاتهام ربما هو زلة لسان أو لأنه أي أكرت غير راغب في العودة مجدداً للبرلمان، فهو لم ترشحه الكليات الشورية بمنطقته ربما نزولاً لرغبته.