أجمع عدد من الأصدقاء على الاحتفال برأس سنة من سنوات النصف الأول في ثمانينيات القرن الماضي.. وآنذاك كانت الدنيا بي «خيرا وخريرا».. جهزوا عرباتهم ومستلزمات سهرتهم وقرروا أن يطوفوا «بانبساط» على كل الاندية التي تقام فيها حفلات رأس السنة.. وفي الليلة الموعودة بادر الاصدقاء و (بدّروا) وامتلأت السيارات بما لذ.. وطاب من الأكل والشرب وانطلقوا من ام درمان الى الخرطوم حيث البهارج والهيلمانة والضجيج والصخب والطرب.. والهجيج.. وكان ما كان.. ولما أطلت السنة الجديدة برأسها.. كانوا في قسم الحوادث.. فقد دارت برؤوسهم الدوائر ولم تسعفهم الحقن ولا المياه الباردة لمعانقة ومشاهدة السنة الجديدة وهي تطل برأسها مع الدقيقة الاولى بعد منتصف الليل والتي كان العرف السائد حسب الحضارات الغربية أن تُطفأ الأنوار في «اللحظة ديك»!! وبعد الدقيقة الأولى تعود الإضاءة مع إطلالة جديدة.. لعام جديد لتتواصل الاحتفالات والرقص والغناء.. ومدينة بورتسودان من أشهر المدن في احتفالاتها بأعياد رأس السنة خصوصاً في البواخر الرأسية على الميناء ومعظمها تطلق الألعاب النارية لتحيل ليل المدينة إلى نهار أبلج وطبعاً معظم البحارة من الاجانب وتوجد الأندية تتسابق على الفنانين والفنانات ويُعد الاحتفال موسماً لمتعهدي الحفلات وللفنانين والفنانات. واليوم بدأت تتكاثر الاعلانات عن حفلات رأس السنة في اندية الخرطوم وصالاتها.. دعوة للسهر والخمج والتشبه بالخواجات. بين عشوشة.. ونانسي كانت «خالتنا» «عشوشة» متكئة ترشف الجبنة من فنجان أبيض مخطط بألوان مذهبة وهي تنظر إلى التلفزيون «قناة النيل الأزرق» و «للتعتر» وقع نظرها على المطربة «نانسي عجاج» في اعلان لحفل رأس سنة وكانت تغني وتقول «أحبك.. أحبك» استعدلت خالة «عشوشة» في جلستها وهي تتمتم.. «أجي يا بتي- دا كلام شنو دا.. ومالك بتعوِّجي في خشيمك دا كدى».. مثل الكلام دا سمعناه من رجال ليهم ضل عثمان حسين.. ود اللمين.. ووردي.. لكن والله مثل سُواة البنية دي ما شفناها ولا سمعناها..».. لم أجد ما أرد به على الخالة.. ثم ما لبث أن انتقل الأمر الى اعلان آخر كانت تقف فيه «انصاف مدني».. وهي ترتدي ثوب أصفر مشجر وتغني اغنيات بالدلوكة.. فصمتت الخاله عشوشة ولم تعلِّق ظهر «ترباس» بعمامته الضخمة وهو يتغنى باحدى اغنيات الحقيبة فقالت في هدوء «آااي كدى» وكذلك انفرجت أساريرها وهي تشاهد الفنان صلاح بن البادية في إحدى اغنياته القديمة وراحت تدندن معه في اغنيته.. ثم ما لبث أن ظهر «طه سليمان» فاتكأت عائدة وهي تحمل فنجان الجبنة و«تطنطن»!! بس!! الوليدات الصغار ديل ما يشوفوا قرايتن ويشوفوا ليهم شغلة سمحة بدل يقيفوا وسط النسوان والبنوت الفارغات ديل ويقعدوا يغنوا ليهن الغنا الليِّن دا.. وبس». اجبرتني الخالة عشوشة لمتابعة إعلانات احتفالات رأس السنة عبر التلفزيون ولفت انتباهي وأدهشني ان هنالك اعلانات ظننت أن بها خطأ عندما تأكدت أن اسم الفنان أو الفنانة يرد في أكثر من اعلان للغناء في ليلة رأس السنة «الواحدة» في أكثر من مكان واحد ما يعني أن الفنان يمكن ان يتعاقد لأكثر من حفل في ليلة واحدة وفي تمام الساعة التاسعة.. إحدى المطربات لديها اعلان عن حفل رأس السنة يوم 31/12/2014م في صالة «سبارك سيتي» في تمام التاسعة مساءً.. وإعلان آخر في صالة «دينار الملكية» برضو حفل رأس السنة يوم 31/12 «برضو» الساعة التاسعة مساءً ولا شك أن هناك آخرين مرتبطين بنفس الطريقة الغريبة «الفزّورية» هذه.. فهمِّونا السنة دي يمكن عندها أكتر من رأس.. الله يستر..