يقول كل الخبراء في مجال الاقتصاد إن تنفيذ وتطبيق موازنة العام 2012م سيكون أمراً شاقاً وصعباً جداً وستجد وزارة المالية الكثير من المعوقات والمحبطات والضرورات التي تبيح محظورها وتقف حجر عثرة أمام البرامج والسياسات والطموحات الكبيرة التي علقت على هذه الموازنة وعلى البرنامج الثلاثي لإصلاح حال الاقتصاد الوطني.. مع كل ذلك أحسنت وزارة المالية بإعلانها أمس الضوابط المشددة والسياسات المحكمة لخفض الإنفاق الحكومي، والتحكم في إنفاذ الموازنة، وهي إجراءات ضرورية ومهمة للغاية ولا بد من الصرامة في تطبيقها وعدم التنازل عنها أو حدوث أي استثناءات بشأنها إذا كانت متعلقة بالهدف الذي صدرت من أجله. وأصدر وزير المالية أمس في اجتماعه مع مديري الإدارات بوزارته عدداً من القرارات وأمضى سياسات من شأنها التحكُّم في الإنفاق الحكومي وخفضه في إطار تقليل الصرف العام وضبط الموازنة لهذا العام، ومن بين الإجراءات والسياسات التي أعلنها وزير المالية، خفض الإنفاق الجاري في بند التسيير والبنود الممركزة ووضع ضوابط سفر الوزراء والمشاركات الخارجية وقصرها على المهم والضروري ذي الجدوى الاقتصادية والسياسية البائنة ، بجانب ضبط المأموريات الداخلية وخفض الإنفاق عليها من نثريات وغيرها، وشملت الضوابط المشددة ترشيد الإنفاق على المستشاريات والملحقيات الخارجية بتقليلها ودمجها في السفارات القائمة. ولم تغفل الضوابط التي لابدّ من إعادة النظر فيها، الإنفاق على الوزارات التي تم دمجها وأهمية تحديد التسيير والبنود الممركزة المطلوب سدادها لكل شهر خلال العام للوحدات الحكومية كافة مع الالتزام بتشديد منع أية إيجارات جديدة للوزارات خلال العام. وكشف الوزير علي محمود عن الجهود المبذولة لسداد الديون الخارجية بما يسهم في تحرير البلاد من القيود المفروضة عليها جرّاء هذه الديون. مثل هذه الإجراءات والسياسات إذا تم تطبيقها فوراً وجعلها واقعاً، ستقلل من الإنفاق الحكومي في ما لا طائل تحته وتفتح الباب لإنفاذ الموازنة إذا كانت سياسة الدولة المعلنة هي التقشف ومحاصرة تبديد المال العام، حتى تخرج البلاد بنهاية العام المالي الحالي، إلى برّ الأمان كما جاء في البرنامج الثلاثي الذي تبنته الدولة. ولذلك فإنه من الضروري جداً النظر في سفر الوفود الخارجية التي تذهب بالعشرات أحياناً للخارج في مشاركات لا جدوى منها خاصة أن بعض الوزارات تسافر منها وفود للخارج تمثل مديري مكاتب وسكرتارية وموظفين غير مخوّل لهم السفر ولا علاقة لهم بطبيعة المشاركة الخارجية، وتوجد مشاركات لمؤتمرات ومناسبات ليس لنا فيها شروى نقير، تشارك فيها زرافات من الوفود الرسمية وغير الرسمية، تصرف تذاكر سفر على خطوط الطيران العالمية ونثريات بعشرات الألوف من الدولارات واليورو، وتعود هذه الوفود بحصاد صفري لا تستفيد منه البلاد ولا العباد... فإذا توقف سفر هذه الوفود التي تمتص ما في الخزانة العامة وترهق كاهل الموازنة العامة، ويُوقف الصرف أو يُقلل على السفريات الداخلية غير ذات النفع، وتم ضبط بند التسيير والبنود الممركزة، فإن العافية ستدبُّ لا محالة في أوصال الأداء المالي والتنفيذي وتعود ثقة المواطن في حكومته ويشعر الجميع أن هناك جدية في الإصلاح الاقتصادي وحرص كامل على ترتيب أولويات الصرف العام وموجهاته. وفي ذات السياق أعلن وزيرا الدولة بوزارة المالية عن إجراءات تتعلق بإدارة السيولة وضبط الإنفاق التنموي والإنفاق بالنقد الأجنبي ومراجعة الضمانات وكل التزامات الوزارة القائمة وحصر الضمانات المطلوب سدادها خلال هذا العام، وأهمية إحكام التنسيق بين الإدارات داخل الوزارة والوحدات التابعة لها، وتحدثت وزارة المالية عن قرارات جريئة وشجاعة وشيكة ستطال بعض الهيئات العامة والشركات الحكومية. مثل هذه الخطوة تجد التشجيع والتأييد ونرجو أن لا تواجه الحكومة نفسها وتنهض جهات مستفيدة ولا يعجبها أي اتجاه للإصلاح لإجهاض هذه السياسات والإجراءات... فالمعوقون كثر مثل زبد البحر ..!!