الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اندلاع السلام (نيفاشا) الحلقة 18
نشر في الانتباهة يوم 04 - 02 - 2012

بينما كان الصراع ينفجر في دارفور كان كلٌّ من الكونغرس والحكومة الأمريكية منزعجين لعدم إحراز تقدم في المحادثات وللطريقة التي تعاملت بها الحكومة السودانية في الجولة الأخيرة. وكان الكونغرس قد بدأ أيضاً في النظر في التدابير التي يمكن اتخاذها لممارسة ضغوط إضافية على الخرطوم فقد طلب اثنان من أعضاء الكونغرس، هما «دونالدم. باين» و «توماس تانكريدو»، في رسالة إلى الرئيس بوش، التحقيق في تورط إثناء عشر مسؤولاً سودانياً في دعم الإرهاب على مدى العقد الماضي، بما في ذلك محاولة لاغتيال الرئيس مبارك في مصر، وقد تم تعميم قائمة بتلك الأسماء في الكونغرس، وكان اسم طه على تلك القائمة، كانت هناك شائعات عن أدلة قوية ضده، وفي حين قادت هذه الخطوة إلى لفت الانتباه إلى دارفور، فقد كانت أساساً محاولة من جانب البعض في الكونغرس لاستدامة التركيز على اتفاق السلام في الجنوب.. لقد قاد نشر وإشهار الماضي المريب للعديد من الرموز البارزة في حكومة الخرطوم إلى تمكين الإدارة الأمريكية من التلويح ببعض «العصي» حيث كان يهدف هذا الفعل إلى زيادة الضغط على عثمان شخصياً، وكان من المقرر في الأصل عقد جلسات استماع في الكونغرس في 10 فبراير، حيث تم تأخيرها في وقت لاحق حتى أواخر فبراير حين كان قانون سلام السودان معروضاً للتجديد.
اتصلت بعلي عثمان محمد طه عند عودته من مكة، لتهنئته بأداء فريضة الحج، عارضة عليه تفسيري لما كان يجري في الكونغرس الأمريكي. وقد شمل العرض كلاً من الأسئلة التي أثيرت حوله شخصياً إلى جانب موضوع اتخاذ الإجراءات العقابية قيد النظر. وكان يبدو أن أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم «متشددون» في الكونغرس هم من كان يسعى إلى زيادة الضغوط.. وربما كان علي عثمان على بينة من أمر جلسات الاستماع المقررة، لكنني قدمت له رغماً عن ذلك تحليلاً استند إلى مصادري الخاصة ونقلت له أيضاً قلق ومخاوف الحركة الشعبية بشأن الطريقة التي كانت قد انتهت بها الجولة الأخيرة من المحادثات، كان من الواضح أنه في حاجة إلى أن يثبت لهم جميعاً أنهم كانوا على خطأ، وأن يعيد التواصل مع دكتور جون، وأن يستأنف الشراكة التفاوضية، بالنسبة لي كان استخدام هذه المعلومات في محاولة لتغيير الأمور، يشكل أمراً حاسماً حتى يمكن لعلي عثمان محمد أن يتفهم أن الطريقة الأكيدة لمواجهة هذه التطورات هي التحرك بسرعة على جبهة المفاوضات وإظهار التزامه المتجدد بالمحادثات.
سعيت جاهدة لقيام مفاوضات لوقف إطلاق النار في دارفور، كما سعيت إلى أن ينخرط هو شخصياً في تغيير سياسات الحكومة في المنطقة الغربية من البلاد، ولم يلزم طه نفسه بذلك بعد أما حول المفاوضات فقد كرر التزامه وطمأنني بأنهم سيعودون للجولة المقبلة في 17 فبراير.
عقدت مؤتمراً هاتفياً مع النائب الأول للرئيس في 13 فبراير، في ذلك الوقت كان الرئيس البشير قد سبق له اطلاق إعلان دارفور، وحدد معالم الخطوات السياسية التي ستُتخذ، تضمنت تلك الخطوات العفو العام، والسيطرة على السلاح في المنطقة، وفتح ممرات للمساعدات الإنسانية، وعودة اللاجئين والنازحين، وتيسير تقديم المساعدات الإنمائية، عبرت عن إشادتي بتلك الخطوات، لكنني أكدت على ضرورة تعضيدها بعملية سياسية عاجلة تتضمن إجراء محادثات مباشرة مع الجماعات المتمردة، ونصحت طه بالاستفادة من وجود مسؤولين من كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة في الخرطوم وقتها لمناقشة أزمة دارفور.
كان واقع الاستهداف الشخصي لطه في واشنطن لتورطه في أنشطة إرهابية، ينبئ بخطورة الوضع وضرورة التحرك على كل من محور محادثات الإيقاد ومحور العملية السياسية في دارفور، كان علي عثمان مسيطراً على أعصابه، لكن كان بإمكاني أن أسمع، عبر الهاتف كيف كان غاضباً وناقماً، قال بحدة عالية إنه ليس لديه ما يجعله يشعر بالخجل وأشار إلى شارلي سنايدر والإدارة الأمريكية، قائلاً إن الأسلوب الذي يتعاملون به مع هذا الجزء من العالم لا يمكن القبول به وإذا ما أصروا على هذا النوع من السلوك فإنهم لن يصيبوا نجاحاً، لن يتم ترهيبي، ليس من قبل الكونغرس الأمريكي ولا من قبل أي شخص آخر». وقال إن بامكانهم أخذه إلى غوانتانامو إذا ما أرادوا ذلك.
لم أكن أعرف وقتها أن تلك كانت إشارة إلى محادثة كانت قد جرت في وقت سابق مع دكتور جون وكان دكتور جون عندما قررا سوياً أنه لن يكون هناك حفل بحديقة الورود في 20 يناير، قد قال له مازحاً: «لا أدري ماذا سيفعلون بي أنا، لكني أعرف بالضبط ماذا سيفعلون بك: سيرسلونك إلى غوانتانامو»، وضحك كلاهما في ذلك الوقت.
علاقة في خطر
مع اقتراب استئناف المحادثات حاولت تمهيد الطريق عبر مناقشات طويلة على الهاتف مع كل من علي عثمان ودكتور جون: فقد كان في رأيهم، أن اتفاقاً مبدئياً حول القضايا الرئيسية ذات الصلة بجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق قد تم التوصل إليه قبل انقطاع الجولة الأخيرة، وأن الخلافات المتبقية حول بعض المسائل مثل التعريف الجغرافي لجبال النوبة، كان من الممكن تسويتها.
ولم يتم إحراز أي تقدم بشأن أبيي، حيث كان الرأي السائد ما زال هو أن الحكومة كانت قد انسحبت فقط من المحادثات.
عبّر لي دكتور جون بصورة شخصية عن قلقه من أن الخرطوم عازمة على المماطلة وكسب الوقت، إذ أن حالة «اللا حرب واللا سلم» ستعود بالنفع على الحكومة طالما أنها ستستمر في جني الدخل من حقول النفط، كما ستكون قادرة على استكشاف واستغلال المزيد منه قبل أن يصبح اتفاق السلام حقيقة ماثلة فبعد الوصول لاتفاق ستضطر الحكومة إلى اقتسام الموارد مناصفة مع الجنوب، لذلك فإن هنالك في الواقع حافزاً مالياً سالباً للوصول إلى تسوية في وقت قريب، وربما تكون لدى الحكومة رغبة قوية في الاسترسال في المحادثات في نيفاشا لتشتيت الانتباه عن العمليات العسكرية في دارفور، رفض علي عثمان بشكل صريح أى تكهنات من تلك الشاكلة حول التزام الحكومة، حيث أبان بما لا يدع مجالاً للشك أنهم يريدون اتفاقاً عاجلاً دون أي مزيد من التأخير.
أبلغني علي عثمان في هذه المرحلة أنه يقوم ب«تهدئة المشاعر» في الخرطوم حول الترتيبات الأمنية وتقاسم الثروة، والمناطق الثلاث. وأنه ليس لديه مصلحة شخصية على الإطلاق في تأخير المفاوضات، إلا أن إدارة السيكولوجية الشعبية في الخرطوم والاستجابة لها، كما قال، كانت تمثل تحدياً وقدم علي عثمان إشارات جديدة بشأن دارفور حيث أبان أنه يريد حلاً سياسياً وأنه يمكن تحقيق ذلك من خلال عقد مؤتمر لعموم دارفور بجانب توفير الضمانات الأمنية وكان «روجر وينتر» و«تشارلي سنايدر» في هذا الوقت يتابعون أمر إنشاء صلات مع زعماء المتمردين، حيث أشار علي عثمان إلى أنه سيكون مستعداً للعمل معهم، وفي حقيقة الأمر فقد كان الأمريكان قد أجروا حديثاً معه في صباح ذلك اليوم، فقمنا بتبادل الآراء والمعلومات.
وبينما كان علي عثمان يحاول تهدئة الوضع في الخرطوم، كان على دكتور جون الإبحار في مياه صعبة ومخادعة في التحالف الوطني الديمقراطي.
وكان قد سبق لمحمد عثمان الميرغني وطه العزم على افتتاح المفاوضات حول تنفيذ بروتوكول جدة الذي تم توقيعه في 4 ديسمبر 2003م بين الحزب الحاكم والحزب الاتحادي الديمقراطي، كان من شأن هذا الأمر، في آخر المطاف، إحداث انقسام في تحالف المعارضة، وهو ما لم يكن يصب في اتجاه مصلحة الحركة الشعبية وكان الميرغني قد طلب من الحركة الشعبية والحكومة تمثيل التحالف في الجولة المقبلة من المحادثات حول تقاسم السلطة وفي الوقت الذي ذهب فيه قرنق إلى أسمرا لتهدئة المياه، كان التحالف على حافة الانهيار.
أصر قرنق على أن الحركة الشعبية لا تزال ملتزمة بالكامل بالتحالف والذي سيكون جزءاً من أي ترتيبات لاقتسام السلطة في الشمال، وقام الميرغني، الذي كان يريد إبعاد دكتور جون من الطريق بتنظيم احتفاليات وداع له في أسمرا، لمعرفته بأنه كان يجب عليه اللحاق بالطائرة في الوقت المحدد للرحلة للذهاب إلى المحادثات في 17 فبراير، لكن قرنق اشتم رائحة المؤامرة، فتخلف عن الرحلة وقام باستئجار طائرة في الوقت المناسب تماماً للوصول إلى نيفاشا.
وبحلول ذلك الوقت كان الوضع تحت السيطرة. وكان التحالف قد وافق على المبدأ الفضفاض لبروتوكول جدة القاضي باقتسام السلطة بين الأحزاب السودانية ولكنه قام بتعديل كبير في المحتوى، وقد تم ادخال حركة/ جيش تحرير السودان وهي حركة متمردي دارفور، في التحالف وأنشئت لجان جديدة للجولة المقررة من المحادثات حالما يتم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية حيث من المتوقع لها الآن أن تكون في مارس.
الوسيط
كان باستطاعة دكتور جون قرنق أن يحس متى يكون علي عثمان محمد طه على وشك الانسحاب من المفاوضات وهو تكتيك اعتاد علي عثمان محمد طه على استخدامه.
حينها يصبح علي عثمان مراوغاً وانسحابياً، كانت تلك هي اللحظات التي سيتصل بي فيها دكتور جون ليقول: «أعتقد أن علي عثمان يهم بالمغادرة، يجب عليك أن تحمليه على البقاء، أو أن علي عثمان نفسه ينقل لي شعوراً معيناً بالقلق ونفاد الصبر والإنهاك، «سأرجع إلى الخرطوم لفترة من الوقت هذا يكفي، إذا لم يتمكنوا من التحرك بشأن هذه المسألة أو إذا لم تتمكني من حمل جون على تعديل موقفه، فإن ذلك يكفي لست متأكداً من أنني سأعود». لم تكن التهديدات تُجدي دائماً كان دكتور جون نظيراً يتمتع بالقدرة على البقاء، ليبدأ تماماً من حيث كانا قد توقفا، من منظور المفاوضات كانت أية خسارة للوقت غير مفيدة، لذا فإنني عادة ما أتفق مع دكتور جون قرنق على أن الانقطاع لن يساعد في دفع الأمور إلى الأمام، كنت في تلك الحالات أقوم بإقناع طه بنفسي، أو أعمل على حشد الدعم من قبل الشركاء في الترويكا، كنا ننجح في بعض الأحيان ونفشل في أحايين أخرى، كما حدث في أواخر يناير 2004م كان ذلك الخليط من تكتيكات «رحيل» علي عثمان وميل دكتور جون للتمهل في ما يقول أو يفعل، وانتظاره لنظيره حتى ينتهي وقدرتهم معاً على التحمل المتبادل قد سحب المحادثات في نهاية المطاف لفترة أطول بكثير مما كان متوقعاً وفي نهاية الأمر، كانت المسؤولية عن هذا الأمر تقع على عاتق كلٍّ من الطرفين. في هذا المنعطف عند عودتهم في فبراير، كانت عوامل ودوائر أخرى قد أثرت أيضاً في المفاوضات كانت الضغوط التي مورست على دكتور جون من كبار أعضاء وفده عظيمة فقد كان عليه التفاوض باستماتة حول المناطق الثلاث.
وفي نفس الوقت كانت الحركة تدرك أنها يمكن أن تستفيد من «الطرق بقوة» على هذه القضايا في الوقت الذي كانت فيه الضغوط الدولية على الحكومة تتصاعد نتيجة للحرب في دارفور، فلربما يساعدهما هذا الضغط في التوصل إلى حل مقبول لقضية المناطق الثلاث، بيد أن دارفور كانت قد تبدلت بطريقة مختلفة على الجانب الحكومي فقد كان القلق بشأن المناطق الثلاث لم يزد إلا نتيجة لأزمة دارفور: وكان الجانب الحكومي يخشى أن يدفع به كرهاً لقبول اتفاق يشمل جميع المناطق المهمشة، مع احتمال تضمين دارفور والشرق، من شأنه أن يؤدي إلى تفتيت البلاد حدا هذا الأمر بموقف الحكومة بشأن المناطق الثلاث لأن يكون حتى أكثر تشدداً من ذي قبل.
على الرغم من هذه التحديات كان كل من علي عثمان ودكتور جون ملتزمين بإنهاء المفاوضات وبالقيام بذلك شخصياً بعد شهور عديدة اضحا قادرين على استشعار أمزجة بعضهم البعض، والتي كان من الواضح أنها كانت تتقلب علواً وهبوطاً أثناء المفاوضات كان كلاهما، حين يستعصي عليه أمرٌ ما تنتابه حالة من النزق وحدة الطبع، وكان كلٌّ منهما مزوداً بمعلومات جيدة عن الطرف الآخر، كان بإمكاني إدراك هذا الأمر دائماً عبر محادثاتنا الهاتفية العديدة، فقد كانت معظم تعاملاتي التي أجريتها مع الأطراف تتم عن طريق الهاتف، خلال زياراتي لنيفاشا، كنت أراوح جيئة وذهاباً بينهما، حيث كنت ألتقي كلاً منهما على انفراد، وباستثناء اللحظات الأولى لبداية أي اجتماع لم يكن يرافقني المبعوث النرويجي الخاص أو أي من موظفينا، أو مراقبينا أو وسطائنا، كان من شأن ذلك أن يجعل الزعيمين أكثر تحفظاً ويجعل الاجتماع بالتالي أقل فعالية، عند هذه المرحلة كنت قد تمكنت من بناء قدر من الثقة مع كل من دكتور جون وعلي عثمان كانت تنطوي على درجة عالية جداً من الشفافية ولكن كان كلاهما يدرك التنسيق الوثيق وتبادل المعلومات داخل الترويكا إلا أنه وفي بعض الحالات كان يقتضي الأمر أن يتم تدبر مقترحات الحلول الممكنة في سرية كاملة، كما هو الحال مع المناقشات التي دارت حول دارفور، والتي لم أشرك فيها أي شخص في هذه المرحلة.
خلال هذه المناقشات الخاصة تمكنت من التعرف حقاً على الزعيمين كنت بعد الحصول على إحاطة سريعة حول المستجدات من فريقي، كثيراً ما أذهب إلى رئيس الحركة الشعبية أولاً للوقوف على وجهة نظره بشأن الوضع المتعلق بقضايا بعينها وعادة ما أكون جيدة الإلمام بالموضوع سلفاً عن طريق فريقنا المشارك في المفاوضات وعن طريق المكالمات الهاتفية المتكررة التي أجريها، بجانب المخبرين من كلا الجانبين، «كان أحد أفضل الناس إلماماً، وهو الذي ظل يزودنا باستمرار بالمستجدات عبر معلومات دقيقة بشكل مدهش، هو كول دينق كان يمتلك معلومات جيدة بشكل مذهل عن الجانب الحكومي وكان في نفس الوقت قريباً جداً من قيادة الحركة الشعبية» كنت أحصل في العادة على إلمامه بآخر المستجدات من دكتور جون لزنقل له، من ثم، نتائج آخر مناقشاتي مع علي عثمان وكنت أقوم بعد ذلك بمناقشة الحلول الممكنة معه قبل الانتقال إلى نظيره يكون النائب الأول للرئيس في بعض الأحيان بمعية موظفيه أو أعضاء وفده لأول نصف ساعة أو نحو ذلك من اجتماعاتنا لكن يكون الوقت للعمل بعدها كنا كثيراً ما نواصل لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات، وبعد عدة جولات في نيفاشا أصبحت وسيطاً موثوقاً به.
خلال هذه المرحلة اللاحقة تعرف الزعيمان على بعضهما البعض بشكل جيد للغاية كانا يقولان مازحين بأنهم قضوا على الأرجح من الوقت معاً أكثر مما قضوه مع زوجاتهم وعائلاتهم، لقد أفلحا في تنمية الإحساس بالزمالة والشراكة الوجدانية بينهما، ورغماً عن ذلك ففي كل مرة تتم فيها فترة انقطاع طويلة في المفاوضات كان دكتور جون يقول لي إنه كان عليهم «إحماء» العلاقة وبث الدفء في أوصالها مرة أخرى، حيث كان غالباً ما يمر يوم أو يومان أو ثلاثة قبل أن يكون بوسعهما العودة لمتابعة العمل لكن حالما عادا إلى العمل سينصب كل تركيزهما على إنجاز المفاوضات، خلال هذه الفترات التي كان فيها العمل أكثر كثافة، كنت مسبار الأفكار والرؤى فحصاً لأغوارها في مراحلها الأولى قبل الخروج بها إلى الملأ، وكنت «حائط المبكى» «حين يكون الطرف الآخر مجانباً للعقلانية»، وكنت الميسر وأحياناً كنت الوسيط غير الرسمي، كنت أتقدم في كثير من الأحيان باقتراح أو اثنين حول كيفية المضي قدماً عندما يستعصي الأمر ويظل كلاهما عالقاً، أو أتقدم بحل محتمل لإحدى القضايا الصعبة، كنت في بعض الحالات أتفق مع علي عثمان حول أن الحركة قد تمادت كثيراً أو أن عليها تعديل موقفها، حيث سأمارس الضغط على رئيسها، في حالات أخرى كان يحدث العكس، كانت الحكومة وعلي عثمان يعرفان أين تكون مواضع أقدامي، لقد كنت أريد سلاماً عادلاً للسودان في الوقت نفسه، بذلت كل ما بوسعي كي أكون وسيطاً نزيهاً، كانوا يعرفون من أين أتيت وما هي «أجندتي» لم أكن أمارس أي نوع من الألاعيب كان السبب وراء انصراف الحكومة «وعلي عثمان على وجه الخصوص» نحوي وانخراطها معي في هذا العمل، هو بطبيعة الحال أن لدي القدرة على ممارسة الضغط على الحركة الشعبية كانت قلة قليلة جداً من الناس في وضع يمكِّنها من القيام بذلك بطريقة فعّالة في نفس الوقت لم أكن أداة يمكن لهم استخدامها في تحقيق مراميهم.
كان لديّ آرائي الخاصة حول ما يمثل حلاً عادلاً، وكنت أحدثهم عن ذلك، ولم أكن أعاني من أي عمى فيما يتعلق بدكتور جون وبالحركة الشعبية، ففي بعض الأحيان يمكن أن أكون من بين أشرس منتقديهم، انتهى بي الأمر ربما كأفضل المشاركين في المفاوضات إحاطة بجوانب القضية التي تعالجها تلك المفاوضات ولدهشتي، كنت غالباً ما أكون أفضل إلماماً ومتابعة من أولئك الحاضرين في المفاوضات الرسمية، كان علي في مناسبات عدة إطلاع الجنرال سيمبيو وحتى المراقب الذي يمثلنا على آخر المستجدات.
في رسالة عبر البريد الإلكتروني ترجع لهذه الفترة كنت قد نصحت ضد دفع الترويكا بعناصر رفيعة المستوى إلى المفاوضات قائلة:
«لقد تكشف لي مراراً وتكراراً أني كنت أفضل إلماماً بالمفاوضات ومتابعة لها من أيٍّ من ممثلي الترويكا في نيفاشا، هذان الشخصان، علي وجون، لا يكشفون أمرهم لسواهم، وغالباً ما يحتاج المرء إلى أن يُطلعوه هم شخصياً على مستجدات الأمور لتتسنى له معرفة ما يجري وغالباً ما يكون هذا الأمر أكثر يسراً على الهاتف منه على موقع الحدث فإلى حد ما، حتى أعضاء وفود التفاوض ليسوا على علم تام بكل ما يجري.
وذكرت كيف كان عليّ أن أفحص وأدقق مع الزعيمين أنفسهم في المعلومات والتقارير التي تصل من فريق المراقبة، وأن هذه المعلومات لم تكن دائماً صحيحة، هذا مثال آخر على الكيفية التي كانت بها المفاوضات مغلقة وشخصية، لقد قام الزعيمان بانجاز معظم المهمة بأنفسهم، في الوقت نفسه كانوا يقومون بإحاطة فرقهم الخاصة علماً بما يجري ويحددون لهم ما يليهم من مهام، وكان كل من علي عثمان ودكتور جون يعقدون لقاءات منتظمة، يومية في كثير من الأحيان، مع أقرب مستشاريهم ومفاوضيهم لإطلاعهم على آخر المستجدات حتى يضمنوا أن هؤلاء المستشارين والمفاوضين ملمون بما يجري ومتابعون له.
اعمل أو فغادر
لم يقدم علي عثمان على أي تنازلات في نيفاشا دون دعم من رئيس الجمهورية وقيادة الحزب، ولم يكن هنالك أدنى شك رغماً عن ذلك، في أنه كان يسيطر على هذه العملية ويديرها، وأنه قد قام بالفعل باستثمار سيرته السياسية فيها وكان دكتور جون مدركاً لذلك التوتر في العلاقة، وكان يشير مازحاً إلى الشراكة التي سيطورانها هما الاثنان حالما يتم التوقيع على اتفاق السلام، وحتى عن الحد الزمني لفترة حكم الرئيس البشير، وينظر كثير من الناس للدكتور جون كصانع ملوك محتمل، كما أشار آخرون إلى أن الاتفاقية التي يجري التفاوض حولها قد تم تصميمها بطريقة تضمن استمرار الشراكة بينهما بعد تطبيقها وهو سيناريو لعب فيه كلاهما أدواراً رئيسية.
تواصلت المحادثات بشأن أبيي والمشورة الشعبية في المنطقتين الأخريين، حثثت علي عثمان وقرنق على تحديد مواعيد نهائية صارمة لاستكمال هذه المحادثات بعد مناقشة هذا الأمر مع تشارلي سنايدر وسيمبيو، تم تحديد 16 مارس موعداً لنهاية الجولة، وكان من المقرر عقد جلسات استماع في الكونغرس حول السودان في 11 مارس التزم الزعيمان بجدول زمني صارم والتأمت لجنة أبيي، وناقشت خيارات مختلفة، استقبلت الحركة أحدها بإيجاب بينما قام الجانب الحكومي، بعد استشارة الخرطوم برفضه، وبالمثل فبينما قام علي عثمان بتزكية ورقة أبيل ألير كأساس للتوصل إلى اتفاق، كان دكتور جون يرى أنها غير مقبولة فبالنسبة لدكتور جون فإن الحكومة تبدو الآن أكثر اهتماماً بإنشاء شراكة سياسية مع الحركة الشعبية في المستقبل بدلاً من حل القضايا الملحة المطروحة.
بعد أكثر من أسبوع من المحادثات غير المثمرة حول أبيي، كان من الواضح أنه لم يكن هنالك أي تقدم، كتبت في ملاحظاتي على محادثاتي الهاتفية مع دكتور جون وعلي عثمان «لم يتم إحراز تقدم»، و«أصبحت قلقة للغاية». كانت هنالك ثلاثة خيارات قيد النظر، الأول هو مقترح الحركة الشعبية حول الأمر الإداري حيث ستضم المنطقة إلى بحر الغزال، وبالتالي إلى الجنوب، وستكون هنالك لجنة لتسوية المسائل الحدودية وبموجب الاقتراح الثاني، فإن أبيي «المبتورة» بعد اقتطاع جزء منها ستتمتع بوضع إداري خاص تحت رئاسة الجمهورية في صفقة شاملة حول الموارد النفطية، أما الخيار الثالث، وهو مضمن في وثيقة ناكورو لكنه لم يقدَّم رسمياً، فيقترح إجراء استفتاء في أبيي بجانب تكوين لجنة دولية لترسيم الحدود، في فبراير وأوائل مارس، لم يكن أيٌّ من الطرفين يريد حقاً ذلك الخيار الأخير.
نظرت من على البعد إلى المقايضات بين قضية أبيي وغيرها، فمن وجهة نظر علي عثمان يمكن الالتزام بالشراكة السياسية بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أن يوازن التنازلات بشأن أبيي، أجبته بأن إحراز تقدم بشأن أبيي يجب أن يحدث أولاً، توقعت أيضاً أن من المحتم أن يتم اقتراح إجراء استفتاء ما لم تتقدم الحكومة ببديل مقبول للحركة الشعبية: «ليس هناك اتفاق من دون هذه» قلت ذلك لعلي عثمان مشيرة إلى أبيي، يمكنك تجاهلها إلا أن الجحيم سوف ينفجر» لقد مارسنا نحن جميعاً التهديد والمداهنة لكن كل ذلك لم يصب نجاحاً لقد كانت دوائر التأثير على الجانبين أقوى بما لا يقاس.
طلب مني كل من علي عثمان ودكتور جون أن احضر إلى المفاوضات لرؤية ما يمكن أن افعله للمساعدة، كان يبدو من المؤكد أن هنالك ضرورة لمساعدة خارجية في آخر حديث هاتفي لي مع علي عثمان قبل الذهاب إلى نيفاشا قلت له «لن تكون هذه القضية سبباً لانهيار الاتفاق، إذ لن يفهم أحد أن مصير ثلاثين مليون نسمة سيكون رهناً لمساحة يقطنها «100.000» من الدينكا وبعض الأبقار والإبل التي ترعاها حفنة من عائلات قبيلة المسيرية، هذا غير ممكن» ولكن نحن جميعاً نعلم بالطبع أن القضية كانت تتعلق بالنفط بقدر ما كانت تتعلق بالتاريخ والحقوق العرفية، أصررت على الوصول لاتفاق قبل 16 مارس، وحذرت من أنه دون إحراز أي تقدم بحلول 11 مارس، فلن يكون من المستبعد أن تنظر أمريكا في فرض تدابير قسرية.
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.