الوقفة الصلبة التي وقفها نواب البرلمان نهاية الأسبوع المنصرم برفضهم القاطع خلال مداولاتهم عبر لجان مشروع الموازنة أي اتجاه لزيادة البنزين التي وردت في موازنة العام 2012 م برفع دعم الدولة عنه بصورة نهائية والبالغ «400» مليون جنيه جعلت المواطن ينتابه شعور حقيقي بأن المجلس الوطني مؤسسة حقيقية تدافع عنه وعن مصلحته. وما شهده الوضع من احتدام وشد وجذب بين وزارة المالية من جهة التي تمسكت بقرارها في ظل عدم توفر البدائل لرفع الدعم وبين نواب المجلس من جهة أخرى والذين هددوا بإسقاط الموازنة إذا أصرَّت المالية على الزيادة معللة رفضها بأن الزيادة المتوقعة للبنزين التي حددت بمبلغ (1،5) جنيهات للتر ستترتب عليها زيادات أخرى في كثير من السلع الأساسية، بالرغم من الإعلان الرسمي من الحكومة بعدم فرض أية زيادات على أسعار الجازولين، وتبريرها بأن زيادة البنزين لن تمس أصحاب الدخل المحدود الذين لا يملكون وسائل نقل خاصة مما يجعلها رؤية يصعب الإقناع بها يصعب وغير قابلة للتصديق، خاصة إذا ما تم النظر لسيارات النقل الصغيرة التي تعمل بالبنزين بجانب سيارات الأجرة، مما يعني زيادة في كثير من متطلبات المواطن اليومية والمعيشية التي ستكون لها تأثيراتها المباشرة على الحياة العامة ومهما قللت وزارة المالية من دائرة تأثير هذه الخطوة على المواطن محدود الدخل، إلا أن السائد مؤخرًا في كلمة «زيادة» تعني بالمقابل زيادة في كل شيء حتى ولو كانت في سلعة أو خدمة ليست عرضة للزيادة أو لم تتأثر بها، ولا ينبغي أصلاً أن تصاب بداء الزيادة. وبحسب ما جاء على لسان أمين الأمانة الاقتصادية بالبرلمان الزبير أحمد الحسن الذي أقرَّ بأن زيادة سعر البنزين ستكون لها آثار سياسية سالبة، باعتبارها ستقود لزيادة في الأسعار إضافة الى أن سحب الدعم من الوقود ستكون له آثار مأساوية ومضاعفات على الاقتصاد السوداني كاشفاً عن تهريب 20% من البترول السوداني لدول الجوار السؤال الذي يطرح نفسه طالما أن الحكومة «بين نارين» لماذا لا تعمل في الوقت الراهن للحد من عمليات التهريب التي تتم للوقود المدعوم إلى دول الجوار، وعلى الأقل سيكون هذا مدخلاً لمعالجات؟ ولعل ما زاد من تمسك أعضاء البرلمان بموقفهم ما أكده الزبير أن البلاد تستهلك ثلاثة ملايين طن من الجازولين وربع هذه الكمية من البنزين، لافتاً إلى أن مستهلكيه هم الآلاف من أصحاب السيارات الخاصة، وقوله «عند دعم البنزين ندعم راكب الركشة وصاحب المرسيدس ونساوي بينهما»، وفضل أن تزاد المرتبات أو المعاشات أو منحة الرئيس على رفع الدعم. الوكيل السابق بوزارة المالية د. شيخ المك يرى أن العادة جرت بأن يتم حساب الدعم على أسعار المواد البترولية المحلية على أساس فرق السعر العالمي والذي يبلغ حوالى 110 دولارات للبرميل والمحلي 49 دولارًا للبرميل وهذا الفرق يقارب نحو 60 دولارًا لكل برميل الأمر الذي يجعل وزارة المالية تسعى لإزالة التشوهات في الموازنة الناجمة عن ذلك ويدفعها الى زيادة إيرادات حقيقية ويرى أغلب النواب بالبرلمان أن المالية لديها مخاوف بحجة أن الزيادة سوف تنعكس سلبًا على معاش المواطنين والتي هي في الأصل متدنية وعليه يصفها النواب بغير المقبولة وتمثل مزيدًا من التدهور لحياة المواطنين، ودعا وزارة المالية الى إيجاد بدائل أخرى واعتبر المك أن فرض ضريبة على مبيعات الذهب والتي يقدر العائد منها سنوياً ب 300 مليون دولار بجانب رفع الضريبة على القيمة المضافة من 15% الى 20% لا يؤثر على حياة المواطنين؛ لأن غالبية السلع والخدمات الرئيسة للمواطن مدفوعة من هذه الضريبة إضافة الى فرض ضرائب إضافية على المشروبات الغازية ومياه الصحة والسجائر باعتبارها «سلعًا كمالية» يتحملها المواطن مطالبًا بمزيد من التخفيض على الصرف الدستوري باعتبارها بدائل وذات فاعلية أكثر من رفع الدعم عن الوقود. تخوُّف نواب المؤتمر الوطني بالبرلمان من رفع الدعم ربما نابع من تخوفهم من أن تقود لتصاعد الأسعار وتمهد لموجة (الربيع العربي) في البلاد الأمر الذي تراه وزارة المالية لا يمت بصلة في أي تأثيرات خطيرة قد تقود إلى ذلك تظل قضية رفع الدعم عن الوقود لا سيما البنزين نقطة خلاف لا يلتقي عندها الطرفان تقود إلى المزيد من النبرات القاسية في سبيل تمسك كل من الطرفين بوجهة نظره.