ملتقى قضايا الإعلام الذي جرت فعالياته بالفاشر يومي الحادي عشر والثاني عشر من الشهرالجاري كان مؤشرًا ايجابيًا للتعافي على كثير من الأصعدة.. فالأوراق القيمة التي استطاع الملتقي استقطاب مقدميها للمشاركة بها في هذا الحدث الكبير، كان شيئًا يحسب لصالح العملية الاعلامية خاصة وأن الكثيرين منهم هم من الأكاديميين ذوي الاختصاص وغالبيتهم قد مارس العمل الاعلامي في فترة ما وتنقل بين وسائطه المختلفة. هذا بالاضافة الى ما استطاع الملتقى ترسيخه من امكانية احداث نهضة حقيقية في المجال الاعلامي داخليًا وخارجيًا خاصة وأن الاعلام قد أضحى ومنذ أواخر الألفية الماضية هو عصب الحس الذي يدير جسد الدول بغير استثناء. كما أن الملتقى قد استطاع أن يكسر حاجز المركزية الذي ظل يحكم عقلية المؤتمرات والفعاليات وقد حازت ولاية شمال دارفور قصب السبق بتبنيها لقيام وادارة هذا المؤتمر الهام. لقد نجح المؤتمر وهو يخرج بتوصيات غاية في الأهمية ولعل من أكثر التوصيات التي وقفت عندها طويلاً هي تلك المتعلقة بإعلام الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية. فهذا النوع من الخطاب الإعلامي هو شبه غائب ان لم يكن غائبًا بالفعل على مستوى الكثير من هذه الأجهزة برغم أهميته لجميع أطراف العملية الاعلامية، وأصبحت الادارات الاعلامية لكثير من هذه الاجهزة هي ادارات للعلاقات العامة برغم البون الشاسع ما بين الاختصاصين. ويدخل في هذا الاطار كذلك التوصية المتعلقة بضرورة التنسيق بين الاجهزة الاعلامية ومصادر المعلومات، ذلك أن عدم تلقي المعلومة من مصادرها دائمًا ما يؤدي الى خلط يتسبب في الكثير من الاشكالات. وعلى الرغم من نجاح المؤتمر في عرض ومن ثم تلمس المعالجات للكثير من الإشكالات التي تواجه الاعلام والاعلاميين، الا أن بعض القضايا لم تعط حقها الكامل من الاهتمام على أهميتها. على سبيل المثال لا الحصر قضية الاعلام الخارجي، فهذه المسألة تمثل اشكالية كبرى في ظل تهافت عالمي على الخبر صادقا كان أومشكوكًا فيه ولهذا فإن من أوجب واجبات المرحلة هو الاهتمام بهذه القضية ومن ثم تطوير وتفعيل مكتب الاعلام الخارجي ليصبح خط الدفاع الأول عن الوطن عن جدارة فغياب صوت السودان عن الرأي العام العالمي هو سبب الكثير من التداعيات التي أضرت بالبلاد أيما ضرر. ويقودنا الحديث في هذا الأمر الى منحى آخر ظللنا نتطرق اليه كثيرًا الا وهو ضرورة انشاء مؤسسة اعلامية وطنية، مهنية واحترافية تكون أولى مهامها اطلاق قناة فضائية إخبارية تخدم المتلقي داخليًا بمختلف البرامج التي تغذي نهم المعرفة على كل المستويات وفي كل أوجه الحياة. وكذلك تبرز وجه السودان للعالم بكل التفاصيل التي تخدم قضايانا الوطنية وتدعم امكانية قيام السودان بدور اقليمي وعالمي بما يملكه من امكانيات وكفاءات. فالآن العالم لا يعرف عن السودان سوى أنه صاحب أطول حرب أهلية في القارة الإفريقية، وأنه الدولة التي ما زالت تمارس الرق وهذا عُرض في أحدث مهرجان للأفلام في العالم لهذا العام وغيره الكثير والكثير مما يتنافى والحقائق الموضوعية القائمة على أرض الواقع. العالم لا يعرف عن السودان امكانياته الاقتصادية وثرواته الحقيقية، لا يعرف عاداته وموروثاته ،لا يعرف تاريخه لا القديم ولا الحديث، لا يعرف الكثير. بل والمثير في الأمر ودعك من العالم الخارجي أن الجيل الحالي من أبناء السودان والأجيال اللاحقة التي تتشكل الآن لا تدري هي الأخرى شيئًا عن بلادها الا بالقدر الذي تحتاج إليه لإدارة حياتها.. ان الخروج من عنق هذه الزجاجة لا يتم الا بجهد خالص لخلق واقع مغاير والإعلام أصبح هو الوسيلة الوحيدة لذلك. توصية أخرى مهمة برأيي أُدرجت ضمن توصيات الملتقى وهي عن قيام مجلس للتدريب الاعلامي، وهي بلا شك نقطة جيدة ، وتسمح بتأهيل الكادر الإعلامي الذي من المفترض أن يقود العملية الإعلامية برصيد وافر من التجربة العملية. إلا أنه ومن الضرورة بمكان الاهتمام بهذا الكادر منذ مراحله الأكاديمية الأولى، وأعني بها الدراسة الجامعية وهو ما لم يتطرق اليه الملتقى لا من بعيد ولا من قريب .وهو الشيء الذي حملني على أن أكتب في هذا الموضوع بعد أيام عددًا من انتهاء المؤتمر. ذلك أنني قد قمت بدراسة صغيرة حول النتائج الأكاديمية لطلاب بعض كليات الإعلام بالجامعات. ولقد هالني ما توصلت اليه.. ففي كلية واحدة مثلاً كانت نتيجة جميع طلاب المستوى الأول والثاني والثالث لا ترقى الى شخص يفترض به قيادة المجتمع كما هو حال الإعلامي حيث كانت أعداد الراسبين في كثير من المواد الدراسية تعادل أكثر من ثلاثة أرباع الجالسين وفي مواد هي من الأهمية بمكان لكل دارس للإعلام.. مما دفعني للتساؤل: أين الخلل؟ هل هو في المنهج الدراسي وطريقة تدريسه؟ هل هو في الكادر التعليمي؟ أم هو في طالب الكلية نفسه والذي ربما لم تكن له رغبة أساسًا في هذه الدراسة؟ وعلى نفس هذا النسق راجعت بعض دورات امتحانات القيد الصحفي الأخيرة والتي هي بدورها أثبتت أن هناك خللاً ما في مخرجات كليات الإعلام. والذي نطمع فيه الآن أن تعكف اللجنة التي قامت بإعداد تكليفات أوراق المؤتمر على إدراج هذة القضية كقضية ملحة للدراسة حتى بعد أن انتهى الملتقى، والذي نتمنى أن ترى توصياته النور..