عقب نهاية العملية الانتخابية السابقة التي أفرزت نتيجتها فوزاً كاسحاً للمؤتمر الوطني على كافة المستويات الانتخابية تسيّد الحزب الحاكم قبة المجلس الوطني ولم يعد هناك منافس له أو على أقل تقدير من يجاهر برأي مضاد عدا بعض الأصوات التي تنتقد في بعض الأحيان من بين صفوف الحزب نفسه ولكن برزت مجموعة قليلة تمثل المؤتمر الشعبي قالت ومنذ اليوم الأول في برلمان ما بعد الانفصال: «نحن هنا»، ولعل الجميع يذكر يوم انتخاب رئيس البرلمان ومفاجأة بعض النواب للحضور بترشيحهم للعضو البرلماني إسماعيل حسين «مؤتمر شعبي» للرئاسة ومن أن الرجل لم يحصد شيئاً من الأصوات بكل تأكيد إلا أن المؤتمر الشعبي أرسل رسالته في ذلك اليوم وقال للجميع نحن موجودون في المجلس الوطني الذي يهيمن عليه المؤتمر الوطني. وقد خطف إسماعيل الأضواء عقب نهاية الجلسة وصُوِّر منذ ذلك اليوم زعيماً للمعارضة في محاولة لاجترار ذكريات الماضي عندما كان النائب الأول علي عثمان زعيماً لمعارضة راشدة كانت تبدي رأيها بموضوعية وباحترافية سياسية ماكرة ورائعة في ذات الوقت حتى أن نجم طه السياسي بزغ من داخل البرلمان ما مكنه للعب أدوار عديدة داخل الحزب والحكومة، المهم جدًا أننا لسنا في حالة عقد مقارنة بين معارضة الإسلاميين السابقة داخل البرلمان ومعارضتهم الآن لبعضهم البعض بعد تفرُّق «الإخوان» ولكن من حق المؤتمر الشعبي أن لا يتفق في الرأي مع المؤتمر الوطني ولكن بالمقابل ليس من الجيد أن يقود رأياً ينتقص من هيبة الدولة ويمس كرامتها وذلك مانقلته صحف أمس الجمعة التي نشرت وقوع ملاسنات حادة بين الوطني والشعبي قبل إجازة قانون رسوم عبور البترول تعديل لسنة 2011م عقب اعتراض عضو المؤتمر الشعبي إسماعيل حسين على التعديل المنصوص عليه بالقانون المذكور أعلاه والذي يمنح وزير المالية سلطة الحجز على أي كمية من البترول لاستيفاء الرسوم المستحقة وأعلن عن تحفظه على سلطة الحجز، الأمر الذي دفع عضو البرلمان عن المؤتمر الوطني كمال عبيد للدفاع عن البند والقول إن التعديل حق سيادي واتهم كمال إسماعيل بمحاولة انتقاص سيادة البلاد لصالح سيادة الآخرين وتفضيل مصالح دولة أجنبية على مصالح الشعب السوداني. الأمر الذي وافقه عليه رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر بل أنه ذهب لأبعد من ذلك عندما قال: «لن نفرط في مليم من حق السودان». والبائن للعيان أن المعارك الكلامية بين الوطني والشعبي في البرلمان تكررت عدة مرات بيد أن المرة الأخيرة بدا وكأنما الشعبي يتشفى في الوطني أو أن همَّه الأول والأخير المعارضة والسلام بحسب رأي عدد من نواب البرلمان منهم العضو عن دائرة عطبرة الهادي محمد علي مؤتمر وطني نعم من حق الشعبي أن يعارض ويجاهر برأيه ويحشد له، لكن من الأوفق والأسلم له أن يقود معارضة رشيدة تنتزع الاحترام والتقدير لمصلحته حتى من عضوية المؤتمر الوطني، معارضة تعود بالخير والنفع على البلاد إذ أن رأياً صائباً من الشعبي قد يصلح الحال ودونكم معارضة عدد من نواب البرلمان وهم قيادات بالوطني لزيادة سعر البنزين مثل إعلان وزير المالية الأسبق وبشجاعة أن رفع الدعم عن الوقود حتمي لكنه أقر بأنه سينتج عنه آثار سياسية سالبة باعتبارها ستقود لزيادة في الأسعار. المؤتمر الشعبي أمامه فرصة كبيرة ليستفيد من وجوده الضئيل في البرلمان ومن الممكن جدًا أن يسمع الناس صوته حال حكّم عقله وحاول المباعدة بينه وبين فكرة «المناقرة» في اللا شيء والتي ستُحسب عليه ولن تعود بالنفع على الحزب، يكفي الصورة المشوهة التي كانت بائنة على الحركة الشعبية في البرلمان عندما كانت تخادع نفسها قبل الآخرين وتنظر لمصلحتها فقط إلى أن ذهبت إلى حال سبيلها ولكن لأن الشعبي لن يذهب فالأولى أن يغيّر نهجه لأن المواطن ما أحوجه لمعارضة في البرلمان المتهم ببصم نوابه بالعشرة على القوانين ولكن ليس أي معارضة.