ولأن الاستقلال يحتاج إلى مجلدات في الكتابة عنه لأنه حدث غير عادي، فقد وددت أن أكتب مرة ثانية ونحن نحتفل بالذكرى ال(60) للاستقلال المجيد... فمقالي الأول جاء بمناسبة إعلان الاستقلال من داخل البرلمان وجاء بعنوان (من أجلنا ارتادوا المنون). وقبل أن أكتب، لابد هنا أن أشير إلى أن صحيفتنا (المجهر) قد وثقت لهذا الحدث توثيقاً ممتازاً حتى صار بالإمكان أن تقف الأجيال الحالية على مسيرة السودان من أجل الحصول على الحرية والاستقلال عبرها، وكان العلم السوداني يرفرف في سماء (المجهر) بعد أن رفعه ابنها البار "فرانكو" الذي داعبه المدير الإداري الأستاذ "ضياء الدين" بعد أن رفعه قائلاً (يا فرانكو علمك يرفرف). فالتاريخ السودان البطولي كادت أن تنساه الأجيال الحالية، لكننا وثقنا له وسنظل نوثق له.. والشيء الذي لفت انتباهي أيضاً احتفالات المدارس ورياض الأطفال والتعليم قبل المدرسي بالاستقلال في كرنفالات تحكي المشهد، وتلك الأناشيد والأغاني التي كتبت لهذه المناسبة.. فالاستقلال جاء ك(صحن الصيني لا شق لا طق) أو كما قال الزعيم البطل "إسماعيل الأزهري" الذي سيظل محفوراً في دواخلنا إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً. بالأمس وأنا أعبر كوبري شمبات في طريقي إلى أم درمان كنت أذكر نفسي بالوقوف ولو لثوانٍ لكي أحيي أسرة الزعيم "الأزهري" من أمام منزله وأقول لهم (تعظيم سلام).. وقفت وانتبهت للعلم الذي ظل يرفرف في سماء السودان من منزل الزعيم "الأزهري" وقلت مع الشاعر الفنان واللحن والأداء الجميل: يا أخوتي غنوا لهم ولتحيا ذكرى الثائرين وليذكر التاريخ أبطال لنا فالأبطال كثر، ولابد أن نذكرهم ليس في مناسبة الاستقلال والمناسبات الوطنية الأخرى فحسب، بل في كل الأوقات وأن يكونوا منهجاً يدرس. نعم.. كل ما كتب عن الاستقلال كان يستحق أن نقف عنده ونردده ونتذكر كيف جاء الاستقلال وما دور الجمعيات الأدبية فيه.. والاستقلال جاء خليطاً بين الثقافة والسياسة.. فأهل الثقافة ينسبونه لهم باعتبار أن الجمعيات الأدبية هي التي أعلنت الاستقلال.. نعم هذه شهادة فالجمعيات الأدبية كان لها دور كبير في الاستقلال، وكذا كل المناشط سواء أكانت سياسية، أدبية وثقافية، اجتماعية أم اقتصادية ساهمت في الاستقلال. وهنا نشير إلى أهمية الجمعيات الأدبية التي اندثرت الآن بعد أن كانت المدارس في السابق تقيم يوماً كل أسبوع باسم الجمعية الأدبية، وكان الطلاب يتبارون في إخراج المواهب المدفونة من شعر ونثر ودراما ومسرح، حتى أنها- أي الجمعيات الأدبية- كانت تخرج المذيع والصحفي والكاتب السياسي والشاعر، الأمر الذي يؤكد أهميتها.. ومن هنا نهنئ المدارس التي تبرز هذه المناشط عبر طلابها، وتلك التي لم تلتفت لهذا الأمر ندعوها أن تضعه في اعتبارها.. والتحية أيضا للمدارس التي احتفلت بمسيرة الاستقلال وأنعشت ذاكرة الطلاب بهذه الذكرى العطرة. ونحن نحتفل بالذكرى ال(60) للاستقلال نسأل الله أن نستقل استقلالاً حقيقياً وأن ينتعش اقتصادنا وتزدهر مواردنا، وأن تغني الحقول قمحاً ووعد وتمني لنقول: يا نيلنا يا أرضنا الخضراء يا حقل المنى يا مهد أجدادي ويا كنزي الغزير المقتنى نتمنى أن يصل دولارنا إلى أدنى الأسعار، وان تنخفض الأسعار، وأن تكفي الأجور الاحتياجات، وأن نودع الفقر حتى تزدهر الوجوه وتضحك القلوب قبل الشفاه. (ولتحيا ذكرى الثائرين)