تحالف قوى الحرية والتغيير يُظهر ليونة أكبر في التعاطي مع استحقاقات السلام وطلبات الحركات المسلحة. العرب اللندنية – منح تمديد مفاوضات السلام بين الحكومة الانتقالية السودانية والجبهة الثورية (تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية)، لمدة ثلاثة أسابيع قابلة للتجديد، الفرصة لبحث استكمال بناء مؤسسات المرحلة الانتقالية، بعد أن دخل الطرفان بمشاركة وفد من قوى الحرية والتغيير، الاثنين، في مباحثات "جادة" للتوافق حول إمكانية تكليف ولاة جدد وتشكيل مجلس تشريعي. وأظهر تحالف قوى الحرية والتغيير في الفترة الأخيرة ليونة أكبر في التعاطي مع استحقاقات السلام وطلبات الحركات المسلحة. ويربط متابعون هذا التغير باستشعار القوى الممثلة لهذا التحالف المدني الذي قاد الحراك الاحتجاجي في السودان، خطر تآكل رصيدها السياسي والشعبي لفائدة قوى أخرى، بسبب تصلب مواقفها في بعض الملفات وعلى رأسها ملف السلام. وكانت قوى التغيير تتمسك بتسريع عملية تشكيل مجلس تشريعي وتعيين ولاة جدد وعدم رهن هذه المسألة بملف السلام وهو الأمر الذي رفضته بشدة الحركات المسلحة، التي تطالب بأن تكون مساهما رئيسيا في هذين الاستحقاقين. وأكد عضو لجنة وساطة دولة جنوب السودان، ضيو مطوك دنيق، أن تمديد سريان المفاوضات سيستمر حتى 7 مارس المقبل، على أن يشهد الأسبوع الأول معالجة موضوع تعيين الولاة، وتشكيل المجلس التشريعي خلال الأسبوع الأول من الفترة الممددة ذاتها دون المساس بسير التفاوض في المسارات المختلفة. وانتهت الفترة المقررة لمفاوضات السلام، السبت، استنادا على إعلان جوبا لإجراءات بناء الثقة والتمهيد للتفاوض الموقع في منتصف سبتمبر الماضي، وبدا واضحا أن هناك رغبة في عدم السماح لمزيد من استهلاك الوقت بعد 6 أشهر من انطلاق المباحثات في جوبا، باعتبار أن إطالة المفاوضات تخصم من رصيد السلطة الانتقالية. وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير، نورالدين صلاح الدين "طرحنا إمكانية تكليف، وليس تعيين، ولاة لفترة محددة تنتهي بنهاية مفاوضات السلام، مع إمكانية إدخال تعديلات على الأسماء المطروحة وفقا لما تراه الجبهة الثورية وتقتضيه ضرورة المرحلة، واقترحنا تشكيل المجلس الانتقالي من دون شغل المقاعد المخصصة للجبهة الثورية لحين انتهاء مفاوضات جوبا". وأضاف ل"العرب" أن المباحثات ستتركز خلال الأسبوع الجاري على نسب تمثيل الحركات المسلحة داخل قوى الحرية والتغيير التي لديها 200 مقعد بالمجلس التشريعي، من إجمالي 300 مقعد، لكن خط سير المباحثات يمضي في طريق التوافق حول هذه النسب. وكان من المقرر الإعلان عن تشكيلة المجلس التشريعي في 17 نوفمبر الماضي، وفقا للوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية، لكن تفاهمات تم التوصل إليها بين الحكومة السودانية والقوى المسلحة في ديسمبر، أدَّت إلى تأجيل الخطوة لحين التوصل إلى اتفاق سلام شامل. ودار خلاف بين الجبهة الثورية وقوى الحرية والتغيير بشأن قضية تعيين الولاة، حيث تريد الثانية التعجيل بها في محاولة لاستعادة الأمن والاستقرار، كي لا يصبح منصب رئاسة الولايات في أيدي قوى مناهضة لمبادئ الثورة، في حين رأت الجبهة ضرورة منع حدوث المزيد من الهيمنة لقوى الحرية والتغيير على مفاصل السلطة في الأطراف. وأضحى السودان بحاجة إلى استكمال مؤسسات بناء الحكم الانتقالي في أعقاب الاشتباكات المتقطعة التي وقعت في عدد من الولايات، ووجهت القوى المدنية أصابع الاتهام إلى ولاة تلك الولايات لعدم تدخلهم بحسم للتعامل مع الحوادث التي طغى عليها الجانب الأمني وليس القبلي، وبالتالي فإن تعيين ولاة محسوبين على الثورة يسد أحد منافذ عرقلة مفاوضات السلام. ويحقق وجود المجلس التشريعي في هذا التوقيت التوازن الذي تسعى إليه قوى الحرية والتغيير بين المكون المدني والعسكري، في ظل قضايا عديدة بحاجة للعمل فيها على المستويين القانوني والتشريعي، وتجلى ذلك في إعلان تجمع المهنيين ترك مهمة تحديد الصلاحيات الخارجية للحكومة الانتقالية ومجلس السيادة للمجلس التشريعي. ويدخل التوافق على تعيين الولاة وتشكيل المجلس التشريعي ضمن خطط أكبر تسعى نحو لملمة صفوف "قوى الثورة" من جديد، والبحث عن أدوار فاعلة تساهم في إزاحة العراقيل الموضوعة أمام رئيس الحكومة عبدالله حمدوك. وأكد نورالدين صلاح الدين أنه تم تشكيل لجنة سياسية تتولى مهمة إعادة هيكلة التحالف الحكومي ومكانة الجبهة الثورية داخلها، ونجحت مباحثات جوبا في أن تقنع الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو بأهمية تكليف الولاة وتعيين المجلس التشريعي. وتعاني قوى الحرية والتغيير التي تضم حوالي 80 حزبا وحركة وتنظيما مهنيا، تمثل ثلاثة مكونات رئيسية في جسمها، من تفكك في جسمها السياسي إثر خلافات اندلعت بشأن إدارة المرحلة الانتقالية ما أدى إلى تراجع تماسكها، وهو ما أرخى بظلال سلبية على الحكومة، حتى بدت في موقف ضعيف وعاجزة عن تسوية الكثير من المشكلات. وأكد عضو الجبهة الثورية، محمد زكريا، أن مباحثات جوبا اتفقت على إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير، ودمج قادة الحركات المسلحة في مؤسسات اتخاذ القرار داخلها، بجانب التوافق على وضع خطة عمل مستقبلية لإدارة المرحلة الانتقالية عقب التوصل إلى سلام. وأضاف ل"العرب" أن الاجتماعات ناقشت وضعية الوثيقة الدستورية وجرى التوافق حول تعديلها لإدراج اتفاق السلام فيها، والاتفاق على إجراء تعديلات في الهياكل التنفيذية والسيادية، بجانب تطابق الرؤى بشأن إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والشرطية. وأشار إلى أن المباحثات ناقشت إجراء تعديلات على تشكيل مجلس السيادة الحالي، وضم ممثلين عن الجبهة الثورية داخله، ولم تبد قوى الحرية والتغيير اعتراضا على ذلك. وتسعى الأخيرة للحصول على دعم الجبهة التي أظهرت قوة في أثناء الاجتماعات التي عقدت على مدار 5 أشهر الماضية، وتعوّل على شعبيتها المناطقية وجاذبيتها الإقليمية، كما أنها تمثل مركز تحقيق السلام.