حوار: أحمد دقش – محمد إبراهيم وزيرة تنمية الموارد البشرية والعمل، مساعدة الأمين العام لشئون التنظيم بالحزب الاتحادي الديمقراطي "إشراقة سيد محمود".. جلسنا معها ساعتين نتجول بين قضايا الحكم وشئون السياسة التي سيطرت عليها ذكرياتها مع الشريف "حسين الهندي" قبل أن ندلف الى عالمها الخاص. كانت الأسرع استجابة لطلب الحوار معها، ووافقت على إجرائه في اليوم ذاته.. كانت في منتهى الأريحية حتى عند طرح الأسئلة الصعبة، ولم تشكُ إلا في نهاية الحوار حيث نطقت كلمتين لم تزد عليهما.. (سليتو روحي وعطشتوني في نهار رمضان دا).. ورغم ذلك أدلت بالإفادات أدناه: { كيف إنتقلت الأستاذة بجامعة جوبا إشراقة سيد محمود من أجواء الجامعة المثالية إلى صراعات السياسة وتقلباتها؟ - اتفق معك أن الحياة الجامعية حياة مثالية ولكن أنا فى الحياة الجامعية والأكاديمية لم أكن بعيدة من السياسة، بالعكس كان العمل السياسي داخل الجامعة يأخذ مني وقتاً طويلا وتبوأت مناصب عديدة، فقد كنت رئيس طلاب عطبرة بجامعة الخرطوم. وفى مجال العمل كنت من ضمن تنظيمات الحزب.. وأنا حضرت إلى الوزارة جاهزة من العمل السياسي وعشت الحياة السياسية في الجامعة، والشخص الذي لم يعش الحياة السياسية في الجامعة قد يواجه صعوبات. نحن نؤمن في مدرسة الراحل الشريف بأن العمل السياسي عمل عام وهو جزء من رسالة الحياة ولهذا نتحمل مصاعبه والأذى الذي قد نتعرض له. { وماذا عن المصاعب المتعلقة بالعمل العام في ظل مجاملات السودانيين وحقوق الأسرة؟ - هناك تضحيات كبيرة من المؤكد توجد ضريبة من نوع آخر تدخل فيها الأشياء الاجتماعية، وقد يوجد تقصير في بعض الجوانب، لكن نحاول أن نخلق نوعاً من التوازن ولكنه صعب لأن العمل العام أصبح رسالة. {وهل يوجد تفهم لذلك من الأسرة؟ - طبعا يوجد تفهم كبير والحمد لله. { أين تجدين نفسك فى التدريس أم فى العمل السياسي؟ التدريس جميل وفيه متعة كبيرة والفرق بين التدريس والعمل السياسي أن التدريس فيه متعة كاملة وإحساس بالجمال اليومي، ولكن فى العمل السياسي تواجه بأشياء نتحملها على مضض وأشياء أخرى تمثل ضغوطاً للإنسان، ولكن لأية واحدة مكانتها الأساسية في دواخلي، وأنا لم أنقطع عن القراءة و أحب القراءة جداً وأى كتاب أجده خارج العمل السياسي الحزبي والمكتبي يجعلني متواصلة مع النوع الآخر الحياة. { كإمرأة ماذا سلبت منك الوزارة؟ - بالعكس أعطتني ولم تسلب مني أي شئ. { ألم تبعدك عن المناسبات الاجتماعية؟ البكيات والأفراح؟ - فعلاً في هذه الجوانب يوجد تقصير اجتماعي كبير والعمل العام يجعلنا لا نستطيع أن نذهب للمناسبات كلها، وحتى لو ذهبت لا نستطيع الوصول إليها في وقتها. { الناس في منطقتكم أو الحي الذي تسكنين فيه ألا يقولون (إشراقة) (بِقت وزيرة وإتفلهمت علينا)؟ - لا والله الحمد لله ونسأل الله أن يجعلنا متواضعين دوماً. { هل تذهب الوزيرة إشراقة ل(ناس البكاء)؟ - ردت بدهشة وقالت: (كيف ما بمشي؟) { (بتشيلي الفاتحة ولابتبكي)؟ - ضحكت وقالت: (كلو.. كلو بعملو ولو البكاء حار ببكي طواااالي)، والبكاء غير مرتبط بالمرأة ويجب أن نصحح تلك المفاهيم، والإنسان إذا كان كامل الإنسانية يذرف الدموع إذا كان رجلاً أو إمرأة. {ومتى تذرف الوزيرة إشراقة الدمع؟ - أحياناً أبكي في لحظات ضعف، مثلاً إذا وجدت شخصاً مظلوماً ولم أتمكن من تقديم المساعدة له أو أنصفه أحزن كما بقية الناس. { ومتى آخر مرة نزلت فيها دموعك؟ - هي ليست آخر مرة لكن ذات مرة بكيت بكاءً مفرداً ونبيلاً، وفي يوم من الأيام كنت جالسة مع "الشريف زين العابدين" رحمه الله ومعنا شخص ثالث، وفي تلك الأثناء حضر شخص للراحل "الشريف" وروى له مشكلة قال إنه غير قادر على سداد رسوم عملية، فما كان من الشريف إلا أن بكى. وأنا بكيت كذلك وخرجت كتبت رسالة له وقلت له إني الليلة رأيت أعظم دموع في العالم لأعظم شخص في العالم، وهذا هو الحزن النبيل الذي يأتي نتيجة التأثر، وهناك شئ متعلق بالرسالة دعوني أخبركم به، وهو عبارة عن المكاتبات التي كانت بيني وبين "الشريف"، وتلك المكاتبات وجدت مع الأخ الشقيق "شمس الدين عبد الغني" وهو من قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي ومن المقربين جداً "للشريف" وإن شاء الله في مقبل الأيام سيتم نشر هذه الرسائل عبر الشقيق "شمس الدين عبد الغني" نفسه. { (أطلعتنا على مكاتباتها مع الراحل الشريف الهندي ومن ضمنها الرسالة التي أرسلتها له بعد بكائه). وما فحوى تلك الرسائل؟ - هي توضح درجة التواصل بيننا وما يربطنا كان أكبر من العمل السياسي، وأنا كنت أكتب "للشريف" وهو يقرأ. { وما المناسبات التي تكتبين له فيها؟ - مناسبات مختلفة وأنا كان لدي رباط روحي مع الراحل "الشريف". { ثمة إشارات وردت فى رسالتك عن التباين الطبقي ذات القضايا تثار الآن بشدة ما بين المتخمين والمعدمين؟ - التباين الطبقي موجود فى كل العالم وللأسف العالم الآن على الفكر الرأسمالي البحت الذى لا يرحم، القائم على استغلال الشركات الكبرى للفقراء وهذه دائرة واسعة فى العالم تطحن فيها الدول الفقيرة، ونحن نحاول بفكرنا الإسلامي الذي يدعو للعدالة إزالة هذا التباين. { كيف هي علاقة السيدة الوزيرة بالمطبخ؟ - علاقتى بالمطبخ جيدة.. وأجيد الطبخ لكن (مرات مطبخي ما بشوفوا لمدة أسبوعين). { ومن أين تأكلين؟ - فى الوزارة آكل جاهز، أو أذهب إلى المنزل وأجد (شئ جاهز)، وفي مرات أعود للمنزل متأخرة جدا وتوجد ثلاجة فى (طرف المطبخ) أصلها لأجد (شئ) آكله منها، ومرات لا أدخل المطبخ ولكن إذا وجدت فرصة (بخش طواااااالي). { ألا يشدك الحنين للمطبخ؟ - حنين شديد للمطبخ، ومرات عندما فاطمة تخرجني في وقت مبكر أدخل مباشرة المطبخ لكن لا أفتكر أن هذه وظيفتي ولكن وظيفتنا كلنا كشركاء فى البيت، وندخل المطبخ كلنا ونتشارك في إعداد الوجبة، ولا يوجد ما يجعلني كإمرأة أطعم الرجل. وهذا الحديث انتهى الآن. الآن فى كل العالم صار الرجل يدخل المطبخ مع زوجته ويعدا وجبتهما معاً، ولكن الارتباط التأريخي للمرأة بالمطبخ أرفضه تماماً. { بهذا المفهوم.. هل يغسل زوجك (العدة)؟ - أطلقت ضحكة عالية وردت قائلة: (عايزين تعملوا لى مشكلة معاهو؟). هو رجل راقي وهو مشغول مثلي ولكن إذا دخلنا المطبخ يشاركني. { وماذا يفعل فى المطبخ؟ - يشاركني في تجهيز الأشياء التي أقوم بإعدادها، ويمكن (يقطع السلطة وأنا أقطع البصل)، ويشاركني في إعداد الوجبة كشراكة، ومثلاً يمكن أنا أعمل العصيدة وهو يعمل شئ آخر، وهو لا يجيد الطبخ ولكنه حريص على مشاركتي. { كيف تعرفت على زوجك؟ يُقال إنكما تعرفتما على بعضكما طلاباً في جامعة الخرطوم؟ - نعم كنا فى رابطة الطلاب الاتحاديين وهو كان الرئيس. { يُقال إن زوجك هو من استقطبك للعمل بالاتحادى الديمقراطي؟ - أنا كنت أمثل الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ عطبرة الثانوية، وكنت السكرتير الثقافي للحزب بحي الداخلة فى عطبرة. وعندما حضرنا إلى الجامعة هو الذي (كدّرنا) وعلمنا طرق الخطابة، وخلق منّا كوادر حزبية ولم يستقطبني لأنه كان كادراً خطابياً وأدين له بفضل تعليمه له مقدراتي الخطابية، وكنت معروفة بأني كادر أركان النقاش في جامعة الخرطوم أنا وآخرون وقدم تضحيات كبيرة جدا، وهو فخر بالنسبة لنا. { هل أثرت العلاقة السياسية وتحولت لعلاقة عاطفية وحصل الزواج؟ - نعم.. نعم. { ولمن من الفنانين تستمع إشراقة؟ - أستمع لكثير من الفنانين مثلاًً و"ردي" و"الكابلي" و"هاشم ميرغني" وأستمع أيضا لكثير من الفنانين الشباب. { عطبرة محطة في حياة إشراقة... بألق عطبرة وتاريخها فماذا تعني لإشراقة؟ - أصلاً أنتمي للشمالية وأسرتنا بديرية. وعطبرة تعني لى الكثير جداً وكنت رئيسة طلاب عطبرة في جامعة الخرطوم. وعطبرة مدينة متميزة جميلة جدا ومثقفة. وبعض الناس يتهمون عطبرة بالميول اليسارية وهذا الكلام غير صحيح. يمكن نشأ ذلك نتيجة لارتباط عطبرة بالعمال وبالطبقة العاملة والعمال، وفي العالم كله الفكر اليساري ارتبط ب(البلوريتاريا) وبالعكس دوائر عطبرة كلها كانت اتحادية. { محطة جامعة جوبا؟ - أى خريج من جامعة جوبا أقدره تماما لأني اطلعت على النظام الصارم فيها ودرست فيها طلاب جنوبيين ولا يزال ارتباطي بهم د.بيلي، وسايمون منوقا ودرست السفير ميان دوت وول، ورمضان محمد عبد الله القياديين فى جامعة جوبا وطالبات جنوبيات "سوزان مشيك" و"فيكتوريا" وكان عندي معاهم علاقة طيبة جدا. { أبوقرون وآخرون من الجماعات الإسلامية طالبوا الوزيرة بالحجاب... ماذا تقولين؟ - لم أكترث لذلك القول كثيراً، ولم يأخذ مني أي وقت وحتى الآن لا أهتم به ولم التفت لها أو أعرها أي اهتمام، واحيانا الناس يتكلموا فى قضايا ما عندها معنى أو مدلول. { هل تعتقدين أنها محاولة لالهائك عن بعض الملفات التي أثرتيها؟ - ربما والله ولكني لن ألتفت أو حتى أعمل بها. { الوزيرة إشراقة كإمراة وسط الرجال ألم تواجه صعوبات؟ - طبعاً هناك صعوبات كثيرة وأحياناً تجد رجالاً غير متفهمين لدور المرأة وهناك رجال لايقبلون المرأة القوية، ودائما يريدون لها أن تكون ضعيفة. ومثلاً الراحل الشريف رجل ولكنه كان متفهماً لدورها تماماً. { رجال فى حياة إشراقة؟ - والدي والراحل "الشريف". { كيف استقبلتِ انفصال الجنوب وأنتِ من مواليد مدينة الناصر الجنوبية؟ - والله متألمة جدا وأنا من مواليد الناصر وولدت هناك لأن والدي كان في الجيش ونقل للعمل هناك، وانفصال الجنوب قدمناه ثمناً للسلام والمؤسف أنه بعد أن قدمناه ثمن للسلام لم نجد السلام ونأمل ان تكون الفترة السابقة آخر الحروب. { هل عشتِ كثيراً فى الجنوب؟ - لا. { كيف كانت طفولتك هل كنتِ طفلة شقية؟ - كنت ألعب مع الأولاد أكثر وأنا وحيدة وتعودت على حاجات الأولاد أكثر من البنات ولذلك لا تجدني رقيقة وتجدني خشنة. ووقعت كم مرة واتعلمت مهارات السباحة وألعب كرة طائرة وشطرنج وأواصل فى الرياضة حتى الآن. { من من أصدقاء الطفولة في ذاكرة الوزيرة؟ - في الطفولة كثيرون ولا أريد أن أذكر شخصاً حتى لا يغضب غيره. { وماذا تذكرين من اللعبات الشعبية؟ - لعبتها كلها (الحنجلة وشليل والشطرنج) ومنذ أن كنت طفلة لعبت (البلي). { هل دخلتٍ في مشاجرات في الطفولة مع أندادك؟ - (كتييييير).. فى البيت والمدرسة وزمان كانت العقوبة صارمة في المدرسة ولكن الآن لا يوجد ضرب. {بحكم أنك وحيدة.. إذن أنتِ مدللة؟ - لا أنا تربيت تربية صارمة. { وماذا تحبين من الوجبات السودانية؟ - أحب الطعمية بالشمار الأخضر. { وكيف يكون برنامجك فى رمضان؟ - لا أجد وقتا ولكن أحاول بعد أن أعود من الوزارة إلى المنزل أن أقوم بعمل شئ مع الناس فى المطبخ. { آخر كتاب قمتِ بقراءته؟ - بحب القراءة جدا، والآن أقرأ فى كتاب (نظرية العقل والوجود) لابن عربي وأقرأ "إشراقة" وهذا الكتاب دائماً أعيد قراءته. { لارتباطه باسمك؟ - لا لا أنا أحببت اسمي بعد أن قرأت اشراقة الذى يعد من أساسيات التصوف وبعض المفكرين يعتبرون مدرسة ابن عربي فى التصوف الباطني اسمها (الإشراق)، وهو الأمر الذى مضى على دربه "التيجانى يوسف بشير"، وربما تكون مدرسة واحدة و"التيجانى" موغل فى التصوف لذلك كتاب (إشراقة) للتيجانى هو كتاب تصوف وفيه قصيدة عن الوجود والصوفي المعذب واعتبره لايقل عن ابن عربي فى تصوفه وعانى كثيرا وأعتبره قمة مدرسة التصوف. { أخيراً ماهو رأيك فيما يحدث فى مصر؟ - تجربة الإخوان فى مصر تختلف عن تجربة الإخوان فى السودان، وكان على الإخوان فى مصر أن ينظروا لتجربة الإخوان فى السودان بعمق ليستفيدوا منها، ولكن للأسف هذا لم يحدث على الإطلاق، وتجربة الإخوان فى السودان جاءت مستندة على تحالف مع الجيش في حين أن حركة الإخوان كانت معزولة عن الإعلام والجيش ولا الأمن وكان الشارع منقسما حولها وكان ذلك سيكفيهم كثيراً من المطبات التى انتهت بمطب هوائي كبير أطاح بهم، ومعادلة الجيش فى الحكومات مهمة لأن الجيش يمكن ان يطيح بالعملية الديمقراطية في أي وقت وتنبأت بقراءات كثيرة أن تجربة الإخوان لن تمضي إلى نهايات جيدة لأنهم كانوا حركة معزولة وتحت الأرض وتعرضت للقمع ولم يتحولوا لحركة سياسية تستطيع ان تستوعب المتغيرات، وهذا ما حدث للإخوان فى مصر ولم يمضوا فى ايقاع استراتيجي. والفوز فى الانتخابات ليس وحده كافياً لأنه يستند إلى معطيات فى الساحة يجب التعامل معها كما حصل فى مصر ويمكن لاى قارىء أن يعرف هذه النهايات.