٭ ظننت أن الترابي بوصفه سياسياً قديماً ولماحاً بخلاف غيره، سيفهم ويستوعب سر تعيين نجلي الصادق المهدي والميرغني في القصر الجمهوري، إلى جانب الرجل الثالث فعلياً في الدولة الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية. لكنه في مؤتمر حزبه الصحفي أمس الأول راح يقول: «الانحطاط الذي وصلت إليه الحكومة جعلها تجعل أشخاصاً لا يتمتعون بالخبرة على رأس الدولة».. وهو يقصد نجل الصادق المهدي «العقيد عبد الرحمن» ونجل «الميرغني» الشاب «جعفر الصادق». ولكن قبل أن نتحدث عن سر تعيينهما، فإن السؤال الذي نوجهه إلى الترابي هو: هل استبدل رئيس الجمهورية د. نافع ومساعد الرئيس موسى محمد أحمد بنجلي المهدي والميرغني، حتى نستعجل الحكم على الحكومة بأنها وصلت إلى درجة الانحطاط؟!.. نعم نتفق مع الترابي أن «النجلين» لم يثبت أنهما مؤهلان لمساعدة الرئيس في إدارة الدولة. لكن ما ينبغي أن يفهمه الترابي أن الدولة لم تعينهما لأنها حائرة في أمر الحكم والإدارة، وإنما هذا السر يمكن كشفه على سبيل الاستنتاج البسيط من خلال قراءة الساحة السودانية وإمعان النظر في التحديات التي تواجه الحكومة على الساحة نفسها، وكيفية تجاوزها في ظروف اقليمية، وإن كانت من الناحية الأمنية والدبلوماسية قد جاءت لصالح الحكومة السودانية والمواطن السوداني في دارفور بالذات. إن قيادات حزب الترابي والحزب الشيوعي نشطاء كالنحل في معارضة الحكومة، لكنهم يحتاجون للحزبين الكبيرين ليمثلا لهم دور «ذكر النحل».. أي أن يقدما جماهيرهما الغفيرة لتحريك الشارع لصالح الأجندة الشيوعية الترابية المشتركة مع أجندات بعض الحركات المتمردة، كما يبدو من صور المواقف السياسية من بعض القضايا. والحزبان الكبيران الأمة والاتحادي الأصل قد تعرضا لاختراق «علني» ومكشوف ومفهوم لهما، وكأنهما يطلبان رصاصة الرحمة السياسية من الحكومة بعد أن يئس زعياهما من عجز النحل السياسي النشط في المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي عن تحقيق أمل تكرار مؤامرة «12 أكتوبر» وانتفاضة أبريل التي يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى جعفر نميري. لكن الترابي فشل في أن يحافظ على جماهير الحزبين الكبيرين إلى جانبه للاستعانة بهما في مشروع تحريك الشارع الذي غايته ليس لكي يكون الحزب الحاكم هو المؤتمر الشعبي، وهذا مستحيل، ولكن للتشفي من الذين أبعدوه من السلطة التشريعية فقط، ولم يبعدوه من الحزب الحاكم.. فقد خرج بنفسه. والحزب الشيوعي كذلك باعتباره حزباً متوقف النمو السياسي، فلا سبيل إلى أن يكون هو الحزب الحاكم، ومثلما هو غير قابل للنمو السياسي، فإذا اعتلى سدة الحكم لن يكون قادراً على الاستمرار، وقد فشل عام 1791م في أن يستمر لأسبوع واحد بعد انقلابه الذي فشل بعد ثلاثة أيام قضاها نميري في حبس الغدر بعد أن غدر به قائد حرسه المقدم أبو شيبة وخانه شر خيانة. ولذلك نقول من سيحكم بعد المؤتمر الوطني؟! .. إن جماهيره في زمن عودة الوعي أصبحت أكبر من جماهير الأمة والاتحادي الأصل مجتمعين.. نعم في عام 9891م كانت جماهيرهما برقم ضخم.. ولكن لماذا لم يقل الترابي وقتئذٍ على الجبهة الاسلامية انتظار الانتخابات؟! الإجابة لأن هناك خلايا علمانية كانت تهم بالقيام بانقلاب لصالحها، ولذلك بارك الترابي انقلاب البشير مثلما بارك علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي انقلاب عبود الذي كان بتوجيه من رئيس الوزراء عبد الله خليل. وكان خليل يريد رصاصة الرحمة السياسية، فهو رئيس وزراء وطلب من العسكر أن يستلموا السلطة. والترابي الآن مع العلمانيين يسعى لإسقاط الحكومة. هل الانحطاط هو استضافة نجلي الزعيمين في القصر أم الاستعانة بالحزب الشيوعي والمتمردين لإسقاط هذه الحكومة التي كان الترابي زعيمها التشريعي. إطلالة أوكامبو ٭ إطلالة مدعي المحكمة الجنائية الدولية غير الخاصة بإسرائيل والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ويوغندا وكينيا ودولة جنوب السودان، رغم أن كل هذه الدول صاحبة القدح المعلى في ارتكاب جرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان والاعتداء على حقوق البسطاء، يا أخي اطلالة أوكامبو في أجهزة الاعلام من حين إلى آخر في تقديري تبقى فرصة جيدة جداً للحكومة السودانية ترد فيها بصورة متطورة على الصورة الفائتة، وفي نفس الوقت تذكر بإنجاز حققته على صعيد الأمن أو الشأن السياسي.. وتلفت النظر إلى استمرار الجرائم الصهيونية في فلسطين والجرائم الطائفية في غيرها، ومعاناة شعب أفغانستان وشعب جنوب السودان، والاعتداء الكيني على أراضي الصومال، والتآمر اليوغندي من خلال المتمردين ضد شعب دارفور. إطلالة أوكامبو من حين إلى آخر في الإعلام لتجديد عباراته الممجوجة أو لإعلان اتهام جديد في مناخ سياسي معين، لا تحظى بها الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها الحركة الشعبية في جنوب كردفان، فلم يشر إليها وربما لم يحط بها علماً، وهو في غمرة من المشغولية بالبحث عن سبيل يرد له الاعتبار بعد أن أصدر مذكرته الجرباء بالافتراءات والسيناريوهات، ثم بعد ذلك أقلعت الطائرات من مطار الخرطوم وعلى متونها الرئيس السوداني مغادراً بها البلاد. وليس الآن حيلة أمام أوكامبو إلا أن ينضم إلى الأحزاب السودانية التي تريد إسقاط النظام، أو إلى الجبهة الثورية المتمردة في الحدود التي ظل يخدمها سياسياً من خلال محكمة جنائية غير معنية بجرائم الحرب والسلطة في بعض الدول. أوكامبو إذا ظل على هذه البلاهة القانونية سيظل يقدم بغباء الحافز السياسي للحكومة السودانية التي استوعبها الربيع العربي وأخلت لها شارع التظاهرات التآمرية في الداخل جماهير حزبي الأمة والاتحادي الأصل، وها هما إمام الأنصار في المستقبل ومرشد الختمية في المستقبل مساعدان للرئيس في القصر الجمهوري. وإذا كان البعض يرى عدم كفاءتهما ونتفق معهم، فإن كل منهما يبقى في هذا الوقت مساعد الرئيس لإخلاء الشارع من التظاهرات. فنجل مولانا ونجل الإمام في القصر، فلماذا الهرجلة والغوغائية في الشارع لصالح حزب الترابي والشيوعيين؟! إطلالة أوكامبو بين الفينة والأخرى لا ينبغي أن يحسبها المؤتمر الوطني شراً له، بل هى خير له. وهي أيضاً فرصة لمراجعة قياس الرأي العام، فهل مازال على عهد كرري يوم اصدار المذكرة ضد الرئيس وهو عائد من الكلية الحربية بعد تشريف احتفال للجيش؟!.. أم أن أولئك النفر انضموا إلى مشروع حزب الترابي والحزب الشيوعي صنوه الجديد؟! آخر إطلالة لأوكامبو أنه طلب مذكرة توقيف بحق وزير الدفاع بعد فترة طويلة من إصداره مذكرة توقيف للبشير. هل مثل البشير أمام محكمة أوكامبو منذ ذاك الوقت وحتى الآن؟! هل أوقفته دولة زارها بعد صدور المذكرة؟! لكن إذا أصبح «الخواجة» غبياً فإن غباء الخواجات يبقى ضرباً من ضروب الكوميديا.. والسؤال الذي نوجهه لأوكامبو الذي يحرث في البحر ويزرع في الوهم هو: ما معنى إصدار مذكرة جديدة ضد وزير الدفاع الحالي، وقد خابت ظنونك بمصير مذكرات سابقة إحداها ضد الرئيس؟!