عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اندلاع السلام (نيفاشا) ..الحلقة (11)
نشر في الانتباهة يوم 05 - 01 - 2012

كان الدكتور كول دي دينق، واحدًا من أفضل قنوات اتصالنا خلال مجمل عملية السلام، وهو صديق قديم لدكتور جون قرنق والممثل الفعلي للحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في المملكة المتحدة، وناشط مهم يعمل من وراء الكواليس، ينحدر الرجلان من منطقة شمال بور ولكنهما التقيا لأول مرة عندما كانا يدرسان سوياً بمدرسة رمبيك الثانوية
أوائل الستينيات وكول متقدم على قرنق بفصلين دراسيين، وتم طردهما عقب الإضراب الذي انتظم مدارس الجنوب في أكتوبر 1962م. لكنهما بقيا على تواصل طيلة هذه السنوات، وبعد عودتهما من الدراسة بالخارج تزوج دكتور جون ريبيكا قريبة الدكتور كول وأصبحا صديقين حميمين. وكطبيب عاش في القاهرة يتمتع كول بصلات مع شخصيات عالية المستوى في مصر وفي دوائر الحكومة السودانية بما فيها القوات المسلحة، واستفادت الحركة من هذه الصلات لحدٍ كبير، وعندما زار كول دكتور جون في قامبيلا بإثيوبيا عام 1984م اتفقوا أن يلعب كول دور المنسق غير المعلن لشبكة الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في أوروبا وحشد الدعم السياسي والعسكري للحركة، وتقديم المعلومات والمشورة السياسية، والاضطلاع بدور الوسيط بين الشخصيات الهامة، وظل كول طوال هذه المدة على تواصل مع زعيم الحركة الشعبية من خلال الهاتف، غالباً عدة مرات في الأسبوع وأصبح من أقرب مستشاريه. كان للجانب النرويجي صلاته الخاصة بالحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان وبالمجتمع الدبلوماسي في الخرطوم وتحصل من هذه الصلات على معظم المعلومات المطلوبة، وإذا كنا نرغب في معرفة ما يدور خلف الكواليس كنا نتصل بالدكتور كول، ومن مكتبه بالمستشفى في نورويك، كان يمتلك معلومات أوفر مما يمتلكه أي شخص آخر، وكان من الطبيعي أن نتصل على كول دينق عندما طلب علي عثمان محمد طه لقاء زعيم الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان. ومن المثير للاهتمام أن ذلك لم يحدث في مايو أو يونيو 2003م بل في نوفمبر 1990م، فقد أخبره أحد الوسطاء أن علي عثمان محمد طه يرغب في زيارته في نورويك، لكن طه لا يشغل منصبًا رسمياً في الحكومة ولا يعرف كول ولا دكتور جون عنه شيئاً، اتصل كول بأبيل ألير لتقصي الأمر، وأخبره ألير أن علي عثمان هو أهم شخصية في الجبهة الإسلامية القومية، ويلي الترابي مباشرة من حيث الأهمية ويعمل بشكل أساسي من خلف الكواليس في الحكومة الجديدة، وافق كول على لقاء طه الذي قام بزيارته في منزله بنورويك وحضر برفقة ثلاثة من حراسه الأمنيين وبعض المستشارين، أحدهما ماثيانق ملوال مابور، وهو جنوبي كان يشغل منصب سفير السودان في رومانيا، ابتدر طه الاجتماع بإقراره بمذبحة الزعماء القبليين في بور وجونقلي عام 1967م، وبناءً على طلبه روى كول القصة الكاملة وراء نشوء الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان استمر حديثهم لست ساعات، وأوضح طه لماذا يرغب في لقاء جون قرنق: المحادثات المباشرة فقط هي ما يحقق النتائج في الجنوب. ورد كول بأن الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان ترغب فقط في التباحث مع ممثل رسمي مفوض من الحكومة بدرجة وزير. وعندما أخبر كول قرنق بما دار في الحوار، طلب منه قرنق أن يظل على تواصل معهم، وبعد ستة شهور وبوصفه وزيرًا للشؤون الاجتماعية «وزارة طموحة متعددة المهام» عاد طه إلى نورويك بمعية السفير السوداني في لندن. وقتها لم تحرز مفاوضات أبوجا أي تقدم يُذكر، وتيقن طه أن مشاركة قرنق بشكل مباشر في المباحثات أمر ضروري. وكرر طلبه بلقاء زعيم الحركة الشعبية دكتور جون الذي مازال متشككاً، لم يكن راغباً في الهالة الإعلامية في الواقع.. بعد ذلك زار طه كول في نورويك مرتين إحداهما في عام 1993م والثانية في عام 1997م وكان وقتها وزيرًا للشؤون الخارجية، وفي كل مرة تظل مهمته هي نفس المهمة وفي كل مرة يقدم كول تبريراته حول تعذر اللقاء بين طه وزعيم الحركة الشعبية. وفي عام 1997م أرسل جون قرنق أليجا ماجوك كمبعوث سري إلى طه وتم عمل الترتيبات اللازمة للقاء في فندق الهيلتون بنورويك، هذه المرة كان علي عثمان هو الذي تخلف عن الاجتماع كما زعم كول، وقد اتضح لاحقاً أن العذر الذي ساقه بتأخر حصوله على تأشيرة الدخول كان مجرد ادعاء فقد سافر طه بدلاً من ذلك إلى نيروبي للقاء لام أكول وحاول من هناك ترتيب لقاء مع قرنق، ومن المؤكد أن طه لم يكن راغباً في رؤية وسيط آخر. بعد أن أصبح طه نائباً للرئيس التقى كول في لندن مرتين على الأقل، واحدة في 2002م والثانية في أبريل أو مايو 2003م. ومرة أخرى تم التباحث في نفس الأمور لكن في اللقاء الثاني كانت مباحثات سلام الإيقاد على وشك الانهيار، فقط خلال زيارته الأخيرة للندن وعقب مباحثات خاصة مع الأمريكيين وكول دينق استطاع طه حينها تقديم إشارات جديدة وهامة للحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان. طلب كول من طه تنحية الدكتور غازي كمفاوض رئيسي للطرف الحكومي وأن يتولى بنفسه هذا الملف وقال كول: «أنت أفضل من الرئيس البشير». وشارك المزيد من الناس في هذه العملية، كول دينق وأبيل ألير أنسباء ويعرفان بعضهما البعض منذ فترة طويلة، التقيا قبل أن يسافر كول إلى القاهرة للدراسة في منحة وفرها له والد نيال دينق، وظل على اتصال بألير خلال هذه السنين، وثبتت جدوى هذه العلاقة في مفاوضات الطرفين قبيل بدء المباحثات وبعدها، كان أبيل ألير يتواصل مع علي عثمان طه ومسؤولي الحكومة من خلال السفير ماثيانق، الذي يمت أيضاً بصلة القرابة لكول، كانت جميع الاتصالات تتم عبر الهاتف، وبما أن الخطوط كانت تحت المراقبة فقد انطوى الأمر على مخاطرة، لكنهم كانوا جميعاً من قبيلة الدينكا، لذلك استخدم كول شفرة سرية من لغة الدينكا، حيث أطلقوا على الترابي «ماليت» وتعني «الغبار» بلغة الدينكا وعلى البشير «ميور نينق نوم» وتعني «الثور المربوط من قرنيه» أما علي عثمان طه فقد وصفوه ب«صديقنا»، وهي كلمة مقبولة بالنظر إلى فداحة الأحداث الأخيرة، لكن في مثل هذا الوقت ربما تكون استنطاقاً لما يراه كول فقط، لم يطلق الدينكا لقباً على الدكتور غازي، لكن الجنوبيين كان يتندرون عليه أثناء المحادثات ويصفونه ب«ملا الفنادق» حيث كان يقضي معظم وقته خلال جلسات المباحثات في الفنادق بعيداً عن مكان المفاوضات وعن أنظار وفود الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان.
اتضحت أهمية التواصل بين كول وأبيل ألير بتقدم وتيرة المفاوضات خاصة عند ارتقائها إلى المستويات العليا، وعمل الاثنان على تيسير الاتصال بدكتور جون عندما دعت الحاجة لذلك، وخلال السنوات اللاحقة ساعد السفير ماثيانق أبيل ألير في الاتصال مباشرة بقرنق مستخدماً هاتفه الخاص من خلال شفرة خاصة تم إعدادها بالاستعانة بأحد مساعدي قرنق المقربين. وبعد أن استمر طه في التباحث مع قرنق لعدة سنوات، كان يتصل على القادة الجنوبيين الذين كان يستشيرهم من وقت لآخر قائلاً: «هل ينبغي أن أصرف النظر؟» وبالمقابل كان أبيل ألير والسفير ماثيانق وغيرهم من القادة الجنوبيين يشجعونه على مواصلة مساعيه، كانوا يرون لجملة أسباب أن علي عثمان هو الوحيد القادر على تحقيق السلام مع الجنوب وكانوا يلحظون اقتناع دكتور جون بالعملية. «وهو ما حدث في نهاية الأمر». قال ماثيانق مبتسماً وهو يحكي عن ذلك الحوار. وبعد أربعة شهور تم الاجتماع.
تغيير التكتيكات
بدأت الجولة الخامسة من المفاوضات في مطلع مايو وكانت الإستراتيجية هذه المرة تقتضي إيجاد حل شامل، قدم الوسطاء أجندة مفتوحة لكل من الطرفين على حدة وطلبا منهما تحديد مواقفهما بخصوص كافة القضايا المطروحة، وتحديد الأسس التي من خلالها يحاولون إيجاد أرضية مشتركة بين الطرفين وتقديم التنازلات المطلوبة. كان الدكتور غازي صلاح الدين وهو المفاوض الرئيسي في الجانب الحكومي يحبذ أن يقدم الطرفان تنازلات بشأن مختلف القضايا، لكن قرنق لم يكن راضياً عن هذه المقاربة الجديدة وبدا متشككاً للغاية في مواقف الحكومة واعتبر رغبتهم الواضحة في التفاوض لا تعدو أن تكون ستاراً لاشتراطات قاسية، وناشد دكتور جون الترويكا بأن تقوم بدور أكثر قوة وأن تستثمر بصورة أكبر في العملية.
عقب زيارته الناجحة للقاهرة في بداية مايو شعر قرنق بالجرأة عندما أطلع مبارك بناءً على رغبة الأخير عن سير المفاوضات وعن مباحثاته مع الرئيس البشير، وانتهز زعيم الحركة الشعبية الفرصة للإعراب عن اهتمامه بمجهودات نائب الرئيس طه الذي فرضت علاقاته المزعومة بجهاز الأمن وقوات الدفاع الشعبي إمكانية بناء الثقة بين الطرفين. وأوضح قرنق إبان زيارته للقاهرة أن المصريين أصبحوا أكثر تفهماً لموقف الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان باتفاقيات السودان بخصوص مياه النيل وتم التباحث حول قيام مصر بدور مراقب في منبر الإيقاد وتم منح الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان وضع مراقب في جامعة الدول العربية وهي خطوة من الواضح أنها أثارت حفيظة الخرطوم، حينذاك قام الرئيس البشير بزيارة مماثلة إلى القاهرة ولم يتسنّ لنا معرفة ما دار في مباحثاته مع المسؤولين المصريين.
ورغم النجاح المنقطع النظير الذي أحرزته زيارة قرنق للقاهرة، لم تكن أمام وفد الحركة لمفاوضات السلام فرصة للمناورة، ولم يحصلوا على تفويض من قيادة الحركة لتقديم تنازلات من أي نوع، لذلك تمسكوا بمواقفهم. واشتكى الدكتور غازي من أن قيادة الحركة ووفدها في مشاكوس، يلعبون «البينغ بونغ» ودائماً ما يتهم أحد الطرفين الآخر بذلك عندما تحين لحظة اتخاذ القرارات الحاسمة. وفي لقائه بفريقنا منتصف مايو أشار الدكتور غازي إلى تماطل الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان وتساءل عما إذا كانت جادة في التزامها بالعملية السلمية، وأجاب على سؤاله بنفسه بالقول: ربما غير ذلك، وأعرب عن رغبة الحكومة في تقديم تنازلات في قضية منصب النائب الأول للرئيس إذا تنازلت الحركة للحكومة في قضايا أخرى على سبيل المثال التمثيل السياسي، وإذا لم تعد طرح قضية الشريعة، وبخصوص القضايا الحاسمة مثل موضوع الجيشين تبنى الدكتور غازي مواقف أقل مرونة من المواقف التي طرحها طه إبان زيارته للندن، وتأسيساً على سير المفاوضات حتى الآن لا يعتقد الدكتور غازي بامكانية الوفاء بالجدول الزمني لإكمال المفاوضات بنهاية يونيو لكنه كان ما يزال متفائلاً في الوصول إلى تسوية، وأمن على ضرورة أن تقوم الترويكا بدور أكبر في المفاوضات، لا سيما خلال هذه المرحلة الشاملة من عمر المفاوضات.
أشار الدكتور غازي محذراً إلى دعم الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان لحركات التمرد في دارفور، معتبراً ذلك أمراً غير مقبول على الإطلاق ويكشف عن نوايا الحركة الرامية إلى تدمير البلد كله، وكررت الخرطوم هذه الاتهامات عدة مرات خلال سير المفاوضات.. ومن وجهة النظر هذه، فإن إستراتيجية الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان اقتضت إضعاف الحكومة والحزب الحاكم بتقوية المعارضة أينما كانت، وبالتالي الحصول على مزيد من التنازلات، وسيتضح لنا أن كلا الطرفين كان مخطئًا في حساباته على هذا الصعيد.
انتهت الجولة الخامسة من المفاوضات في 21 مايو، ورغم أن الجو كانت أقل عدائية، بقيت الكثير من القضايا دون حل، قضايا الأمن، والمناطق الثلاث، والرئاسة، والتمثيل السياسي في الحكومة والبرلمان، ووضعية العاصمة، ولم يحرز تقدم ملموس سوى في قضية تقاسم الثروة، وكان الجانب الحكومي أكثر مرونة من الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان، على سبيل المثال وافقت الحكومة على فكرة الجيشين، وكان ثمة إحساس لدى الطرفين بأن المحادثات قد وصلت إلى نقطة يتعذر بعدها لكلا الطرفين التساهل في القضايا المتبقية بدون تنازلات كبيرة متبادلة. كان من المتوقع أن تقترح سكرتارية الإيقاد بمشاركة الترويكا حزمة أو إطاراً للتفاوض، وتقرر أن تنعقد الجلسة التالية من المباحثات في 23 يونيو، بينما كانت الحكومة ترغب في إبرام اتفاق سريع، لكن الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان لم تكن في عجلة من أمرها.
حشد المؤيدين
لم يكن أمراً مثيراً للاستغراب أن تمضي الحركة قدماً في الجبهة السياسية، ففي أواخر مايو التقى قرنق والصادق المهدي «الأمة» ومحمد عثمان الميرغني «الاتحادي الديمقراطي» فيما أطلق عليه لقاء قمة المعارضة، وتمخض الاجتماع عن «إعلان القاهرة» الذي تمسك بوحدة السودان وساند عملية السلام في مشاكوس ونادى بعاصمة قومية يتساوى فيها جميع المواطنين، وكانت النقطة الأخيرة هي الأكثر إثارة حيث انحازت فيها الأحزاب السياسية التقليدية ذات الخلفية الدينية، إلى الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان استنكرت الحكومة هذا الإعلان بيد أنها وضعت في خانة الدفاع، وزادت خيبتها عندما توصل المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، إلى اتفاق مماثل مع الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان، ولم يتضمن الاتفاق أي نص يشير إلى إسلامية العاصمة، لكنه فقط أكد على قومية العاصمة.
من هناك غادر قرنق إلى واشنطن ولندن وعواصم أخرى، وعقد لقاءات مطولة مع الأمريكيين، وعندما أخبره الجنرال باول بأن الرئيس بوش يرغب في توقيع اتفاق بحلول الصيف رد عليه قرنق بأنهم تعلموا من اتفاقية أديس أبابا أن الاتفاقية المحكمة خير من الاتفاق العجول، ومن خلال تلك المباحثات استنتج الأمريكيون أن بقاء جيش الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان أمر حيوي للحركة، وبخصوص المناطق الثلاث أبدى قرنق بعض المرونة رغم إصراره على مشاورة مواطنيها، أما موقفه من العاصمة فيرى إقامة جيب علماني في الخرطوم بطريقة ما. كان قرنق ما زال راغباً في أن تضمن ترتيبات تقاسم السلطة تداول منصب الرئيس، لكن الأمريكيين نصحوه بقبول منصب نائب الرئيس وحذروه أن تعطيل المفاوضات والتطلع إلى تغيير النظام في الخرطوم ربما يؤدي إلى انهيار المفاوضات بأكملها.
تحادثت مطولاً مع زعيم الحركة الشعبية بعد عودته من رحلته، وكان مغتبطاً من زيارته لأمريكا وإن لم يكن من لقاءاته في لندن، غادرت كلير شورت موقعها ولم تكن المباحثات «حاسمة بالقدر الكافي»، ويبدو أن السفير ألن قولتي أصبح هو «صاحب الكلمة» في غياب التفاعل على المستوى السياسي. وقولتي دبلوماسي بالخارجية عربي النزعة ينتمي إلى المدرسة العتيقة وعمل في الخرطوم «مرتين» وواشنطن والقاهرة وشغل منصب رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالخارجية البريطانية قبل أن يصبح مبعوثاً للمملكة المتحدة في السودان في عام 2002م، وله معرفة بالنخبة السياسية في الخرطوم ويتحدث العربية بطلاقة وملم بالأحداث الدائرة في السودان، لا سيما في الشمال، منذ البداية بدأ قولتي متشككاً في الصفقة التي ساندتها كلير شورت، والقاضية بعقد استفتاء في الجنوب يتضمن خيار الانفصال، لم يعرب قولتي عن شكوكه للترويكا أو الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان بشكل مباشر، ولكن كان من السهل قراءة مواقفه. وكانت بعض الشخصيات البارزة في الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان تطلق عليه تندرًا السيد «Guilty» وتعني بالعربية «المذنب»، في إشارة مبطنة إلى إرث الحكم الثنائي الإنجليزي المصري لذلك طرق دكتور جون قرنق كل الأبواب، ربما تساعد زيارة البارونة أموس خليفة كلير شورت إلى السودان ومن ضمنه الجنوب في الدفع بعجلة الأوضاع.
في حواري مع دكتور جون كرر رغبته في إبداء بعض المرونة وذكر أفكاراً هامة بشأن التنازلات ناقشها مع الأمريكيين، إلا أنه كان واضحاً أن أي مقترح يتعلق بالتنازلات ينبغي أن يصدر من الفريق التفاوضي أو الترويكا وليس من طرفي التفاوض، كان يرغب في أن تجيز الترويكا مسبقاً أي إطار قد يقترحه الجنرال سمبيو، كما كان يرغب في مناقشة قضية العاصمة مع الرئيس البشير مباشرة على الهاتف، وبدعم من القادة السياسيين غير الموجودين في السلطة في الشمال كان هناك إجماع عريض بأن تعكس وضعية الخرطوم تنوع السودان، أعجب قرنق بالطريقة التي تجنب فيها البشير الإشارة إلى الشريعة في تصريحاته العامة مؤخراً، وعلى هذه الخلفية ربما يكون البشير مستعداً لطرح حل وسط، من جانبي حذرته بأنها قضية في غاية الحساسية بالنسبة للحكومة، ولكن بالمقابل شجعته على الحوار المباشر بين الطرفين، وظلت الترويكا تناشد قيادة الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان القيام بمثل هذه المشاورات، ورد دكتور جون بأن المشكلة تكمن في ما سيفعله طه، فرغم اتصالاته السابقة مع كول دينق وجهوده المستمرة للقاء دكتور جون، يظل علي عثمان طه شخصاً شريراً في نظره، وفي هذا السياق أشار قرنق إلى قضية العاصمة والشريعة كذريعة محتملة لقيام انقلاب عسكري. ورغم ذلك أقر قرنق بأهمية دور النائب الأول للرئيس وكان يدرك أن أي اتفاقية مع الحكومة تتطلب رضاه الضمني على الأقل، وحينها أخبرني قرنق بقبول الحركة الشعبية بمنصب نائب الرئيس كجزء من ترتيبات تقاسم السلطة ملمحاً بذلك إلى استعدادهم للتخلي عن المطالبة بتداول الرئاسة، وهذا يوضح ما ظل يمثل مأزقاً مستمراً لقرنق والحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان: الصراع بين رؤيته الخاصة بالسودان الجديد والتي تقتضي إجراء إصلاح في المركز وعملية التحول، وبين الحاجة إلى تأمين المصالح الأساسية لجنوب السودان بما فيها الاستفتاء، وغني عن القول أن موقف الحكومة كان هو المحافظة على الوضع القائم بقدر الإمكان، والهدف من ذلك تحجيم التغيير إلى الحد الذي يسمح بعقد الاتفاقية، أيهما أهم لقرنق والحركة السودان الجديد أم جنوب السودان؟ كان لا بد من تبني خيارات صعبة. كان على الطرفين أن يقتنعا في أواخر يونيو بعقد جولة قصد منها «خذ ما هو معروض عليك أو تركه»، وبعد تلك الجولة ستكون القضايا العالقة هي الترتيبات الأمنية النهائية ومصير المناطق الثلاث. زار الجنرال سمبيو الخرطوم أوائل يونيو، وزار المناطق الثلاث والجنوب في أواخر الشهر نفسه للتشاور مع الطرفين حول الاتفاقية النهائية، وكانت خطته ترمي إلى تقديم مسودة اتفاق إطاري في الجولة التالية من المفاوضات. وفي غضون ذلك تصاعد القتال في دارفور، ويقال إن الحكومة أرسلت عشرة آلاف جندي إلى غرب البلاد، ورغم ذلك منيت الحكومة بهزائم متلاحقة، وحسب وجهة نظر دكتور جون فالحكومة كانت تقع تحت ضغط كبير. وحسب معلوماته فإن «عقلية الحصار» تتعاظم في الخرطوم، وربما هذا هو السبب وراء قلق الحكومة من إكمال المفاوضات، وأجبت: إذا كان الأمر صحيحاً فإنه يعتبر سبباً جيداً لكي تقوم الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان بالتحرك بشكل عاجل، أمّن زعيم الحركة الشعبية على قولي، ولكن كعادته أكد أن أي اتفاقية يجب أن تتمخض عن «سلام عادل».
دارفور من الاحتقان إلى الحريق
عندما أصدرت الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان بياناً رحبت فيه بإعلان مانفيستو حركة/ جيش تحرير السودان الدارفورية، أشارت إلى أن الحل المقترح للمناطق الثلاث من الممكن أن يكون نموذجاً للحل في دارفور. ووفقاً لأحد المصادر المسؤولة، رفض الدارفوريون هذه الفكرة لأنهم في رأيهم يستحقون تنازلات جوهرية، من جهة أخرى ربما توفر اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة والحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان إطاراً للتفاوض حول دارفور، كانت الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان حريصة على توقيع اتفاقية السلام الشامل أولاً، ويمكن تطبيق مبادئها على دارفور في عملية سلام منفصلة، ظل ذلك الموقف معقولاً طوال عام 2003م ولكن لم يتم التفاوض على أي من ترتيبات تقاسم السلطة، وبالتالي لم يكن هناك ثمة نموذج قابل للتطبيق في دارفور، علاوة على ذلك تحالفت مجموعتان من مجموعات التمرد الرئيسية وتنامت قوتها. لقد أصبح التمرد، خلافاً لتقديرات الحكومة، يمثل تهديداً جدياً للحكومة أكبر مما يمثله النزاع القائم بين الحكومة والحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان.
في أبريل 2003م شنّت مجموعات التمرد المتحالفة هجوماً كبيراً على العاصمة الفاشر وتم تدمير الطائرات الحكومية الجاثمة على الأرض وأخذ قائد القوات الجوية رهينة، كما شن المتمردون سلسلة من الهجمات الناجحة خلال الشهور القليلة التالية، ويبدو أن سمعة الحكومة قد وضعت على المحك، فردت بشن هجوم كبير على المتمردين، وحتى ذلك الوقت كانت الحكومة تعتمد بشكل رئيسي على المليشيات الحليفة ومن ضمنها قوات الدفاع الشعبي وهي منظمة شبه عسكرية لا تتمتع بهيكل قيادي محدد في مهاجمة المساليت والفور والزغاوة، استخدام المليشيات للسيطرة على المناطق التي ترغب فيها الحكومة، أو «تطهيرها» ظلت السياسة المتبعة من قبل حكومة الخرطوم لعقود من الزمان، وقد جندت قوات الدفاع الشعبي من بين المسلمين في الشمال للانخراط في العمليات الدائرة في جنوب السودان.
الآن وسعت قوات الدفاع الشعبي المدعومة من الخرطوم والمليشيات العربية أو عصابات الجنجويد من نطاق عملياتها العسكرية بمهاجمة القرى وحرقها وقتل المواطنين. وفي نهاية المطاف تعتبر هذه الحملة عملاً استراتيجياً مدروساً لسحق التمرد، فبدلاً عن إرسال القوات النظامية يمكن للمليشيات المحلية القيام بالمهمة والسيطرة على المناطق الإستراتيجية، ولسنين عديدة خلت نفذت ذات الإستراتيجية في جبال النوبة وبحر الغزال ومناطق النيل الأزرق حيث كانت المجموعات القبلية العربية المسماة بالمرحلين تقوم بأعمال تحاكي فظاعات تجار الرقيق في القرن التاسع عشر. خلال فترة الصراع، ووفقاً لمصادر متعددة، قامت المليشيات بارتكاب فظائع، وفي بعض الحالات على نطاق كبير مسنودة بقصف جوي، أو بدونه، وطهروا مناطق واسعة من السكان المدنيين بتطبيق سياسة الأرض المحروقة بما فيها الهجمات الواسعة على المدنيين وحملات الاغتصاب المنظم، وسواء كان الهدف الاستيلاء على منطقة ذات أهمية اقتصادية مثل مناطق التنقيب عن النفط في أعالي النيل، أو كان الهدف أمنياً، فقد استخدمت الحكومة نفس التكتيك في كل مرة، وكان يمكن للحكومة تجنب ردة الفعل الغاضبة باعتبار ما حدث ليس سوى عداوات قبلية مزمنة، ولكن دور الحكومة في إشعال العنف من خلال اطلاق يد أجهزتها «المخابرات العسكرية، الأمن، وزارة الداخلية، وبعض التكوينات غير الرسمية الأخرى» معروف للجميع، كانت الحكومة تدفع مبالغ مالية لقادة المليشيات فقط، أما جماعات العصابات فكانوا يعتمدون على النهب، وعلى هذا النحو يمكن شن حرب منخفضة المستوى لفترة طويلة وإحكام السيطرة بالكاد تلحظ تورط «الحكومة» دون اللجوء إلى عملية عسكرية واسعة النطاق أو شن حرب مفتوحة. كما يمكن حجب هذا التكتيك بسهولة عن أنظار المجتمع الدولي. بعد الهجوم الكاسح للمتمردين في دارفور عام 2003م لجأت الحكومة فيما يبدو إلى نفس التكتيك من أجل سحق الثورة، ولكن نطاق العملية كشف عن مستوى مختلف للاشتباك والتورط المباشر، كان يصعب التمييز بين قوات الدفاع الشعبي والجنجويد، وقد عملوا بتناسق تام مع القوات الجوية والبرية الحكومية، وبينما تخضع قوات الدفاع الشعبي لإمرة جهات معينة في الخرطوم، فقد انخرط الجنجويد بأعداد كبيرة في العمليات دون أن تكون هناك قيادة عليا تصدر لهم التوجيهات، الآن يبدو أن زمن سحق التمرد عن طريق عمليات منخفضة المستوى قد انتهى. ورغم أن الأساليب ظلت كما هي «ومألوفة للمحاربين القدامى التابعين للحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب والمناطق الثلاث»، فقد كانت الحرب واسعة النطاق، وقال العديد من قادة المتمردين أنه في النصف الأول من عام 2003م كادت دارفور أن تكون «نسخة من جنوب السودان عجلت سرعتها».
وأخبرني دكتور جون في عدة مناسبات أن الحكومة فقدت السيطرة على سحق التمرد خلافاً لما كان عليه مواقفها في المناطق الأخرى، ولاحقاً سيكون هنالك سبب للتساؤل عن تقييم فقدان السيطرة من الواضح أن الحكومة قد قررت وعلى نحو مقصود تطبيق استراتيجية أكثر عنفاً في دارفور تستمر لفترة قصيرة من الوقت خلافاً لاستراتيجيتها في المناطق الأخرى. الجنجويد اسم يستخدم بشكل عام لوصف قطاع الطرق، وقد عبر بعض العرب عن امتعاضهم من إطلاق هذا الاسم على المليشيات ولكن ظل الاسم مقروناً بهم. أطلق سراح موسى هلال من السجن بناءً على تعليمات الخرطوم وهلال هو القائد سيء السمعة المنحدر من قبيلة الرزيقات. وقد انخرط بدوره في تجنيد المقاتلين وزعم أن لديه «20000» مقاتل تحت إمرته. وهم خليط من العرب المحليين ورجالات القبائل المنحدرة من دول الجوار «تشاد، ليبيا وحتى موريتانيا» والخارجين عن القانون ومن ضمنهم محكومين بالسجن، ويقع مركز قيادته في «مستريحة» تم تزويد هلال بكميات كبيرة من الأسلحة ليس فقط من خارج الحدود، بل أمدته الحكومة نفسها بالأسلحة ابتداءً من منتصف 2003م وصاعداً، وبعدها أطلقت يد الجنجويد في ما بدا فصلاً من عملية عسكرية منظمة. خلافاً للحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان، التي يعتقد أنه ليس وفي وسعها إزاحة حكومة الخرطوم، فإن تمرد دارفور شكل تهديداً جدياً لوجود الحكومة، فأهمية الإقليم الغربي والصلات الوثيقة التي تجمع بين حسن الترابي والعديد من حركات التمرد هناك زادت من جدية التهديد وامكانية «تغيير النظام» كان ذلك هو التحليل الذي خرج به قرنق أيضاً. ولذلك كان لهجوم المتمردين الدارفوريين على أم درمان في عام 2008م أكثر من أهمية رمزية، فاحتمال الإطاحة بالحكومة بصرف النظر عن عدم واقعيته ترك أثراً كبيراً على استراتيجيتها في غربي السودان، وساهم في إحداث لعنة anathematizing السودان المفكك المكون من عدة أقاليم محكومة ذاتياً. وعند هذه المرحلة بقي تركيزي وزملائي منصباً على مفاوضات الجنوب وعلى خلق أوضاع تحقق سلاماً عادلاً في كافة أنحاء القطر. وخلف صراع الجنوب مآسي إنسانية فادحة على صعيد القتلى والنازحين واللاجئين. وأعاد هجوم المتمردين على الفاشر تلك المآسي إلى الأذهان، لكننا حتى الآن لم نستطع أن نستوعب فداحة ما سيحدث في دارفور، فبينما كانت الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان والحكومة يتفاوضان بحماسة لحل النزاع الرئيسي في السودان، تحولت «البثرة الصغيرة» التي نمت خلال العقود السابقة في دارفور إلى حريق شامل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.