إن منظر الخراف ورعاتها في شوارع وأزقة ولاية الخرطوم، يشوه الوجه الحضاري للولاية وهي تسعى جاهدة لتحقيقه في خطتها الإستراتيجية التي تنادي «نحو عاصمة وطنية متحضرة آمنة...». فهؤلاء الرعاة يبقون طيلة أيامهم ولياليهم بجانب خرافهم صيفاً وخريفاً وشتاء، يقضون حاجاتهم على الطرق والأزقة، تختلط رائحة عرقهم برائحة بول خرافهم متخلين عما يحفظ لهم إنسانيتهم وآدميتهم التي فضلهم بها الله على كثير من خلقه. كما أن الخراف تبقى طيلة العام وأشهر الصيف خاصة في الشمس وهي تلهث من ارتفاع درجة الحرارة فتفقد بذلك كثيراً من طاقتها وجودة لحومها. ومن ناحية أخرى: فإذا كان في ولاية الخرطوم ما يزيد على الخمسة ملايين نسمة فإننا نفترض أن الذين يذبحون أضاحيهم أمام منازلهم يساوي على أقل تقدير مليون شخص ويستمر الذبح أمام المنازل طيلة شهر ذي الحجة وبعد عودة الحجيج من الأراضي المقدسة. إن الذبح أمام المنازل يفترض أن هناك مليون فرث تطرح أمام المنازل أو في مجاري تصريف مياه الأمطار بجانبها. ولو كان على كل فرث عشر ذبابات فقط، فإن الذبابة الواحدة تضع 150 بيضة في المرة الواحدة ويكتمل نمو البيض ويخرج منه الذباب في مدى أسبوع ويتكاثر الذباب الجديد ويضع بيضه بعد أربعة أيام. فكم يكون عدد الذباب الذي سيغطي العاصمة في هذه الفترة؟ فإذا افترضنا أن خمسين بالمائة فقط هي التي ستنجح بالبقاء وفقاً لقانون العوامل المحددة Limiting Factors فإننا نتوقع انتشار ما يزيد على الخمسة والثمانين مليون ذبابة في الدورة الحياتية الواحدة وكل ذبابة قادرة على حمل مليون إلى مليون ونصف من البكتيريا الضارة. و لكي نكافح هذا الذباب نضطر إلى استخدام مواد كيميائية أشد خطورة من الذباب وتستهلك مبالغ لا يستهان بها من دخلنا القومي. لقد ظللنا طيلة هذا الزمن ونحن مدركون لتلك الحقائق ولكننا لم نفعل شيئاً. وآن الأوان لكي نصحح ما أغفلناه ونعطي العاصمة الوجه الحضاري الذي تستحقه. إن الحل والوضع الطبيعي أن تنشئ الولاية ممثلة في معتمدياتها ومحلياتها مسالخ في الأحياء. ويمكن تخصيص مساحة 800 متر لإنشاء مسلخ يحتوي على حجرة للسلخ وحمامات ومظلة للخراف ورعاتها ومدخل للمواطنين يسددون فيه رسوم الذبح والسلخ وتجهيز اللحم وتوابعه. المسلخ يمكن إقامته بتحويل حاوية «كونتينر» 40 قدماً و20 قدماً للحمامات وتزويدها بالماء والكهرباء. كما يتطلب ذلك تعيين طبيب بيطري ومساعد له. ويمكن تعيين جزارين مقتدرين من الذين نجدهم دائماً يلازمون الرعاة. أما الذين يتجولون في الأحياء معظمهم ليست لديهم الخبرة في الذبح الصحيح والسلخ. فأنت تسلمه خروفاً معافى مائة بالمائة ويقوم هو بعد ذبحه «ذبحاً مبرحاً» لأنه لا يحسن الذبح لعدم خبرته بسلخه سلخاً «تشويهياً». ثم بجمركة رجل أمامية أو خلفية بعد أن «يدغمسها» وسط جرابه. وفي النهاية يسلمك خروف ركشة أو معاق على أحسن الفروض. إن إقامة مسالخ في الأحياء يضمن للهيئات الخيرية الحصول على الجلود من أماكن الذبح المعتمدة. وفي المستقبل يمكن أن تتطور هذه المسالخ إلى نقاط توزيع لتجار التجزئة . بعد أن تهيئ الولاية هذه المسالخ يمنع منعاً باتاً الذبح خارجها أمام المنازل وتوضع عقوبات رادعة للمخالفين بعد حملة توعية وترويج واسعة لتلك المسالخ. اقتراح بسيط وعملي ويمكن تنفيذه إلا أن له مردوداً بيئياً عظيماً. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تُهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سنّ الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.