هذا الكتاب هو عبارة عن عدة مقالات نُشرت في جريدة الصحافة، وهي عبارة عن قراءة لعدة شعراء في أزمنة مختلفة. وقد قدم للكتاب الأستاذ/ مجذوب عايدروس. حيث ذكر أن ما يميز هذه الكتابة أن بعضاً ممن تناولهم الأستاذ/ دخيل الله بالتعريف هم الذين تعرّف عليهم شخصياً، وقد كان الأستاذ دقيقاً في تناوله لأي شاعرٍ تحدث عنه، وقد حاول فعلاً كما قال عايدروس أن يوسع مدارك المعرفة عند القارئ بإيراد مزيد من الأشعار حتى تكون الصورة مكتملة عند القارئ. وهذا الاستشهاد الشعري يعقبه التحليل والتعقيب الذي كان بلغة سلسة وجميلة، هي نفسها أقرب للشعر، يقول عن الشاعر حاج أحمد عباس «نجده في اشعاره قد عالج إشكالاتٍ إنسانية من خلال فلسفته الكونية، في مزاوجته بين عدد من الأفكار والفلسفات ويختار الرمز والمفردة في لغة شاعرية جاذبة وكان جاداً في بناء النص الشعري رغم الرهق الفكري الذي يعتريه ويصيب جسده وحواسه. لكنه يحمل قلمه كالسيف يسطر معركة بعد معركة بصدقٍ وشجاعة» والكاتب يحاول في قراءته لأي شاعر كتب عنه أن تكون قراءته شمولية توثيقية وتاريخية فيحاول أن يجدها فرصة في أن يذكر معاصريه ومجايليه من الشعراء، وقد استفاد من دراسته للإخراج أن يكون المقال في قمة الإخراج الكتابي التوفيقي الحديث. وقد استطاع بثقة كبيرة أن يذكر تأثر الشاعر الذي يكتب عنه بمن سبقه من الشعراء وهي تدل فعلاً على قراءته العميقة والتحليلية لهذا الذي يكتب لأن مثل هذه المقارنات يتحرج منها كثيرٌ من النقاد. لأن تقنية المقارنة بين شاعرٍ وآخر تحتاج إلى معرفة جيدة ومقدرة بين الاثنين، كان الكاتب في قراءاته لعددٍ من الشعراء السودانيين متنوعاً، فلم يمل إلى مدرسة شعرية دون أخرى فقد وثق لجميع الشعراء لمدارسهم الشعرية المختلفة منهم الكلاسيكي «عبد الله الطيب والمجذوب» وشعراء التفعيلة «حاج أحمد عباس، صلاح أحمد ابراهيم، والفيتوري، ومصطفى سند، وكجراي» وعن شعراء العامية القدامى أمثال «عكير الدامر وأبو قطاطي»، ومن شعراء العامية المحدثين «عمر الدوش، صلاح حاج سعيد، السر قدور، وهاشم صديق» وقد كان متنوعاً في تناوله لكل هذه الأشعار بحيث كان همه الأول هو جماليات الشعر في كل هذه المدارس الشعرية، المتنوعة والمختلفة في أزمنتها وفي أساليبها الشعرية فلم ينحز إلى مدرسة معينة فقد كان كتب عن شعر «الدوش»، يقول: «شعره كان بحاراً من العشق والحزن، واللهفة والتوتر، والانجذاب والصدق والموقف، ويتناول الحياة بفهم الاستمرارية، فالساقية التي تغنى بها الفنان حمد الريح ولحنها ناجي القدسي تدل دلالة واضحة على جمال المفردة لديه وتعابيره الشعرية في صورة رمزية بحيث يقول في قصيدته الساقية «الساقية طاحونة الأنين، طول الليالي مدورة، تحت الهجير، تحت الظلام، تحت المطر»، ويقول عن الشاعر مصطفى سند «وقد تأثر سند بزملائه من الشعراء أمثال: محمد مفتاح الفيتوري، وصديقه محيي الدين فارس وكتب بهوى إفريقي وبهوية تبحث عن الاتجاهات الإفريقية، فقد جاءت قصيدته مقاطع إستوائية تعبِّر عن الذاتي عند مصطفى سند «بلور ضرعك يا عصير الريح، سال على النوافذ والزجاج.. مطراً كدمع الشمع يغسل مدخل الكوخ العتيق من السياج إلى السياج. قلبي تعلق بالرتاج»، وإذا كان ما يؤخذ على هذا الشعر الرائع هو غياب التوثيق للشاعرة السودانية، ولكنه عوض عن ذلك بالكتابة عن الشاعرة الكويتية الدكتورة/ سعاد الصباح.. والتي يقول عنها «إن منتوجها الشعري يشكل نقلة كبيرة في الشعر الحديث. بزّت فيه عمالقة شعراء العرب وذلك لأن الصورة الشعرية في قصائدها مدهشة وتعبر عن ما هو إنسانٍ في تجردٍ ونكران ذات لأنها تحب الانتماء للفقراء من الأمة العربية، وبرغم رغد العيش لديها وأنها من أسرة مالكة ولكنها لم تركن، إنما فجّرت دواخلها ومواهبها من أجل الإنسان العربي، وفي أشعارها تمردت على القبيلة والتقاليد في الحب والزواج، وأرادت أن تكون هي سعاد الصباح والتي ملأت العالم شهرة وجسارة عربية أصيلة عندما تقول «يا سيدي مشاعري نحوك، بحرٌ ما له سواحل، وموقفي في الحب لا تقبله القبائل.. يا سيدي أنت الذي أريد، لا ما تريد تغلب ووائل.. إن الذي أحبه، ولا يهم مطلقاً إن حللوا دمي واعتبروني امرأة خارجة عن سنة الأوائل»، إن مثل هذه الدراسات تحتاج لها المكتبة السودانية بشدة، حيث موسوعية المعرفة والدراية بالشعر السوداني قديمه، وحديثه، وعاميه وفصيحه، وحيث تدل على وعي الكاتب وانفعاله بمن يكتب عنهم والمسافة الجمالية التي تقرب بينهم وبين المتلقي وتحتاج أيضاً إلى أن يواصل الكاتب فيما بدأه من تحليلٍ وتوثيقٍ وتأريخٍ للشعر والأدب السوداني.