لن تستقر ولاية الجزيرة ولن تهدأ على حال إلا وتدخل فصلاً جديدًا من الخلافات والتنازع والتصفيات السياسية مسببة المزيد من الحرائق والتراجعات في البنية السياسية والخدمية والتنموية.. حقائق شاخصة بكل عذاباتها وتناقضاتها وثّقتها تجربة البروف الزبير بشير طه الوالي القادم إلى عرش الولاية بالجزيرة منذ حوالى ثلاث سنوات «مفوضًا» من المركز لقيادة عرش الولاية عبر بنامج سياسي «محوري» اعتبره أهل الجزيرة وقتها المنقذ والمصلح لواقع خرب لولاية ينظر إليها خبراء الاقتصاد بأنها أمل السودان وركازته فراهن المصلحون على مشروعهم غير أن الاعتقاد السائد لدى البعض أن ربما لم تفلح هذه السياسات في اقتلاع جذور الأزمة بالولاية أو معالجة احتقانات الحزب ولا البؤر الملتهبة ولم يتحقق كذلك الانسجام بين المؤتمر الوطني والمنظومة الحزبية والسياسية الأخرى والمناوئين للحزب. ولكل هذا لم ينصلح الحال وفق ما كانت تطمح وترغب في تحقيقه مجموعة الإصلاح التي كانت تستهدف في المقام الأول قيادات المناقل فكانوا أول الضحايا وهذه الحقيقة أقر بها عدد من قيادات الصف الأول بالوطني في الجزيرة وطالبت الصحيفة بعدم ذكر اسمها كما أن جماعة المناقل لديها اعتقاد راسخ بأنها ما زالت في مرمى نيران قصر الرئاسة بمدني غير أن هذه السياسة وبمعطيات الراهن وما جرى من تعديلات طفيفة في الطاقم الحاكم بالولاية خلال اليومين الماضيين ربما يعني أن الحكومة «القديمة المتجددة» استكملت وقودها ونضب معينها ولم تجد ما تأكله فبدأت تأكل في بنيها وعرابيها فذهب الرجل الثاني في الطاقم الحكومي المستشار برئاسة الولاية «الفكي» عبد الله محمد علي وآخرون.. الرجل الذي كانت بين يديه كل مفاتيح اللعبة السياسية بالولاية على مستوى الحزب والجهاز التنفيذي ويدير شؤون الولاية عبر سلطات كاملة بلا سقوف. وكان أحمد المصباح الذي كان أحد أفراد المجموعة الإصلاحية بخلفيته الأمنية معتمدًا للمناقل ثم وزيرًا للتخطيط العمراني لكنه أيضًا غادر الولاية وبشكل درامي كما غادر من قبله وزير الزراعة السابق أزهري خلف الله حينها كان الآخرون ينظرون إلى الجزيرة بأنها محكومة ببركة الفكي عبد الله محمد علي وسيف «المجاهد الزبير بشير» والحق يقال إن عبد الله محمد علي حاول تجميع الجزر المشتتة داخل كيان الوطني واستمالة أو بالأحرى إعادة الغاضبين إلى حضن الحزب ولكن يبدو أن المسافات ما زالت متباعدة والثقة مفقودة بين مجموعة المحافظين وحكومة الإصلاحيين إذا جازت التسمية ففشلت المساعي وعادت القضية إلى مربعها الأول وماعاد المؤتمر الوطني بالجزيرة الوعاء المقنع لمنسوبيه في البقاء داخل كياناته وأجهزته عندما اهتزت الشورى وغابت الشفافية وتصاعدت الخلافات وتخطت حواجز النقد الذاتي المشروع إلى الفضاء الإعلامي المفتوح وهي ذات الحقيقة التي أفادنا بها القيادي بالوطني عبد المنعم الدمياطي.. والآن تتحدث التقارير الواردة من بعض المحليات وتحديدًا من منطقة البطاحين بمحلية المناقل عن انسلاخات وخروج جماعي من المؤتمر الوطني بلغ حجمها اكثر من 350 عضوًا وفي المقابل تتحدث تقارير الوطني عن مجموعات كبيرة انضمت للوطني. والواقع أن جماعة الرصيف يعتقدون أن ولاية الجزيرة مهددة بمزيد من التراجعات في كافة الأصعدة ولكن بإبعاد مجموعة عبد الله من القصر ومن منصبه في الحزب ستفتح أبواب من التكهنات والأسئلة الحائرة ويتكشف كل ما هو مسكوت عنه وسيكون هناك غاضبون ومتطوعون بتقديم خدمات نبش «البلاوى» وتحريك الملفات السوداء خاصة تلك التي كانت قد تحدثت عن فساد وضياع حقوق المواطن وممارسات الضغط والاحتواء والولاية. وبقراءة فاحصة في طبيعة المشهد العام بالولاية فإن المتابعين لما جرى ويجري الآن يدركون تمامًا أن الحكومة التي حاول الزبير بناء ركائزها ومعالجة أعطابها لا يبدو أنها قائمة على رؤية سياسية مستوعبة لطبيعة الجزيرة أو مكوناتها السياسية والاجتماعية ولكنها قائمة على فقه القربة والولاء والمصلحة، هذا ما يقوله خصوم الزبير ويقولون عن حكومته أيضًا إنها زاهدة ومقلة في التعاطي الموجب مع معاش المواطنين وضروريات حياتهم الأمر الذي أغرى مجموعات سياسية وشبابية للتحرك بشكل مكثف الأيام الماضية وهي مجموعة سمت نفسها «بخلاص الجزيرة».. فكم من المشروعات الكبيرة قد أُجهضت ودونكم طريق «المناقل القرشي» الطريق الذي أصابته النظرة الدونية لحكومتي المركز والولاية على حد سواء رغم أن هذا الطريق وبحسب التسريبات الرسمية يعتبر ضمن نطاق الإشراف المباشر للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه لأهميته وجدواه الاقتصادية والتنموية ليس على مستوى الجزيرة فحسب وإنما على المستوى القومي بحكم أنه يربط مناطق الإنتاج بالأسواق المحلية والخارجية، ولا ندري ماذا كتب مندوب «طه» في تقريره حينما زار المناقل للوقوف على الطريق، لكن السفينة سارت غير آبهة بالآخرين وغير مكترسة بمخاطر السكة ولا بكآبة المنظر، فالمناقل الآن أهلكتها البلهارسيا واستوطنت في البطون حينما فقدوا الرعاية وعز عليهم العلاج إلا أن المحلية «ونوابها» في نوم العافية والولاية منشغلة بخصوماتها السياسية أما مشروع الجزيرة فقد أخذ حقه كاملاً غير منقوص في تشريد وإفقار الأسر وديوان الزكاة وحده هو الذي يعطي المعلومات والأرقام الحقيقية بعملائه الجدد والقدامى من الأسر «المفقرة» ويبدو ان كل محلية من المحليات السبع يسكنها «جن كلكي» جاءت به عبقرية المؤتمر الوطني الذي يتسيد الساحة السياسية بالولاية بلا منازع في تكريس أدب سياسي جديد من الخلافات القائمة على أساس السلطة والنفوذ ويبدو أن كل غاضب أو مُقال من منصبه في عقله الباطن مشروع مذكرة أو فكرة احتجاج ضد حلفائه السابقين.