نواصل في هذه الحلقة ما بدأنا من «عرضحال» إلى سيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه لذات الأسباب التي أوردناها في الحلقة السابقة علاوة على التفاؤل الكبير الذي أبداه نفر كريم من أهل الولاية الذين اتصلوا بي هاتفياً وعبر البريد الإسفيري معبِّرين عن شكرهم لشخصي الضعيف لأنهم يعتقدون أن أمرهم قد رفع إلى الشخص الذي يرون أنه قادر على فعل كل شيء من أجل تغيير الواقع وإعطاء أهلينا حقهم غير منقوص بإذن الله. وبما أن المال هو عصب الحياة ولا يمكن تقديم خدمات أو تنمية بدونه رأينا أن نخصِّص جلَّ هذه الحلقة للحديث عن ميزانية الولاية للسنة المالية 2011 2012 التي أجازها مجلس الولاية التشريعي في الأيام القليلة الماضية. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات كافية عن سمات هذه الميزانية العامة وملامحها إلا أن المبلغ الذي تتحدث عنه مثير للدهشة حيث قيل إنه قد بلغ 665 مليون «مليار بالقديم» جنيه بالتمام والكمال بمعدل نمو 16%. و حسب علمنا فإن إجمالي ما تحصلت عليه حكومة الولاية في العام المالي المنصرم لم يتجاوز «أو لم يبلغ في الواقع» 300 مليون بما في ذلك الدعم المالي الذي قدمه المركز مضافاً إليه إيرادات الولاية المحلية من مصادرها في شكل تحصيل وضرائب ولائية. من المعلوم أن وضع السودان المالي في العام الماضي قد كان أحسن بكثير مما هو عليه الآن إذ كان النفط يوفر شيئاً من العملة الصعبة؛ ولكن الآن الخزينة العامة خاوية وينطبق عليها المثل الذي يقول «جيتك يا عبد المعين تعين لقيتك يا عبد المعين تنعان» وهي بالتالي لا يمكن أن تقدم دعماً من شأنه أن يغطي هذا الفارق وإن شئت فقل العجز الكبير في ميزانية شمال كردفان؛ هذا مع علمنا أن ظروف الولاية الاقتصادية هذه السنة هي الأسوأ منذ سنين عدداً نظراً لفشل الموسم الزراعي وشح المرعى «هنالك فجوة غذائية يعني مجاعة»؛ و قد ترك كثير من الناس العمل بإنتاج الصمغ العربي والحبوب الزيتية بحثاً عن الذهب، مما تسبب في تقلص الإيرادات الحكومية بشكل كبير. كما أن السيد رئيس الجمهورية قد أمر سلطات الولايات بعدم أخذ «الجبايات» مراعاة لظروف الشعب. من ناحية أخرى ذُكِر عن السيد وزير مالية الولاية قوله «ليس بالضروري أن تعكس الميزانية واقع الحال ولكنها يجب أن تقدم طموحات و تطلعات الناس بقدر المستطاع» وجاء في حديث سيادته أمام مجلس الولاية التشريعي ما نصه «إن الهم الأكبر لحكومة الولاية هو استكمال النهضة تنموياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً واقتصادياً لولاية رائدة تنعم بالأمن والاستقرار والسلام والحكم الراشد والوحدة الوطنية تلبية لأشواق المواطنين». لا أدري إذا كان سيادته يتحدث عن شمال كردفان أم أوهايو؟ وهل بدأت نهضة حتى تستكمل يا سيادة الوزير أم أن هذا مجرد حديث للاستهلاك ليس إلا. وحسب مقتضيات الحكم الراشد التي أشرنا إليها في الحلقة الماضية وذكرها سيادته هنا يعد هذا مؤشراً على انعدام الشفافية التي تستدعي الصراحة والكلام الواقعي وإتاحة المعلومات الوافية لأصحاب المصلحة والمهتم والمستثمر على حدٍ سواء حتى يستطيع كل من هؤلاء الحصول على البيانات الضرورية الصحيحة ويوظفها لوضع ما يريد من تصور وفكرة تتعلق بالشأن والوضع المالي لهذه الولاية ويبني على ذلك خططه وبرامجه ونشاطه المالي واستثماره إن وجد. ونحن لذلك نقول علينا أن «نمد أرجلنا على قدر لحافنا» حتى لا نعد الناس بما لا نستطيع. ولذلك يرى بعض المراقبين أن هذه الميزانية لها دلالات تصب في خانة الكلام السياسي أكثر من كونها عملاً اقتصاديًا خالصًا يقصد به ترتيب الأمور مما يجعلنا نضع شأن شمال كردفان على طاولة السيد النائب الأول بنفسه ليعلم سيادته كيف يدار أمر الناس في «ديرتنا». عموماً مهما تحدثت هذه الميزانية عن مشروعات فإنها تظل أشياء مرهونة بالغيب وليست خططًا واقعية قابلة للتنفيذ وقائمة على أرقام وحقائق علمية يمكن التحقق منها أو انزالها على أرض الواقع وهذا من أسوأ الطموحات لأنها سوف تؤدي إلى تفشي الإحباط في حال لم تنفذ لا سمح الله. لا نقصد بهذا مجرد الانتقاد ولكننا نريد أن نقترب من مفهوم الحكم الراشد الذي نعتقد أنه المخرج الوحيد مما نعيشه الآن من تخبط واضطراب في العمل السياسي والاقتصادي الذي أفقد دولاب الحكم مصداقيته بشكل كامل. فولاية مهددة بمجاعة وشيكة وتفكر حكومتها في شراء الذرة و توزيعها على الناس كيف يقال عنها ولاية مستقرة؟ يا جماعة «الجوع كافر» وهو السبب الرئيس في زعزعة استقرار الناس وأمنهم فقد ذكرت تقارير صحفية أن «السلطات المختصة بولاية شمال كردفان أقرت بوجود فجوة غذائية بلغت نسبتها 10,2%، بما يعادل 43 ألف طن من الاستهلاك الكلي لسكان الولاية الذي يبلغ أكثر من 426 ألف طن من الحبوب الغذائية ويُعزى هذا العجز للتغيرات المناخية التي أدت لتذبذب الأمطار، ما قاد لضعف الإنتاج المحصولي بعدد من مناطق الولاية» وطبعاً سوء التخطيط و عدم ترتيب الأولويات هو الآخر يعتبر أس كل هذه «البلاوى» التي تعاني منها هذه الولاية التي كانت حتى وقت قريب تقدم للسودان خيرات لا حصر لها ولا عد. بناءً على ما تقدم نتوجه بطلب عاجل للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية بإصدار أمره لحكومة الولاية بتوجيه كل ما لديها من مال لإنقاذ الناس من شبح المجاعة لأن كل ما ستتحصل عليه في هذا العام حسب الواقع لا يكفي لقيام مشروع تنموي واحد ناهيك عن تحقيق النهضة التي بشّّر بها سعادة الوزير.