العبيد أحمد مروّح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية التقته «الإنتباهة» في حوار مطول بعد الجدل الذي أثارته تصريحات المبعوث الأمريكي الأخيرة والداعية لعدم إسقاط النظام في الخرطوم والتي قال فيها إن إسقاط النظام ليس من مصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث أكد الأستاذ مروح أنهم لم يطربوا لها خاصة وأنها لا تحتوي على جديد يُذكر بل هي نابعة من مصلحة تخص أمريكا نفسها مبيناً أن الولاياتالمتحدة عندما أطلقت هذه التصريحات لم يكن فيها مجاملة للنظام أو حب له لأن السياسة الخارجية لا تقوم على العواطف بل تقوم على المصالح.. وقال السفير العبيد إن الذين يدعُون لإسقاط النظام يعوِّلون على السند الخارجي ولكن العالم يدرك أن هذه أمانٍ قد لا تتحقق أصلاً، ومن يدعو لذلك فهو يخطرف خطرفة سياسية لا ينبغي أن يسمح بها عاقل.. وأكد أن تحالف القوى الثورية السودانية الداعي لإسقاط النظام لن يفلح في ذلك لأنه من مصلحة أمريكا الحفاظ على استقرار السودان لأن عدم استقراره سوف ينعكس سلباً على الدولة الوليدة التي أنتجها المجتمع الدولي بضغوطه وأجندته. أما فيما يختص برفض المبعوثين الدوليين لمقابلة البشير فهذا الأمر أكد أن الخارجية لا تقرره بمفردها، أي مقابلة الرئيس، موضحاً أن زمن البشير أغلى من أن يضيع في مقابلة مبعوث قد لا يكون هناك جديد لديه.. وأن مقابلة المبعوث تتوقف على هُويته وأجندته.. وقد ترفض الخارجية أحياناً طلب المبعوث لمقابلة الرئيس.. وقد لا يطلب المبعوث أصلاً مقابلة البشير.. هذا وغيره من المحاور بشأن العلاقات السودانية الخارجية والسياسة العامة الخارجية للبلاد، فلنقف على آرائه في هذه المساحة.
من الذي يدير ملف العلاقات السودانية بدولة جنوب السودان الوليدة؟ ملف العلاقات بيننا وبين دولة الجنوب يدار بواسطة رئاسة الجمهورية وهو تحت الإشراف المباشر لرئاسة الجمهورية ووزير الدولة برئاسة الجمهورية إدريس عبد القادر هو المنسق العام والمشرف على ملف التفاوض مع دولة جنوب السودان وقضاياه العالقة وهو كان جزءًا من مسؤولي الدولة الذين أداروا التفاوض في نفاشا ومن المسؤولين الذين أشرفوا على تنفيذ الاتفاقية وبالتالي تلقائياً هذا الملف يُدار عن طريقه وينسَّق بعد ذلك مع مؤسسات الدولة المختلفة.. ولكن هناك قضايا عالقة حتى اللحظة ولم يتم التوصل لحلول بشأنها؟ هذا أمرٌ صحيح وهناك على الأقل ثلاث قضايا رئيسية أبيي ترسيم الحدود بين البلدين والقضايا الاقتصادية، فأما تحت عنوان ترسيم الحدود تدخل قضايا متعلقة بنقاط المراقبة والقضايا المتعلقة بالمعابر بين البلدين، ويتبع ذلك وجود سلطات مختصة بالجوازات والجمارك، كل ذلك متعلق بترسيم الحدود.. أما موضوع الترتيبات الاقتصادية فيدخل النفط والتجارة وأخرى ذات صلة، أما قضية أبيي فهذا ملف منفصل، هو مستقبل المنطقة: هل ستكون جزءًا من الشمال أم من الجنوب، فهذه قضية سياسية محل خلاف.. فإذا أخذنا أي ملف من هذه الملفات الثلاثة بشكل مباشر فسنجد أن حكومة السودان لا تتحمل أي قدر من المسؤولية لتعطيل الوصول لاتفاق.. نريد توضيحًا أكثر لهذه النقطة؟ لو ضربنا مثالاً بقضية الحدود قبل أن ينفصل الجنوب أعلن الطرفان المعنيان «الحكومة الاتحادية وقتها والحركة الشعبية» أعلنا أنهما توصلا لاتفاق نحو 85% من الحدود على مستوى الخرط «الورق» وأن هناك أربع مناطق لم يحسم الخلاف حولها.. ما الذي قلناه نحن الآن بعد الانفصال؟ قلنا دعونا نعتمد خريطة السودان حينما تركه الإنجليز في 1/1/1956م كحدود مؤقتة، هناك حدود معروفة بين المديريات الجنوبية والمديريات في كردفان وفي النيل الأبيض ونتفق على أن هذا ترتيب مؤقت، ووفقًا لهذا الترتيب المؤقت كانت اللجنة السياسية الأمنية قد أقرت عشر نقاط للعبور، نتفق على مواقع هذه العشر نقاط، وكل طرف يأتي بالمكوِّن الذي يليه من جمارك وضرائب وغيره لكي تنساب حركة التجارة والحركة الاجتماعية.. رفض الطرف الآخر أن يوقع على أن حدود 1/1/1956 هي الحدود المؤقتة إلى أن يتم حسم القضية حتى ولو بصورة مؤقتة، فبقي الخلاف حول ترسيم الحدود خلافًا عالقًا، وبدلاً من أن نقلص نقاط الخلاف من أربع إلى ثلاث في آخر جولة تفاوض كانت في أديس فيما يتعلق بملف الحدود أضافوا نقطة خامسة للنقاط الأربع. وما هي النقطة الخامسة التي أضافوها؟ نقطة هجليج كمنطقة خلافية حول ما يتصل بترسيم الحدود حولها، إذن نحن بالنسبة لنا هناك شريك آخر أو طرف آخر أو جارنا المعني لا يرغب من ناحية عملية في الوصول إلى حلول.. ونفس المنطق ينطبق لحد كبير على قضايا النفط والتجارة، وكذلك أبيي، حيث كان من المفترض أن تنسحب منها القوات السودانية المسلحة في أكتوبر الماضي، لكن هذا الانسحاب كان ضمن مجموعة إجراءات متكاملة لا ينفصل بعضها عن الآخر، كان يتعين أن يتم اختيار فريق للمراقبة المشتركة ويتكون من جنوب السودان وشمال السودان ومن الأممالمتحدة، هذا الفريق يشرف على الوضع وينفذ الاتفاق على الواقع ويراقب مدى التزام أي طرف ويبت في شكوى أي طرف تجاه الآخر، نحن من جانبنا منذ اليوم الأول سمّينا مندوبينا من القوات المسلحة، لكن دولة جنوب السودان لم تفعل، وكان يتعين أن يشكل من الطرفين إدارية لأبيي لكي يثق المسيرية والدينكا أن هناك من يمثلهم في الوضع الإداري، والقوة الإثيوبية الممثلة للأمم المتحدة لا تمثل أيًا من الطرفين، ونحن سمَّينا ممثلينا سواء كان في الجانب التشريعي أو الجانب الإداري ولكن دولة الجنوب لم تسمِّ ممثليها.. وكان ينبغي أن يتم الاتفاق على شرطة تحفظ الأمن داخل الأحياء وتراقب الوضع، ولكن ايضاً لم تسمِّ دولة الجنوب ممثليها في هذا.. لذلك لا يمكن التقدم في هذه الوثيقة أو حلها لأن هناك طرفًا لا يقبل بأي شيء وغير متفاعل. برأيك من أي شيء ناتج هذا الموقف الرافض؟ هذا يحتاج لتفسير سياسي، أنا في رأيي الشخصي أن التيار السياسي الناشط في الحركة الشعبية، وهنالك ما يدعوني للاعتقاد، أنه يوجد تيار ناشط ضمن القيادة الحالية لدولة جنوب السودان، وللحركة الشعبية الحزب السياسي الذي شكل الحكومة لا يرغب في أن يرى النظام الحالي الموجود على الرغم من أنهم شاركوا في اتفاق السلام في أن يراه ممسكاً بزمام الأمور في السودان، لذلك هو جزء من لعبة دولية تستند إلى ناشطين في مواقع مختلفة يسعون بقدر ما أوتوا من قوة إلى إضعاف النظام هنا وإطاحته. وكون أنه لا نتوصل لأي اتفاق في القضايا العالقة فهذا يعني أنك تريد أن تحرض الناس على النظام بمعنى أنكم فصلتم الجنوب ثمناً للسلام ولم تحققوا السلام وهذا قطعاً يصب في صالح المعارضة، لذلك تحرض مجموعات باسم الهامش لكي تناهض النظام بالقوة العسكرية، لذلك يعطل الوصول لاتفاقات لكي لا يتم استقرار البلد، وكل أشكال المعارضة والتحريض المباشر وغير المباشر هناك صحيح أنه يوجد تيار آخر يعتقد في أهمية أن يكون هنالك علاقة طبيعية وعلاقة تبادل منافع بين الدولتين لكن للأسف هذا تيار صوته خافت على الأقل في الوقت الراهن. قضايا الحدود تدار بواسطة الولايات وديوان الحكم الاتحادي.. لماذا هذا الملف بعيد عن الخارجية؟ هذا الملف غير بعيد عن الخارجية.. ونظام الحكم في السودان هو نظام فيدرالي، وللولايات سلطاتها المختلفة.. لذلك فلسفة السياسة الخارجية للدولة السودانية والخارجية جزء من إدارة تنفيذها أن سياستك الخارجية وبالذات مع دول الجوار تقوم على تبادل المنافع، وأول من يتعين أن ينتفع هم المواطنون على طرفي الحدود، إذا لم يحس مواطنو إثيوبيا على الحدود مع السودان ومواطنو السودان على الحدود مع إثوبيا أن العلاقة بين البلدين تنعكس إيجاباً على أمنهم واستقرارهم فتصبح العلاقة معلقة بين الحكومات على المستوى الاتحادي ويستفاد منها فقط في التنسيق على مستوى المنابر الدولية والإقليمية، فهذه هي الفلسفة الصحيحة، وبالتالي إشراك الولايات الحدودية في ترسيخ السلام والاستقرار هو جزء من ما يخدم السياسة الخارجية بين الدولتين، حينما يتم تنسيق أي عمل مما أشرت إليه تقوم الخارجية بتنسيق هذا العمل عبر السفارة السودانية وعبر مسؤولي الولايات. هناك من يتحدث عن تصدير النفط التشادي عن طريق السودان.. ما مدى صحة هذا الحديث؟ وهل سيكون بديلاً لنفط الجنوب بمعنى أنه لا عودة لنفط دولة الجنوب؟ ليس لديّ معلومات كافية حول ذلك، ولكن على الصعيد الشخصي أستبعد ذلك. لماذا؟ لأنه حتى الآن المنتج من النفط الشادي ليس بالكميات الوافرة التي تحتاج لتصديرها عبر السودان، وبحساب المسافة الجغرافية إلى المحيط الأطلسي عبر الكامرون أقرب من المسافة عبر السودان للبحر الأحمر، وليس هناك طرف باتجاه البحر الأحمر مطلوب بأنه يستهلك النفط التشادي.. فهذه تخمينات صحفية. الصحيح أن هنالك تعاونًا على مستوى الموانئ ورغبة في ربط البلدين بعضهما مع بعض باعتبار أن حركة التجارة التشادية مرتبطة بالشرق الأوسط وآسيا أكثر من ارتباطها بغرب إفريقيا أو بأمريكا اللاتينية، لذلك اتفق البلدان على إقامة سكة حديد لأنها أرخص وأكثر وفرة وعلى خطوط برية على الأقل على مستوى الولايات المتاخمة لتشاد، واتفق على أن حركة التجارة الآن في هذا الاتجاه هي أكثر على أن تعطى تشاد مساحة أقرب للمنطقة الحرة على البحر الأحمر سواء بالقرب من بورتسودان أو سواكن لتبقى أقرب لمنطقة «الترانسيت».. وهذا أمر مطلوب من باب توسيع وتمتين العلاقة بين البلدين وتوسيع دائرة المصالح المشتركة بين الشعبين. ظهور الإسلام السياسي في الناحية العربية من جهة والتغيير في السياسة الأمريكية تجاه السودان من جهة أخرى.. هل هناك أي ربط؟ حتى الآن لا يوجد ربط، لكن أنا لو كنت محل الأمريكان لربما فكرت أكثر من مرة في الاستفادة من السودان، من الدور السوداني، أو الثقل السوداني في علاقته مع ناتج ثورات الربيع العربي، صحيح أن هذه الثورات أو الحراك الذي أفرزته فمثلاً في المغرب لم تقم ثورة بالمعنى التقليدي لكن بحكمة ملك المغرب التقط الفكرة وأحدث تعديلاً في نظام الدولة أتاح سلطات للبرلمان ورئيس الوزراء وجرت انتخابات أجمعت الأطراف على أنها حُرة ونزيهة وأنتجت تيارًا إسلاميًا حائزًا على الأغلبية.. في تونس ذات النتيجة لكن تم الوصول إليها عن طريق مختلف، وربما تكون ذات النتجية في ليبيا، والطريق أيضاً مختلف، وإلى حدٍ ما هناك تشابه بين الثورة التونسية والثورة المصرية، والنتيجة نفسها، إذن كيفما كان الأسلوب المتبع في موضوع التغيير عن الثورة أو عن طريق الإصلاح النتيحة أن الشعوب في هذه المنطقة تفضل أن ترى على قيادتها على الأقل على المستوى التشريعي تيارات إسلامية هذا يخلق تحديًا للتيارات الإسلامية نفسها بأن تكون بمستوى طموح الشعوب فهي ليست جميعها على مستوى واحد من التدين بعضها لا يؤمن بالدين أصلاً، السودان تم وصول التيار الإسلامي فيه للحكم بأسلوب مختلف عن هذه الأساليب منذ عشرين عاماً ومنذ ذلك الوقت اكتسب التيار الإسلامي الحاكم في السودان كثيرًا من التجارب والعِبر بما في ذلك تجربة الانشقاق الذي أصابه، لذلك بوسع التيار الإسلامي في السودان أن يهدي تجربته وأن يكون له تأثير واسع في التواصل مع جميع هذه التيارات من أقصى الغرب لأقصى الشرق.. المجتمع العربي الآن يكاد يقف مشدوهاً تجاه تفسير ما يحدث فهذه المعطيات المختلفة في تقديري الشخصي تشكل فرصة للتواصل بين السودان والغرب عموماً، بين السودان وبين الشرق الأقصى، بين السودان والولاياتالمتحدةالأمريكية، هذه المجموعات الثلاث، وللوصول إلى أفضل تفسير لما حدث والأهم ومن ذلك الوصول لسبل التعامل مع ما حدث، وأنا أخشى أن تؤثر التيارات العلمانية على إستراتيجيات الغرب في التعامل مع هذا النتاج «الربيع العربي» وإفرازاته وبالتالي يخسر الغرب أولاً وتخسر المنطقة وقتاً وجهداً على الأقل. هناك حديث عن دخول أسلحة ليبية للبلاد.. ما مدى صحة هذا الحديث؟ وما مدى خطورتها وما هي كميتها؟ الحديث عن الأسلحة يشمل نوعين من الأسلحة، يشمل الخفيفة أو أسلحة قتالية، وهذا أمر حدث، بمعنى أنه حدث أن تسرب سلاح من هذا النوع من المخازن الليبية، لا ندري مدى حجمه ولا ندري اتجاهاته.. والمعلومات التي لدينا أن بعض الحركات الدارفورية المعارضة وعلى رأسها حركة العدل والمساواة وجماعة مناوي حصلت على جزء من هذا السلاح، وربما أخذت هذه الأسلحة مسارات أخرى، هنالك أيضاً حديث يحتاج لمزيد من التأكيد أن هنالك أسلحة ذات خطورة خاصة صواريخ ذات قدرات معينة سُرقت من مخازن السلاح الليبي، وليس معروفاً إلى أين وصلت؟ هل دخلت السودان؟ نحن نستبعد وصولها السودان إلا إذا كانت في أيدي جماعات المتمردين في دارفور، وربما يحدث ذلك لأننا لم نقف بالضبط على تفاصيل ما لديهم من أسلحة، لكن هنالك خشية إقليمية ودولية من أن تقع هذه الأسلحة ذات الخطورة الخاصة في الأيدي الخطأ، «ربما أنتجت خسائر فادحة» والأيدي الخطأ هي جماعات التمرد والإرهاب، جماعات النهب المسلّح، هي جماعات خارجة عن القانون، للأسف نحن ليس لدينا القدرة الكاملة على المراقبة، هذه صحراء واسعة، سواء كانت في حدودنا مع مصر أو ليبيا نحتاج لتعاون دولي لتتبع هذه الأسلحة في الاتجاهات التي تهرب لها، وهذا ما يقلقنا، ونحن نشارك الإقليم قلقه في هذا.