الوضع الحالي: نستهلك أكثر مما ننتج نقطع أكثر مما نزرع نلوث أكثر مما ننظف الوضع الأمثل: ننتج أكثر مما نستهلك نزرع أكثر مما نقطع ننظف أكثر مما نلوث تلك هي مشكلات البيئة الثلاث وتلك إذاً علاجاتها. ولكن من يقوم باستنباط وتفعيل «كلمة سياسية» تلك العلاجات. إنها الجامعات ومراكز البحوث التي يتوجب عليها أن تقود المبادرات وتُجري الأبحاث وتقدم الحلول العملية التي يمكن تطبيقها. لقد شبعنا من الإسهال الكلامي Logorrhea والتشخيص المتكرر للمشكلات البيئية وعلينا الآن أن ننطلق للعمل. إن الجامعات بكوادرها المدربة ومراكز أبحاثها يقع عليها العبء الأكبر لإصحاح وإصلاح البيئة. الإصحاح أن نختبر برامجنا الحالية ونكمل النقص والخروقات الموجودة فيها، والإصلاح أن نقوم بعمل جاد يُصلح ما قد أفسدته الظروف الطبيعية وما أفسدناه نحن هذا إذا علمت أن مرحلة التنقيب عن البترول التي اقتضت استخدام المسح الزلزالي Seismic Exploration قد أدت إلى إبادة 580 مليون شجرة «راجع تقرير الهيئة القومية للغابات» فلو خططنا لنزرع مليون شجرة كل عام لأرجعنا الغطاء الغابي في مدى 580 سنة. «ويا عالم، منو الحيكون موجود فينا؟» وأغلب الظن أننا «ذات نفسنا» سنكون قد تحولنا إلى براميل بترول وكل نفس بما ماتت عليه من شحم ولحم رهينة. وجامعة المغتربين ستتقدم الأسبوع القادم، بإذن الله، بعدد من المبادرات والمشروعات التي من شأنها أن تؤدي إلى الإصحاح والإصلاح البيئي المنشودَين. وكمثال هناك مشروع المسالخ. إن منظر الخراف ورعاتها في شوارع وأزقة ولاية الخرطوم ، يشوه الوجه الحضاري للولاية وهي تسعى جاهدة لتحقيقه في خطتها الإستراتيجية التي تنادي «نحو عاصمة وطنية متحضرة آمنة...». فهؤلاء الرعاة يبقون طيلة أيامهم ولياليهم بجانب خرافهم صيفاً وخريفاً وشتاء، يقضون حاجاتهم على الطرق والأزقة، متخلين عما يحفظ لهم إنسانيتهم وآدميتهم التي فضلهم بها الله على كثير من خلقه. كما إن الخراف تبقى طيلة العام وأشهر الصيف خاصة في الشمس وهي تلهث من ارتفاع درجة الحرارة فتفقد بذلك كثيراً من طاقتها وجودة لحومها. ومن ناحية أخرى: فإذا كان في ولاية الخرطوم ما يزيد على الخمسة ملايين نسمة فإننا نفترض أن الذين يذبحون أضاحيهم أمام منازلهم يساوي على أقل تقدير مليون شخص ويستمر الذبح أمام المنازل طيلة شهر ذي الحجة وحتى عودة الحجيج من الأراضي المقدسة. إن الذبح أمام المنازل يفترض أن هناك مليون فرث تُطرح أمام المنازل أو في مجاري تصريف مياه الأمطار بجانبها. ولو كان على كل فرث عشر ذبابات فقط، فإن الذبابة الواحدة تضع 150 بيضة في المرة الواحدة ويكتمل نمو البيض ويخرج منه الذباب في مدى أسبوع ويتكاثر الذباب الجديد ويضع بيضه بعد أربعة أيام. فكم يكون عدد الذباب الذي سيغطي العاصمة في هذه الفترة؟ فإذا افترضنا أن خمسين بالمائة فقط هي التي ستنجح بالبقاء وفقاً لقانون العوامل المحددة Limiting Factors فإننا نتوقع انتشار ما يزيد على الخمسة والثمانين مليون ذبابة في الدورة الحياتية الواحدة وكل ذبابة قادرة على حمل مليون إلى مليون ونصف من البكتيريا الضارة. ولكي نكافح هذا الذباب نضطر إلى استخدام مواد كيميائية أشد خطورة من الذباب وتستهلك مبالغ لا يستهان بها من دخلنا القومي. لقد ظللنا طيلة هذا الزمن ونحن مدركون لتلك الحقائق ولكننا لم نفعل شيئاً. وآن الأوان لكي نصحِّح ما أغفلناه ونعطي العاصمة الوجه الحضاري الذي تستحقه. ولعلكم لاحظتم انتشار الذباب بصورة ملحوظة بعد عيد الأضحى المبارك وهذه الأيام. إن الحل والوضع الطبيعي أن تنشئ الولاية ممثلة في معتمدياتها ومحلياتها مسالخ في الأحياء. ويمكن تخصيص مساحة 800 متر لإنشاء مسلخ يحتوي على حجرة للسلخ وحمامات ومظلة للخراف ورعاتها ومدخل للمواطنين يسددون فيه رسوم الذبح والسلخ وتجهيز اللحم وتوابعه. المسلخ يمكن إقامته بتحويل حاوية «كونتينر» 40 قدماً و20 قدماً للحمامات وتزويدها بالماء والكهرباء. كما يتطلب ذلك تعيين طبيب بيطري ومساعد له. ويمكن تعيين جزارين مقتدرين من الذين نجدهم دائماً يلازمون الرعاة. أما الذين يتجولون في الأحياء فمعظمهم ليست لديهم الخبرة في الذبح الصحيح والسلخ. كما أن هذا الإجراء يضمن للهيئات الخيرية الحصول على الجلود من أماكن الذبح المعتمدة. وفي المستقبل يمكن أن تتطور هذه المسالخ إلى نقاط توزيع لتجار التجزئة.. والفرث الذي يساوى 4 ملايين كيلوجرام يتحول ببساطة إلى سماد عضوي «يأكل الزرع صوابعه وراءه». بعد أن تهيئ الولاية هذه المسالخ يمنع منعاً باتاً الذبح خارجها أمام المنازل وتوضع عقوبات رادعة للمخالفين بعد حملة توعية وترويج واسعة لتلك المسالخ. هذا أحد المشروعات العملية التي يمكن البدء فيها فوراً بقرار من السيد الوالي يلزم المعتمدين بتنفيذه. والجامعة إذ تتقدم بتلك المشروعات العملية فإنها تستشعر دورها الوطني في إحداث التغيير المطلوب وتسخير أبحاثها العلمية لخدمة البلاد والعباد وهي تخطط لإنشاء وحدة إستراتيجية لأبحاث البيئة. والله من وراء القصد. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع.