إن الذي يجب أن يُسأل عنه ويُستفتى فيه أهل الفتيا ليس هو الحكم على أقوال الترابي أو أقوال الصادق المهدي. فهذه خطرفات لا تستحق أن يُرد عليها أو أن تشغل حيزاً من الإعلام المقروء أو المسموع إلا في حيز الخبر ليس أكثر من ذلك ولا أقل.. إن الذي يجب أن يُسأل عنه هو الدور المعطل لأهل العلم في قيادة المجتمع.. القيادة الحقيقية وهم أولو الأمر الذين أوجبت النصوص المحكمة طاعتهم والانقياد لهم. ولو أن أهل العلم اجتمعت كلمتهم على حكم شرعي معين فطاعتهم واجبة على الجميع، على أهل الحكم تماماً مثلما هي واجبة على سائر المكلفين. ومن المستبعد من الأمة.. أن يقال إن أولي الأمر المنصوص عليهم في الآية «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» هم أهل الحكم دون أهل العلم، وذلك لأن الأصل هو أن أهل الحكم تبع لأهل العلم والعكس ليس بصحيح. إن مثل هذه الخطرفات وهذا الهذيان الذي يصدر عن الترابي مرة وعن الصادق المهدي مرة قد تجاوزه الزمن.. فهو ليس بالشيء الجديد.. وقد تكرر الرد عليه مرات ومرات. وكتب الفقه الأمهات والمجموعات الفقهية والأجزاء الحديثة وكتب السيرة بل وكتب التفاسير والمجموعات والدوريات كل هذه مشحونة بالردود على مثل أقوال الترابي والصادق المهدي في مثل إمامة المرأة.. ووقوف المرأة في صف الرجال.. والحجاب والنقاب.. وتزويج المسلمة للكتابي.. ورجم الزاني المحصن.. وحكم المرتد وأشياء أخرى يطول ذكرها. وكنت قد كتبتُ سلسلة مقالات للرد على الترابي في افتئاته وافتراءاته وتطاوله على الأحكام والشرائع والغيبيات ولعلها قد بلغت نيفاً وعشرين مقالة نُشرت في صحيفة «الإنتباهة» تحت عنوان «السيل الرابي في الرد على مجازفات الترابي..» إن عامة المسلمين رعية لأهل الحكم.. وأهل الحكم رعية لأهل العلم.. فلو ضيع أهل العلم.. ضيع أهل الحكم.. ولو ضيع أهل الحكم.. ضيعت الأمة.. فلو أراد أهل الحكم أن يقوموا بواجبهم الأول المقرر والمتلقى بالقبول والإجماع من الأمة كلها خلفًا عن سلف، وحاضراً عن غابر وهو الأخذ على يد الزنادقة والمارقين من أمثال الترابي والصادق وجربوع المحامي وعبدالله علي إبراهيم.. لما أعوزهم الدليل ولا اعجزتهم الحجة. ولقام معهم في الأمر رجال لا تلهيهم تجارة ولا لهو عن ذكر الله ولو جهل أهل الحكم واجبهم الأول المقرر عليهم في وضعهم الوظيفي فهو كما أورده الأئمة «حفظ الدين على الأصول المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة».. إلى آخر ما قال وختم بقوله ليكون الدين محروساً من الخلل والأمة ممنوعة من الزلل». ارأيت إلى قوله «حفظ الدين على أصوله المستقرة» أرأيت إلى قوله «ليكون الدين محروسًا من الخلل» ارأيت إلى قوله «لتكون الأمة ممنوعة من الزلل» كل هذا يقتضي الأخذ على ايدي المبتدعين ورد الزنادقة الكلاب عن الولوغ في حياض العقيدة والدين وحياطة الأمة من الوقوع في حبائل الزنادقة المارقين. ليس ذلك فحسب بل أجمعت الأمة على أن أول الحرمات الخمس الواجبة الرعاية هو الدين ثم تليه الحياة.. فالمال فالناسل فالعقل.. فإذا عجز الحكام أو تقاعسوا عن الأخذ على يد الزنادقة انتقل التكليف إلى أهل العلم.. ووجب عليهم تنبيه الحكام إلى هذا الواجب وأطْرهم عليه أطراً وقصرهم عليه قصراً.. فإذا لم يستجب أهل الحكم إلى هذا التنبيه وجب على أهل العلم إقامة الدعوى على الزنادقة والمارقين حسبة لله. وقد فعلها قبلهم رجال وسادة من سادات العالم وقادة من قيادات الفكر والدعوة .. في السودان وغيره.. فإذا لم يفعلها العلماء انتقل التكليف إلى من دونهم من المكلفين من أفراد الأمة.. فإذا قام بها منهم فرد أو جماعة سقط التكليف عن الباقين ونجت الأمة.. فإن لم يحدث ذلك هلك الحكام وهلك العلماء وهلكت الأمة جميعاً.. إن الواجب اليوم على أهل العلم أن يتوجهوا بالخطاب إلى حكومة الإنقاذ ويحرضوها على فتح البلاغات في مواجهة كل من تطاول بالفتيا على ما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهذا الأمر مخاطب به الهيئات والجماعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية.. والأفراد من أهل العلم وعلى رأس أولئك جميعاً هيئة علماء السودان والرابطة الشرعية ومجمع الفقه الإسلامي والمجلس القومي للذكر والذاكرين والمجلس الأعلى للدعوة والإخوان المسلمون وجماعة انصار السنة وجمعية الكتاب والسنة والحركة الإسلامية وحزب التحرير الإسلامي وجمعية الإمام مالك الفقهية.. وغيرها من الجماعات والأفراد. إن الأقوال التي نطق بها الصادق المهدي وسبقه عليها الترابي لا ينطق بها إلا رجل يتزندق.. فجلها إن لم تكن كلها مما يخالف معلومًا من الدين بالضرورة.. والحجة لا تقام على صاحبها إلا بين يدي القاضي.. يسمعها فيستتاب.. وإلا أُقيم عليه الحد حسب الحال وحسب ما يراه قاضي المحكمة.. وذلك حري بأن يردع كل متطاول على الدين وكل مفتئت على العلم. وأنا أرى أن يجتمع مندوبون من هؤلاء جميعاً في صعيد واحد ويوفدون ممثلين منهم إلى الحاكم الرئيس أو النائب الأول.. لتقوم الدولة بفتح قضية سلطانية يمثلها فيها مكتبها العدلي وهي قضية احتساب.. وإن لم يحدث ذلك قامت الجماعة بالإجراء نيابة عن الأمة.. لا أرى مخرجاً لنا إلا هذه الطريق.. أما الرد كتابة أو مشافهة فالإعلام فاض به وتدفق. ولسوف ينشر رد لنا بعنوان «الرد على من أساء بتجويز إمامة النساء » رداً على قول الترابي حول إمامة المرأة وصلاتها مع الرجال في صف واحد.. وذلك في صحيفة المحرِّر الأسبوعية.