مر عام وانقضى على ذهاب الجنوبيين إلى صناديق الاستفتاء بكامل قواهم العقلية لينفصلوا عن الشمال.. وفك ارتباط القط والفأر والزيت والنار.. بعد أن جمع بينهم المستعمر البغيض لحاجة في نفسه في معادلة دموية.. كانت ضربًا من ضروب «ميتافيزيقيا» الوهم التي نسجنا حولها شعارات سخيفة وجوفاء «منقو قل لا عاش من يفصلنا» مع اعتقادي أن «الميم» في منقو أصلها «باء» فحورها صاحبها بفنتازية الأنفاس «ميم»، ثم سرحنا طويلا مع «السودان أرض المليون ميل» ورددنا بوقاحة أسوأ مبتدأ وخبر في جملة هي «الجنوب الحبيب» وقد أثخنت جسد السودان الجراحات بسبب هذه الشعارات الكاذبة التى أغنتنا جوعًا، وأشبعتنا أشلاء لأكثر من خمسين عامًا، شربت فيها الأرض الدماء الطاهرة الزكية.. هي دماء شبابنا وشيوخنا الذين نحسبهم شهداء عند المولى عز وجل.. أيها الناس ..إن يوم التاسع من يناير هو «يوم الخلاص الوطني» وحق لمنبر السلام العادل ولكل شعب الشمال أن يحتفل وأن يقيم المهرجانات والكرنفالات تليها صلاة الشكر لله عز وجل، وأن يوزع الحلوى في الجامعات والمؤسسات الحكومية منها والخاصة، وفي الأسواق والطرقات، حق لهذا الشعب الطيب المعطاء أن يبتهج بعد أن جنت عليه كل الحكومات السابقة انطلاقًا من الديمقراطية الأولى.. ثم الثانية والثالثة.. مرورًا - بينهما - من حكومات العسكر، وانتهاء بنيفاشا المشئومة التي لولا لطف الله عز وجل ورحمته، لكنا الآن نتجرع صديدها.. بعد أن انحشر زقوهما في حلوقنا.. ذهب «منقوا» إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم غير مأسوف عليه، وعاش من فصلنا عزيزًا أبيًا مدى الدهر، عيش الملوك، وانتهى الجنوب هذا «البعشوم» الكبير - بخزعبلاته - إلى مزبلة التاريخ، وماتت نيفاشا و«شبعت موت» ولا عزاء للأفاكين وشذاذ الآفاق الذين لا يزالون ينتحبون و يبكون على الجنوب بالدمع السخين.. يا أهل بلادي الشمال.. آن لنا أن نعيش في وطن «حدادي مدادي» لا ينازعنا فيه العلمانيون والملحدون والكذابون والمتخرصون، فقد آن الأوان لوضع دستور إسلامي واضح لا لبس فيه ولا جدال، بعد أن انتهينا من الدستور المدغمس، وآن لشريعة الله أن ترفرف خفاقة عالية في سماء هذه البلاد وأن تكون منهجًا وحياة، وآن للعدل والقسطاس المستقيم أن يكون ديدنًا لحكامنا وقادتنا وولاة أمورنا، وآن للإسلام أن ينتشر كالنسيم، بقيمه السمحة في كل أجزاء هذا الوطن، وبهذا فقط ينطلق إنساننا السوداني نحو مصاف الدول الأولى. لقد ولى العام 2011 وهو يشهد الربيع الإسلامي العربي.. وأعداء السودان تساقطوا كوريقات الخريف واحداً تلو الآخر فمبارك الآن أمام القضاء المصري خلف القضبان، والقذافي وخليل إبراهيم أمام الله تحت القبر.. وهاهو عقار والحلو وعرمان يهيمون على أوجههم كالبهائم الشريدة لا قبلة لهم وهل كان لهم يوم من الأيام قبلة سوى هذا الجبل- ذهب جنوب السودان إلى غير رجعة يتشظى ويتلظى في الفساد والنهب والفقر والمجاعة والحروب الداخلية التي نجزم تمامًا ونعتقد أنها لن تُبقي ولن تذر حتى تقضي على الأخضر واليابس.. على الحكومة الآن وعلى رأسها المؤتمر الوطني أن يتقوا الله فينا حق تقاته، وأن يعلموا تمامًا أن الله عز وجل قد أزاح عنهم وعنا مؤامرات المتآمرين وكيد الكائدين.. وأكرمهم وأكرمنا بهذا الربيع، لذلك عليهم أن يثبتوا لنا أنهم أهل للثقة وألّا يحولوا هذا الربيع علينا صيفًا، كما فعلوا سالفًا عندما مرغوا أنوفنا في وحل الذل والمهانة عقب توقيعهم على نيفاشا .. عليهم ألّا يهنوا ولا يحزنوا وأن يتيقنوا أنها لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم وأن «الأيام دول» فليستبقوها بتطبيق شريعة الله كاملة غير منقوصة.. عليهم أن يفتحوا أبواب الحريات، على مصراعيها وفقًا للقوانين التي اتفق عليها الجميع، وأن يعمقوا من روح التواصل وحسن الجوار مع دول الحدود، وأن يضعوا سياسات رشيدة في كل المجالات لتكون بوصلة ترشدهم الطريق لرفع اقتصاد البلاد وإدارة عجلتها التنموية، إضافة إلى الحد من البطالة المنتشرة بين الشباب، وتوفير فرص العمل، وفتح باب الاستثمار الجاد، وتقديم التسهيلات برفع البيروقراطية من مكاتبنا الحكومية ، وإعادة النظر في السياسات التعليمية، والاهتمام بالحقل الصحي وتوسيع مظلته التأمينية، وعدم فرض الجبايات الارتجالية والرسوم المرهقة،. وان تخفف الحمولة من ظهر المواطن السوداني.. فأيم الله لقد صبر محمد أحمد صبرًا كثيرًا. على الشعب السوداني أن لا ييأس من رحمة الله وأن يعلم أنه على نياتكم ترزقون، مع أن نياتنا لم تكن يوما تطمح لحكومة كهذه ، لا يعرف مساعدها شمال كردفان من جنوبها ولا يعلم أبيض النيل من أزرقه، وعزاؤنا الوحيد أن فيها مخضرمين ربما رحمونا يوما .. فمن لا يرحم لا يرحم .. يا أيها الناس.. إن التاسع من يناير هو » يوم الخلاص الوطني« .. يوم أن ودعنا الدماء والدموع .. وكل عام وأنتم بخير ..