إن الحرب على الفساد يجب أن تكون شاملة ودائمة وماحقة.. إن الفساد ليس رجلاً.. ولو كان الفساد رجلاً لما عاش حتى يصل إلينا.. بل كان قتله من هو خير منا وأقوى وأعلم.. إن الفساد هو فاتر.. يملأ أرجاء المكان ويحيط به وفي أحيان كثيرة لا يحس به أحد.. وفي معظم أحيانه لا تكون للفساد رائحة.. لذلك ربما لا يلتفت إليه أحد وهذا أحد مصادر قوته.. ولكن وبالرغم من كل هذا فإن محاربة الفساد ممكنة من الناحية العلمية.. فالفساد له منبع ومصدر ومتكأ ومنبعه ومصدره ومتكؤه الحكم.. فساد الحكم هو أكبر مصادر فساد المجتمع.. إذا كان الحكم فاسداً.. فلا تتحدث عن الرشوة ولا تحارب الرشوة.. اذهب إلى منبعها.. فإن لم يكن الحكم منبعاً لها فهو على أقل تقدير متكأ لها.. إذا كان الحكم فاسداً فلا تتحدث عن الفاحشة ولا الفحشاء ولا تحارب الفاحشة ولا الفحشاء.. اذهب إلى منبع الفاحشة ومنبع الفحشاء.. فإن لم يكن الحكم منبعاً للفاحشة والفحشاء فهو على أقل تقدير متكأ لهما.. إذا كان الحكم فاسداً.. فلا تتحدث عن فسوق الحاكم ولا ظلمه ولا كفره.. ولا تحارب فسوقه ولا طمعه ولا كفره.. إذهب إلى منبع فسوقه وظلمه وكفره.. اذهب إلى دستوره وأصوله التشريعية.. فهي إما علمانية صرفة.. وإما مدغمسة.. لذلك بدأنا الحرب على الفساد في السودان من الفساد الدستوري.. فساد التحاكم.. فساد الهُوية.. إن الإصلاح يجب أن يعتمد على أصول دستورية أصول حاكمة.. أصول تشريعية.. لا يمكن أن يعتمد الإصلاح على آراء ومواقف استحسانية. فالشيوعي هو كافر بالله وباليوم الآخر يمكن أن يصدر عنه موقف أو رأي يستحسن فيه قيمة أخلاقية.. ومع ذلك لا يمكن أن يجعل آراءه ومواقفه دستوراً وقاعدة للتشريع.. ومثله جميع أصحاب الآراء والمواقف والنحل والأهواء.. وكذلك لا يمكن أن يعتمد الإصلاح على أغلبية برلمانية مهما كانت صلابتها وقوتها.. فالأغلبيات البرلمانية تصح وتمرض.. وتحيا وتنمو وتكبر وتشيخ وتموت لكن الأصول التشريعية.. والقواعد التحاكمية تصح ولا تمرض.. وتحيا وتنمو ولكنها لا تشيخ ولا تموت. لذلك فإن الإصلاح الشامل والكامل في السودان لابد أن يأتي من إصلاح المنبع والمصدر.. وهو الدستور.. وقد لخص الإمام الماوردي هذه القاعدة أجمل تلخيص وأكمله عندما جعل أول واجبات ولي لأمر هي حفظ الدين على أصوله المستقرة «ليكون الدين محروساً من الخلل والأمة ممنوعة من الزلل». وهي عبارة نهديها إلى فقهائنا الدستوريين وإلى حكامنا في جميع مواقعهم وإلى قيادات الأمة «وقادة الشعوب» في كل مجال من مجالات الحياة. لابد أن يكون الدين «أي فهمه وطرائق الاجتهاد فيه» محروساً من الخلل.. لأنه هو مصدر التشريع ومصدر القيم وإذا حدث فيه خلل.. أصاب الدنيا كلها إعصار بلا أعاصير من الفساد والإفساد. ولابد أن تكون الأمة «ممنوعة من الزلل» ولاحظ انتقاء العبارات والمفردات: الخلل هو ما يصيب الدين أو التشريع والزلل هو ما يصيب الأمة أو يصيب الحياة. وهاكم هذا الأنموذج الحي الذي أدى فيه الخلل التشريعي إلى أكبر زلل يمكن أن تشهده الحياة في سوداننا المعاصر أو في الشعوب المسلمة المعاصرة حولنا.. ماذا فعل تشريعنا بالمرأة؟ ماذا فعل بنسائنا؟ ماذا فعل بالأسرة؟ لقد أصاب كل ذلك في مقتل.. إن في تشريعنا خللاً لاشك فيه يتعلق بالنظرة إلى المرأة ودورها.. وهو خلاف الأصل الشرعي الذي أجمعت عليه الأمة من لدن رسولها صلى الله عليه وسلم وسائر عصورها إلى أن جئنا نحن!! لذلك فإن الأمة كلها في حالة زلل.. وهو زلل هز أرجاءها وأركانها من القواعد وأضعف بنيانها وأوهى وأوهن عزائم شبابها.. حتى أعرضوا عن الحياة وأصبحوا كمًا مهملاً.. وأصبحت أخت كل واحد منهم أنفع للأسرة وأدرّ رزقاً منه وأعلى يداً بل أصبحت تُنعم عليه بالمعروف المرة بعد المرة.. وقد صارحني أحد القراء بأنه شاب وأخته تصرف عليه وكان قبل ذلك يأمرها وينهاها ويمارس عليها فريضة القوامة «بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا» أي والله هكذا جاءت في كتاب الله. إن الذكورة والأنوثة اختلاف مجرد اختلاف لا علاقة له بالتفضيل.. إن التفضيل فطرة وتكليف.. وهو أيضاً مجرد تمييز وتشريع رباني، فالمرأة مفضلة بالأنوثة والأمومة والقرار في البيت.. وهذا بعضه تكليف وبعضه تمييز. والرجل مفضل بالذكورة والإنفاق والحماية للأسرة.. وهذا بعضه تكليف وبعضه تمييز. ولكن النظام السياسي الآن يتبنى نظرة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة.. فإذا كانت الدعوة للمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة فهي مساواة مطلقة بين الذكر والأنثى وهو مخالف للنص القرآني المحكم.. وهو خلل تشريعي أدى إلى زلل وظيفي في الأمة كلها.. والمرأة عند الإنقاذ من أهل الولايات.. وهي مخالفة صريحة للنصوص ولإجماع الأمة القولي والفعلي. قال ابن قدامة «ولا تصلح للولاية العظمى ولا لتولية البلدات ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد فيما بلغنا ولو جاز ذلك لم يخلُ منه الزمان غالباً». وقد جاءت فتوى الأزهر كما يلي «الولاية العامة ومنها رئاسة الدولة قصرتها الشريعة الإسلامية على الرجال إذا توافرت فيهم شروط معينة، وقد جرى التطبيق العملي على هذا من فجر الإسلام إلى الآن فإنه... «إلى أن تقول الفتوى».. وقد كان في نساء الصدر الأول مثقفات فضليات وفيهنّ من تفضل كثيراً من الرجال كأمهات المؤمنين إلى أن يقول «.. لم تطلب المرأة أن تشرك في شيء من تلك الولايات ولم يُطلب منها الاشتراك ولو كان لذلك مسوغ من كتاب أو سنة لما أُهملت مراعاته من جانب الرجال والنساء باطراد». وقال ابن العربي جزاه الله خيراً «وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح فلا تلتفتوا إليه فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث». وهذا إجماع أهل العلم بعدم جواز توليها الأمانة والولاية والقضاء وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والأحناف، إلا أن الأحناف قالوا إنها إذا وليت القضاء فحكمت جاز حكمها وأثم من ولاها وهم جميعاً مطبقون على حرمة توليها القضاء ومن باب أولى حرمة توليها الإمامة والولاية والوزارة. أما الرواية عن ابن جرير أنها يجوز أن تتولى القضاء فلا أصل لها يُعرف ولم نرها في كتاب من كتبه ومن وجدها فليدلنا عليها. والذين نسبوه إليه من أهل العلم لم يتلفتوا إلى صحة النقل عنه لأنهم رووه ليدحضوا صحته قال الماوردي «وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ولا اعتبار لقول يرده الإجماع». هذا نقوله كلمة من باب العلم والتعلم ومن باب رد الأمر إلى أصوله الشرعية كقوله صلى الله عليه وسلم «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». كما أن القوامة في الأسرة تفضي بالضروة إلى القوامة العامة في الشأن كله.. فإذا كانت المرأة وزيراً أو قاضياً «ذكرت ولم أُونث حتى لا أقول قاضية» أو والياً أو رئيساً للجمهورية فكيف تصح قوامة زوجها عليها في الأسرة أو قوامة أبيها أو أخيها؟! مالكم كيف تحكمون. هذا كله من الزلل الذي حذر منه أهل الفقه وأهل العلم وأهل الرأي.. ولكن كيف بالله عليكم إذا كان الأمر يخدش الحياء ويخدش الرجولة؟! شهدت البارحة في قناة النيل الأزرق برنامجاً سألت الله بعده أن يمنحني رئاسة الدولة ساعة واحدة لتصبح بعدها قناة النيل الأزرق في خبر كان .. ثم عدت ووكلت الأمر إليه يقضي فيه بعلمه وكلمته وتدبيره.. شهدت مقدمة برنامج تنضح أنوثة «وليس الذكر كالأنثى» وفي أسلوب سينمائي متقدم تسقط على الشاشة بالتتالي أربعة وجوه لحسناوات لم أعرف واحدة منهنّ وظننتهنّ ممثلات ولكن بالرغم من جهلي الشديد الذي أعترف به وأعتز به فأنا لا أظن أن من بين الممثلات الموجودات في الساحة الإعلامية ثلاث أو أربع «وهذا عدد مهول» يتمتعن بكل هذه المزايا الأنثوية» والذي زاد الطين بلة أن مقدمة البرنامج ظهرت ومعها ثلاث شابات حسناوات متزينات مخضبات متحليات بالذهب.. وجعلن يتقدمن في موكب لم أَرَ قبله موكباً يُنسب إلى الجمال والأنوثة والإغراء والإغواء ولا أرى أني أشهد مثله بعده.. فلا بد أن يكنّ بعض ممثلات هوليود في ثياب نسائية سودانية.. ورأيت الخضاب .. والأساور.. والمشية.. والإدلال بالأنوثة.. فتذكرت أبياتًا من الشعر تناسب الحال.. لا تقال إلا في زوجة مفادها أن الزوجة زينت الخضاب.. ولم يزينها.. وفضحت ظلمته بلونها الذي يلمع كالشهاب.. وأصبح التبر في يديها في لون التراب والذي هالني وصدمني وزلزلني وينبغي أن يزلزل كل رجل وكل مسلم وكل حر وكل غيور أن النساء الثلاث دستوريات.. فلا هنّ من هوليود ولا من موناكو.. ولا أعرف أكثر من هذين الاسمين في عالم السينما. أليس هذا من الزلل؟ أليست هذه بائقة من البوائق؟ أنا لم أتابع البرنامج «والجواب يكفيك عنوانه» وأرجو أن يكون هذا رداً شافياً وكافياً ووافياً لكل من حدثته نفسه الأمّارة بالمعاصرة أو الحداثة أو أن الأمر فيه خلاف وأنه يقبل الاجتهاد.