لم يعد المتسولون في السودان كما كنا نعرفهم يطلبون الإحسان والصدقات في الشارع العام والمساجد والمستشفيات، كما أنهم صاروا «أفندية من الدرجة الأولى» بحكم مستوى دخلهم الكبير والذي يتراوح لأضعف الفئات منهم ما بين ألفين إلى ألفين ونصف في الشهر، بل تعددت وسائل التسول واختلفت وامتزجت مع الاحتيال والغش الماكر والساذج مستغلاً في ذلك العطف الكبير الذي يتميز به التكوين السوداني.. «الإنتباهة» رصدت هذه الظاهرة بمفهومها الجديد وتحصلت على معلومات خطيرة ومذهلة وضعتها أمام القائمين بأمر مكافحة الظواهر السالبة بشرطة أمن المجتمع، معاً نطالع القضية كما رصدناها ومن ثم نستمع لإفادات شرطة أمن المجتمع. ٭ شبكات منظمة: كشفت مصادر بالرعاية الاجتماعية عن شبكات منظمة تعمل في مجال التسول حيث تبدأ الرحلة في العاصمة مع بزوغ الفجر فتدخل مجموعات كبيرة منهم وترسو على مجمعين كبيرين عند دوران مستشفى الخرطوم ومنطقة بري وهم على مركبات مختلفة وبمختلف الأعمار التي تبدأ من رضيع إلى الثمانين من عمره، وتندرج الأعمار ما بين ذلك فتجد النساء والفتيات والشباب وغيرهم يتحركون بانتظام متناهي الدقة حيث يعرف كلٌّ منهم دوره ومستحقه وواجباته ومنطقته، وكشفت المعلومات أن الأطفال الذين يعملون في هذا الحقل تتفاوت أدوارهم فهناك من هو مستأجر «رضيع» تحمله امرأة لا علاقة لها به وهذا يعمل بنظام الساعة وآخر مستأجر ليرافق مسناً يقوده «صبي» وآخر يعمل بالنسبة طفل «6 8» ليتسول بنفسه عند الإشارات المرورية وأن هذه الشبكات تدير مليارات الجنيهات من هذه المهنة كما أنه يتم توظيف الجميع حسب إمكاناته الدرامية وإعاقته التي غالبًا ما تكون مصنوعة ومتعمدة. ٭ غريبة جداً: نتطرق لبعض النماذج الغريبة وللأنماط الجديدة التي طرأت على التسول، ففي مسجد معروف وبعد الصلاة مباشرة وقف رجل في الستين من عمره وهو مهترئ الملابس، شاحب الوجه، تظهر من بين جلبابه المتسخ «قسطرة» وممتلئة لنصفها ويقول بصوت عالٍ ويقسم بالله إنه هرب من المستشفى لعجزه عن مواصلة العلاج ويحتاج من المصلين إلى عونه فتدافع الجميع نحوه وأحسنوا إليه بل قام أحدهم وبشهامة سودانية وقال له يا حاج فلتعد إلى عنبرك وسأقوم بإيصالك وعلاجك في الحال، لحظتها اضطرب الرجل وبدأ مشغولاً بجمع المال.. كان بين المصلين طبيب حاذق سأل المتسول أمام المصلين: في أي مشفى تتعالج؟ فلم يرد فقال الطبيب: إنت كذاب فهذه القسطرة لا تسمح لك بالحركة خارج المستشفى كما أنها لا تكون إلا تحت الرعاية الطبية.. على العموم تمكّن الطبيب من معاينة المريض داخل المسجد فإذا به يجد القسطرة مربوطة على «تِكة السروال»، تضجر المصلون وقالوا له يا كذّاب قد تنجس المسجد بهذه القسطرة، فقال لهم ما تخافوا ملأتها بعصير تانج. نتابع...