منظومة أولويات السياسة الخارجية للسودان حتماً ستشهد تغيرات بسبب التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، لذلك لا بد من إجراء مراجعة لنهج الدبلوماسية السودانية وإعادة ترتيب أولويات التنفيذ بالاهتمام أكثر بأوروبا وآسيا وعدم الغرق في شبر الماء الأمريكي فشطب اسم السودان من اللائحة هو من «أولى» المستحيلات ورفع العقوبات الاقتصادية «ثانيها» وتطبيع العلاقات «ثالثها» فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ولا تبخعها على آثارهم فهم قوم كالسراب يبتعد عنك كلما تقدمت صوبه. وزير المالية أنت أمام تحدٍ كبير جداً فالمطلوب منك في المرحلة القادمة أن تصنع من الحبة قبة، ومن الفسيخ شربات، وإلا فالترجل أكرم وأجدى لك وللشعب السوداني، وإصرارك ودفاعك المستميت عن ضرورة رفع الدعم عن البنزين بدعوى أن دعم البنزين هو دعم للأغنياء أمر غير صحيح فالنسبة الغالبة من وسائل المواصلات العامة التي يتواصل بها الفقراء والمساكين وأبناء السبيل ولا يستخدمها الأغنياء تعمل بالبنزين، فمن أي باب يأتي هذا الدعم للأغنياء، هذا بالطبع لو سلمنا جدلاً بأن كل من يمتلك «سيارة» أو «موتر» يعتبر غنياً، وهناك وجوه أخرى كثيرة لا حصر لها يمكنك أن تجري فيها «جراحات» لازمة وضرورية لرتق الفتق في الميزانية. وأعلم أنك تدير شأن المال العام في دولة ما تزال مصنفة في منظومة الدول النامية حيث يتداخل السياسي مع الاقتصادي وحيث تجر عربة السياسة حصان الاقتصاد، وحيث تأثير هذا الأخير على السياسة تأثير مباشر غير ذي عوج، وهذا ما يفسر وقوف البرلمان «قِرْبة» في مواجهة نظريتك التي حاولت بها تجاوز الإشارة الحمراء. وزير العدل بصراحة يا سيادة الوزير إن قطار الوزارة ما يزال واقفاً في محطة «سوف» نرجو أن نرى هذا القطار وقد تحرك مغادراً هذه المحطة التي مكث فيها وقتاً أطول، إلى وجهته النهائية، وظللنا نسمع ومنذ تقلدكم الوزارة ضجيج طاحونتكم التي يصب فيها الكثير من «القمح» ولكن ما يخرج من طحين قليل جداً رغم أن كل الإشارات الخضراء مضاءة لكم للعبور إلى حيث «تتوهط» العدالة وتتربع في حوش السودان الكبير تذود عن المال العام والحق العام، تردع المصرِّين من المفسدين وتطهر التائبين منهم ولا تشرك بعملها شيئاً ولا تفرق بين «الشريف» و«الضعيف» بل ترى الكل «مشطاً» لا تمييز بين أسنانه. أتمنى لكم صادقاً التوفيق الذي هو من الله وحده. وزير الزراعة افتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة و«تعافى» من مراراتك مع البرلمان وأعلم أنه يمثل مرآة لك ترى فيها صفحة أعمالك وفيه توزن هذه الأعمال إن كانت خيراً أشيد بك وحفظ حقك، وإن كان غير ذلك جرى تقويمك وردك إلى الجادة وليس في ذلك منقصة، وكن «حليماً» مع كل من أطلق سهامه نحوك بسبب قضية التقاوى الشهيرة ونرجو أن تخضر أراضي السودان على يديك، فالسودان بلد زراعي من الدرجة الأولى الممتازة، وهناك الكثير من المحاصيل الزراعية التي يمكنها أن تكون مصدر دخل لا يقل عن النفط وعلى رأسها القطن الذي نرجو أن ينال منك الاهتمام بإطلاق نفرة كبرى لإنتاجه ليعود بقوة كما كان في السابق مصدراً أوحد للدخل القومي. وزير الإعلام إهتمامكم بالإعلام الخارجي في أول عهدكم بالوزارة يعتبر بشارة خير لتغيير وتحريك قادم في هذا الملف ويعكس فهماً عميقاً لعلة ظل السودان يعاني منها ومن تداعياتها، وفي مجلس الإعلام الخارجي شباب يتدفقون طاقة وحيوية وتأهيلاً وأفكاراً. فنريد أن نرى بصماتك في هذا الجانب بالذات، وحديثك عن حرية الصحافة سيجد بالتأكيد صداه الطيب لدى قبيلة الإعلاميين وبطونها وأفخاذها المختلفة، ولكن استعد لمعارك ضارية عليك أن تخوضها مع أولئك الذين يرون في حرية الصحافة مرادفاً للفوضى والبذاءة والشتم والسب والإساءة إلى الآخرين. وزير الداخلية التحديات الأمنية كبيرة جداً، وقد شهدت الشرطة في عهدكم تطوراً ملحوظاً بفضل مجهوداتكم ومجهودات طاقم الوزارة المدير ونائبه ومساعديه، ولكن لا بد من بذل جهود أكبر في ملفي المخدرات والوجود الأجنبي، هذين الملفين يحتاجان منكم إلى المزيد من الجهد لأن الواقع الآن فيما يتعلق بهما مخيف ولا يسر حتى العدو، ونأمل أن يكون ابن الشرق الأصيل وفلذة كبد كسلا بابكر دقنة إضافة حقيقية للوزارة.