بثّت قناة «أل بي سي» اللبنانية تقريراً مصوراً بعنوان «من أهل الجنوب للإسرائيليين رسالة.. بالشاكوش جئناكم»، وهو يتحدث عن كيفية تلقي مؤيدي حسن نصرالله، أمين عام «حزب الله»، لعبارته الواردة في مقابلته الأخيرة في قناة «الميادين»، حيث قال: «أي مستعمر، مستوطن راح يسمع ضربة مطرقة (شاكوش)، راح يركض يتصل بالجيش الإسرائيلي..». العبارة أدت إلى حملة واسعة تمجّد «الشاكوش» كلاماً وتعليقات ورسوماً وأغنيات، وقد سارع مغني الممانعة، علي بركات، النسخة اللبنانية والممانعة من شعبولا، لجهة سرعة توليفه للأغاني المطلوبة للدعاية، إلى إطلاق أغنية يقول فيها: «ما بدها هالحرب جيوش/ الجيش الصهيوني مغشوش/بتموت جنودو من الرعب/لو سمعوا ضربة شاكوش/اضرب اضرب اضرب بالشاكوش». «أل بي سي» استعادت في تقريرها عبارة نصرالله ( يا لها من عبارة!)، ثم بتقديمٍ بصوت رصين: «بهدوء ضرب نصرالله على وتر المستوطنين الإسرائيليين الخائفين، وبهدوء زادهم رعباً». كذلك أدرج التقرير بعض التغريديات والتعليقات الفيسبوكية والصور التي تفاعلت مع عبارة نصرالله، إلى جانب بعض المقابلات مع لبنانيين. إن جزءاً من عمل الفضائيات التقاط وتغطية الظواهر الاجتماعية، وبات معروفاً أن الحملات الأكثر رواجاً كما الهاشتاغات والترند.. كلها صارت خبراً أساسياً، تستثمره الفضائيات بدورها تعليقاً ونقاشاً ومداخلات، لكن تقرير «أل بي سي» لم يكن مجرد نقل لخبر الحملة المويدة لنصرالله (غافلاً عن أي صوت معارض لها)، بل تحول بذاته إلى دعاية متهافتة لعبارة تدّعي نصراً وتحتفل به. تريد «أل بي سي» أن تسوّق عنوة كذبة رديئة عندما تقول «السلاح الجديد الذي أعلن عنه أمين عام «حزب الله» كان الأكثر مبيعاً في المحال التجارية في المناطق الحدودية»، وتحاول المصادقة على ذلك بمقابلات مع لبنانيين في متاجر إلى جانب البضاعة المقصودة يؤكدون تلك الحقيقة، ويبدو في الصورة مايكروفون «أل بي سي». يمكن قبول التقرير فقط في حال كان نوعاً من التفاعل الكوميدي والساخر مع عبارة نصر الله، أما وأنه قد ظهر بتلك الجدية، كتقرير ينقل حقائق عن سلاح جديد هو الأكثر مبيعاً، فكان الأجدر أن تحمل المحطة لوغو «المنار»، أو أي محطة ميليشوية مماثلة. السرداب الأزليّ قدمت قناة «الميادين» مقابلة حسن نصر الله الأخيرة على أنها «بث مباشر»، وهو أمر نادر الحدوث لظهور زعيم ميليشيا «حزب الله» اللبناني، فقد كان الحزب حريصاً على الدوام على التأكيد على إجراءات أمنية استثنائية لحماية زعيمه، لا تستثني منها حتى كبار ضيوفه من ساسة وإعلاميين. الأمر أثار جدلاً، مع الإسرائيليين خصوصاً، حين أكد هؤلاء بدورهم أن المقابلة مسجلة قبل أيام، لا كما ادّعت «الميادين». الرد الإسرائيلي بالذات يوحي بأن نصر الله أراد أن يدرج «البث المباشر» في سياق ادعاءات النصر، حيث جاءت المقابلة لتؤكد على نصر عظيم لمحور الممانعة في كل مكان، حتى في قضية الأنفاق التي اكتشفها الإسرائيليون أخيراً، فقد أوحى الرجل أن مجرد تأخّر الإسرائيليين بالاكتشاف هو بمثابة نصر للحزب اللبناني. جرأة نصر الله على البث المباشر، تعبّر عن سياسة إعلامية جديدة للحزب، يفترض، إن صحّت، أن تُتبع بخطوات لاحقة. فهل يخرج السيد الميليشويّ قريباً من السرداب الأزليّ؟ استنساخ الربيع العربي حسناً فعلت «الجزيرة بلس» في تلخيصها لأهم ما قاله الرئيس السوداني المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية في زيارته الأخيرة لمصر بخصوص ما يجري في البلاد: «هي محاولة استنساخ قضية ما يسمى بالربيع العربي»، وهو يدلل على ذلك بالبراهين: «نفس الشعارات نفسها،البرامج نفسها، واستخدام واسع جداً لوسائل التواصل الاجتماعي». نقول باللغة الدارجة «جبت التايهة»، وأحياناً «لأ، حِدِق!»، إذ يفسر البشير ما لا يلزم، بل هو في ذلك يزيدنا اطمئناناً على ثورة السودانيين، في وقت يحسب أن «الربيع» تهمة تستوجب العقاب. لا ندري إن كان هناك من سيلفت نظر البشير، إلى أن وصول السيسي إلى السلطة ما هو إلا من نتائج هذا الربيع! فالربيع، على ما ترى، ليس شراً خالصاً! لا شك أن لكل ثورة، وكل «ربيع»، أثماناً باهظة، من بينها، إلى جانب وصول السيسي إلى سدّة الرئاسة، كل هذا الدمار والتهجير والموت العميم، لكن لا شك أيضاً أن النتائج لا تقاس ببضع سنين، ولا حتى بالعقود، كما تعلمنا ثورات عظيمة كالثورة الفرنسية. ما هذه سوى البداية فقط، ومن حسن الحظ أن البشير يطمئننا بمفردات لا لبس فيها أن الربيع قد وصل حقاً تراب السودان. الكتابة السورية حظي الفيلم الوثائقي السوري «طعم الأسمنت» للمخرج زياد كلثوم بكتابات نقدية كثيرة، لعل أبرزها كان لأسماء لبنانية تناولتْ الفيلم بمعالجات ولا أجمل، استحضرتْ الحرب الأهلية اللبنانية، وجدالات ما بعد الحرب، عنصرية بعض اللبنانيين تجاه السوريين، مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا،.. كما لو أن الفيلم لبناني لا سوري. هناك طبعاً كتابات سورية عن الفيلم، وهي جديرة بالاحترام، لكن، وهذه ربما إشارة ما، كانت لأسماء شابة، ليس لديها خبرة الياس خوري وذاكرته، أو سامر فرنجية، خالد صاغية، أو هوفيك حبشيان، وسواهم. أعمال سورية كثيرة لم تحظ بهذا الاهتمام، الذي لم يأت لأهمية «طعم الأسمنت» وحدها، وهو يستحق، بل وكذلك لأن للفيلم شقاً لبنانياً جذب إليه اهتمام هؤلاء الكتّاب. الكتابة عن الفيلم، أو أي منجز إبداعي، كما النقاش والجدل مهما احتدم، هي ما يجعله جزءاً من الوجدان، الذاكرة، الفاعلية والتأثير. هنا يتساءل المرء لماذا يغيب مثلاً كبار الكتاب السوريين عن أحداث ثقافية راهنة كهذه! الأكيد أن الأمر لا يتعلق بالاختصاص وحده، فغالباً ما يكون للفيلم، للعرض المسرحي، للموسيقى امتدادات خارج الحلبة، في السياسة والاجتماع وسواهما. إنها جزء من المصيبة السورية المستمرة منذ عقود، التي جفّفت الحياة الثقافية مثلما جففت حياة السوريين برمتها. إنه مجرد تساؤل على أي حال، لعلّه يستحق البحث والنقاش. ٭ كاتب فلسطيني سوري