وحين تدبر السيد "عبد العزيز عبد الله شروني" في أمر هذا البلد، وجد أن الإنجليز يديرون نظاماً تعليمياً يضخ في ماكينة خدمتهم المدنية موظفين منسوخين من ثقافات ما وراء البحار، وعندما أعاد تقليب بصره كرتين قرر بناء مسجد ملحق به معهد ديني في شارع حتى اسمه يشي ب( خواجيته)، ولم يكن أحد من قاطني شارع "كترينا" المُسمى على امرأة يونانية كانت تعمل بالتجارة لم يكن يحلم أن تقام الصلوات الخمسة، ويقرأ القرآن إناء الليل وأطراف النهار في هذا الجزء من حي (الخرطوم 3). لكن السيد "شروني" – كما يُروى عنه - عندما يعزم يتوكل، وعندما يتوكل ينجز ويفعل، فلم يحُلْ ميلاده في مدينة على نسق أوروبي (الخرطوم) في العام 1921م، ولا دراسته في كلية "غردون" دون رفعه لراية التعليم الأهلي في (خانق) "كاترينا". وها هو (غرس يديه) تُرفع عليه الآن مئذنة تكاد تبلغ عنان السماء، ولافتة تشير إلى أن هذا هو معهد "شروني" للقرآن الكريم والدراسات الإسلامية، كل ذلك كان محض فكرة تتقافز في الرأس وتجول في الخيال، العزيمة القوية والإيمان بالفكرة حققها على الأرض وفي الوقع، حدث ذلك في العام 1974م، وبعد ثلاث سنوات من تحقق الحلم (1977م) صعدت روح السيد "عبد العزيز عبد الله شروني" إلى السماء، لكنه أبقى على الأرض ما ينفع الناس (صدقة جارية). عودة الروح إلى (شروني) وخلال زيارتها ل (معهد شروني)، الأربعاء المنصرم، وجدت (المجهر) أن أشياء كثيرة قد تغيرت، فمنذ تأسيس المعهد وإلى قبل (أقل) من سنة، لم يحظ بأقل قدر من الاهتمام من قبل الجهات المختصة، فكاد الحلم أن ينهار لولا بعض من غيضهم الله للعمل على استمراره. وفي السياق هذا، يقول مولانا "محمد أحمد مجذوب" رئيس مجلس أمناء المعهد، ظل المعهد منذ تأسيسه يتبع إدارياً للشؤون الدينية، ثم الحق بوزارة التربية والتعليم (التعليم العام) حالياً، لكنه وإلى العام الماضي كان وضعه مزرياً، ولا يوجد به مجلس للأمناء، وبالتعاون مع مديره الأستاذ "الزبير الطيب عكاشه" وآخرين كثيرين، تم تكوين المجلس الذي يضم (15 عضواً) برئاستي، واكتفى مولانا "كمال سالم شروني" بالرئاسة الفخرية، وعملنا سوياً يداً واحدة وتحت إشراف إدارة المرحلة الثانوية بوزارة التعليم العام في تأهيل المعهد وصيانته بدءاً بشبكة المياه والصهريج، حيث لم يكن بالمعهد ماءً البتة، وأضاف مولانا "محمد مجذوب": ساعدنا في ذلك إلى جانب الأستاذ "مصطفى عبد القادر" مدير المرحلة الثانوية بوزارة التعليم، نفر خير وكريم من تجار سوق السجانة نذكر منهم مثالاً السيدين عبد الرحمن عثمان إدريس، وعيسى الشيخ، وهكذا بعد أن جلبنا الماء، شرعنا في الصيانة (الآن على وشك الانتهاء)، علماً بأن "معهد شروني" لم تتم صيانته منذ رحيل مؤسسه قبل (35 عاماً) في العام 1977م. مزيد من الدعم واستطرد رئيس مجلس أمناء "شروني" قائلاً: بنينا (دكاكين) في الناحية الغربية من المعهد وعادت لنا في عدة أشهر بريع قدره (15000) جنيه، صرفناها في أعمال الصيانة التي تراها الآن، كما ساعدنا الأستاذ الجليل "مصطفى عبد القادر" على الإجلاس (كاملاً) دون نقصان، وشرفنا بالزيارة مولانا الشيخ "أبو كساوي" مدير الأوقاف، ليقف على عملنا، ونتمنى أن يكرر مثل هذه الزيارات وأن يدعمنا مادياً ومعنوياً وهو أهل لذلك إن شاء الله، وناشد "مجذوب" الخيرين والجهات المسؤولة وكل من يهمهم أمر التعليم الديني في هذا البلد إلى مزيد من الدعم حتى يكتمل بناء هذا الصرح العظيم، وأضاف: نحتاج إلى طابق أول، ومكتبة دينية، وتهوية جيدة، ومبردات مياه، وأساتذة ودعاة يتعاونوا معنا في التدريس، ونحتاج إلى نفرة كبرى حتى يصبح شروني ك(الأزهر الشريف) أو يعيد إلينا السيرة الشامخة ل(المعهد العلمي) بأم درمان. أئمة ودعاة وقضاة شرعيين من جهته قال الأستاذ "إسماعيل آدم" أستاذ العلوم الإسلامية ومشرف الطلاب بمعهد شروني، إن مؤسسته تستوعب الطلاب على ثلاثة مستويات، أولها طلاب الخلاوي بشرط حيازتهم على شهادة حفظ معتمدة وموثقة من جامعة القرآن الكريم، وهؤلاء إلى جانب طلاب القسم الثاني من الناجحين في امتحانات مرحلة الأساس يدرسون بالمعهد ثلاث سنوات، أما القسم الثالث ويضم (طالبات)، فهو مخصص للذين أكملوا المرحلة الثانوية وهؤلاء يدرسون سنة واحدة، وكل هؤلاء يجلسون لامتحانات الشهادة الأهلية، التي تؤهل حامليها للعمل كدعاة، أئمة، قضاة شرعيين، وفي كل المجالات ذات الصلة. حديث الأسرة إلى ذلك ثمنَّ مولانا "كمال شروني" الرئيس الفخري لمجلس أمناء (شروني) على دور مؤسس المعهد الذي وصفه بأنه كان رجل بر وإحسان وخير ودين، في مجال التعليم والخدمات الصحية والعمل الخيري، وأضاف: عقب تخرج عمي المرحوم " شروني" من كلية غردون عمل بالتجارة وكان عضواً فاعلاً وبارزاً في المجلس البلدي، وأسس هذا المعهد والمسجد، كما أوقف العديد من العقارات بالخرطوم لصالح العمل الخيري. وفي الختام، ناشد السيدين " مجذوب وشروني" أهل الخير والإحسان التبرع لصالح إعادة تأهيل هذه المؤسسة الدينية التي تمثل الإسلام المعتدل والمتسامح على رقم حسابها ببنك الشمال بالسجانة وهو (12275).