أشهد لجمعية حماية المستهلك بالشجاعة والمثابرة في عملها وجهدها المبذول لحماية المواطنين من أخطار السلع المضروبة والخدمات الرديئة، إذ إن فيها شباباً ورجالاً متطوعين قدموا مبادرات جديرة بالاحترام والتقدير حقاً وصدقاً، بيد أني وللأمانة لم استوعب موقفها الأخير في قضيتها ضد ما عرف بشحنات فول الصويا المحوّرة وراثياً، إذ إن تجاذبها في هذا الأمر مع بعض السلطات بدا لي غريباً لبعدين، فأما الأول إحساسي بأن حماية المستهلك انتقلت من خانة منظومة منظمة مدنية طوعية لتكون رقيباً حكومياً إذ تشابهت عليّ الاختصاصات بينها وبين هيئة المواصفات والمقاييس التي هي من تحدد صحة سلامة تلك الشحنة من عدمها، وبالتالي وفي حال وقوع تجاوز أو ظهور إشكال فإنها المسؤولة، وتكون الجهة التي تتحمل بالكامل وزر الخطأ الذي وقع. حماية المستهلك يمكن أن يكون دورها رقابياً، ثم مطاردة لإثبات الحق العام في الضرر، ويتسق هذا مع حقها المشروع في التوعية وتنبيه الجمهور بأن (الفول) هذا ضار بالصحة ولا يصح استخدامه وفق دفوعاتها وأسانديها العلمية والصحية المثبتة لهذا القول، وأعتقد أن القانون يمنحها حق تلك المطاردات التي يكون فيها المجرم هنا- لا قدر الله- أو المتهم هيئة المواصفات وهي مؤسسة كبرى وتتبع سيادياً وإدارياً لمجلس الوزراء أي (بيت الحكم)، ومن ثم فإن وقوع أي تقصير منها يعني بالضرورة أنه يمس الحكومة ورأس جهازها التنفيذي ومعقله مباشرة. المعركة الأخيرة اختلطت الأوراق فيها، ولنقل إن الشحنة موضوع النزاع فاسدة وغير صالحة، فالطريق الأنسب أن تدير الجمعية معركتها مع الذين سمحوا بإدخالها، وهؤلاء صف طويل من الجهات والرجال، متهمون الآن ومتواطئون حسب رؤية الدكتور "ياسر ميرغني" ورفاقه، ويجب أن تكون لهم أدلتهم على ذلك، وإن كان قولهم هذا غير صحيح فإن على الجهة الأخرى التي اكتمل عبرها الأجراء، وأعني هيئة المواصفات، أن تقول قولها كذلك بذات الحماسة والصوت العالي المتاح لخصومها، وبين هذا وذاك تتضح الحقيقة التي إلى أن يثبت طرفها على الآخر فإن الأمر برمته لا يصح فيه التلاسن و(الكلام الساكت)، لأنه يزيد الطين بلة بالنسبة لجمهور المستهلكين الذين عليهم الوثوق بتفويضات وتقديرات المواصفات العلمية الضابطة لكل السلع الداخلة إلى البلاد، ولكن هذه الثقة تتعرض لعملية هز عنيف و(تفسيد) بمعنى أن الأمر بصورته الحالية، ومع لوثة اتهامات الفساد المتناثرة، يعني أن الهيئة الحكومية الرقيبة على سلامة الوارد للبلاد تساهلت في أمر لم يكن لها أن تتساهل فيه، وهو قول قد لا يصح، ولست أدري ما موقف جمعية حماية المستهلك حينها!! مثل هذه الأمور لا يليق بها التهارش السفسطائي والجدل بالخطب والتصريحات النارية، على من يقدم الاتهام الدفع بدليله أو فإن عليه عدم إثارة قلق الناس ثم القفز مباشرة للمطالبة بإرجاع الشحنة إلى بلد المنشأ، وإن حدث هذا فإن على مجلس الوزراء إغلاق هيئة المقاييس والمواصفات، وأما إن ثبت أن الشحنة سليمة وإجراءاتها صحيحة فإن حماية المستهلك ستكون جمعية تستحق المقاطعة بمنطق (الكضاب) متروك.