لطالما نادينا بتعقيم القاموس السياسي من مفردات الغل والكراهية، ونبهنا إلى ضرورة الحفاظ على طقس الخلاف السياسي نظيفا وإن اختلفت الرؤى وتباعدت الأفكار، ومثلما كنا نحذر الحكومة وأجهزتها ونستنكر القسوة في التعامل مع المحتجين فقد عبنا على المتظاهرين ترديد شعارات الإقصاء والتشفي وإثارة الضغائن والاستثمار في الأحقاد. الاحتجاجات الأخيرة اجتهدت في الحفاظ على شعار السلمية ما استطاعت لكنها اضطرت إلى تغيير النغمة مع تنامي ردة الفعل الحكومي في التعامل مع المظاهرات فتسربت بعد ذلك شعارات من شاكلة (كل كوز ندوسو دوس)، وتكاثرت في أفق الأزمة هتافات (ضد الحرامية). ولعمري إن الخطاب الاستفزازي الذي قابلت به السلطة جموع المحتجين مع قتل المتظاهرين – رحم الله وتقبل من صعدت روحه منهم – ساهم في تصاعد نبرة العنف وبروز مظاهره في التعامل بين القوات الأمنية والمتظاهرين، فكان استهداف المحتجين للتاتشرات في بري وحتى تفاعلات الفيديو المستفز الشهير، تابعنا كذلك استهداف طلاب إحدى الجامعات لرجال الأمن ورشقهم بالألفاظ والحجارة. ربما يفيد الاستثمار في تأجيج المشاعر وترسيخ ثقافة الكراهية هدفا تكتيكيا مؤقتا، غير أن انعكاساته ستكون وخيمة على مستقبل البلاد التي تجلس على (برميل بارود) لا يعلم أحد ماذا سيحدث إذا انفجر لا قدر الله لذا فإن الجميع هنا وهناك مطالبون بضبط النفس. وبالإشارة إلى حديث الأستاذ احمد البلال رئيس تحرير أخبار اليوم في لقاء الإعلاميين مع الرئيس إن الخلافات دخلت البيوت والانقسام حدث داخل الأسر، ننوه إلى أهمية تحصين هذه الاختلافات بالوعي وتأمينها بالاحترام المتبادل وحمايتها بالقاموس النظيف الذي يفتح مغاليق الحوار ولا يوصدها وصولا إلى ممارسة سياسية راشدة لا تعيد أمراض النادي السياسي السوداني التي تصنف من ليس معك ك(شيطان رجيم يستحق الذبح والسحل والتصفية من الوجود). للأسف ما صرنا نحذر منه قد وقع بالفعل ونحن نتابع الكثير من الظواهر المؤسفة التي تستدعي التذكير بأهمية أن نتوقف عن بث خطاب الكراهية إن كنا نبحث عن وطن آمن ومستقر خال من الأحقاد والثأرات. بالامس طالعت خبرا في الغراء (الصيحة) عن اعتداء بالضرب على طالب جامعي لم يقاطع الامتحانات استجابة لمطلب زملائه المعتصمين، الطالب المعني تلقي كذلك إساءات بألفاظ نابية وصلت حد التشهير به في وسائل التواصل الاجتماعي، لقد وصلنا لهذا الدرك من الكراهية وتبني منهج التخويف من أطراف تدعي أنها تعمل من أجل التغيير. طالعت مقالا مؤثرا كذلك كتبه الزميل الأستاذ مصطفى البطل عن حملة يقودها المحتجون هدفها الاغتيال المعنوي لرجل الأعمال الفاضل السيد وجدي ميرغني لأنه يرأس فقط مجلس إدارة قناة سودانية 24، وضع بعض الثوار في بريد الرجل (أطنانا) من الاسفاف والألفاظ النابية وبما يتنافى مع روح وسلمية التغيير الذي تدعو له الثورة. وجد الرجل أسرته – التي لا ذنب لها في ما تبثه القناة – على منصة مكشوفة سهلت انتياشها بالتخويف والتهديد والوعيد من قبل بعض المتظاهرين بينما جميعهم أبرياء ولا صلة لهم بما تبثه القناة. تابعنا كذلك صدور (قوائم سوداء) لصحفيين أعلم أن بينهم من لم يمارس الصحافة لعامين ولم يكتب رأيا، جاءت التعليقات المصاحبة لنشرها محشوة بالتهديد ومعبأة بالوعيد تحت لافتة (صحفيون ضد الثورة). كل ما تقدم نماذج من (عمايل) الكراهية التي سادت الخطاب والفعل السياسي خلال الآونة الأخيرة، لابد من الانتباه، ما كنا نحذر منه صار واقعا بكل أسف.. على دعاة التغيير تقديم صورة مغايرة لما ظلوا ينتقدونه في الحكومة خاصة في ما يتعلق بحرية التعبير والاهتمام أكثر بتجسيد شعارات الثورة في واقع تعاملهم مع من يخالفونهم الرأي وأبرزها (حرية – سلام – وعدالة).