من مظاهر الأزمة الاقتصادية، تقليب الدولة لدفاترها القديمة.. اليوم تتنبه الدولة بأن هناك قطاعاً اسمه المغتربون.. العوز والمسغبة الماثلان جعلا الدولة تستجدي دولارات المغتربين.. لو أن للدولة عناية بهذا القطاع المهم واستثمرت فيه بذكاء لأتتها دولارات المغتربين حبْوَاً، ولما استجدتهم اليوم.. أهملت الدولة هذا القطاع عندما أصابها البطر بدولارات البترول المنحوسة؛ مما تسبب في تراجع تحويلات المغتربين إلى (50%) بيد أن الأرقام تقول أكثر من ذلك بكثير؟! ورغم هذا التراجع فإنها تساهم في الناتج القومي بنسبة 30%.. تقرير اقتصادي يقول لو أن عناية الدولة شملت هذا القطاع لكانت مساهمة المغتربين تعادل عائدات البترول ما قبل الانفصال.. يقول الأمين العام لجهاز المغتربين في مؤتمر اقتصادات الهجرة الذي نظمه الجهاز، هذا الأسبوع، إن تحويلات المغتربين بلغت خلال العام (2009م) حوالي (3) مليارات دولار قبل أن تتراجع بشكل مخيف، ففي هذا العام بلغت فقط (350) مليون دولار.. المفارقة المدهشة أن تحويلات المغتربين السودانيين إلى بعض دول الجوار أكثر من (4) مليارات دولار خلال عام واحد.. قيل كذلك إن عدد السودانيين الذين هاجروا هذا العام وصل إلى 67 ألفاً يحملون تخصصات مختلفة.. نعم هاجروا ونفدوا بجلودهم، بينما يتساءل الرسميون عن ما إذا كانت هجرتهم بطرق شرعية أم لا؟ كرار التهامي أمين جهاز المغتربين وصف أي هجرة بخلاف الطرق الشرعية بأنها (آفة) و(لعنة).. لكن في اعتقادي أن الآفة واللعنة أن نحبس القطة، فلا نطعمها ولا نتركها تأكل من خشاش الأرض.. الدولة لا تدع مناسبة إلا وتدبج الخطب بأنها حريصة على المغتربين وتسعى لتقديم كل التسهيلات لهم.. لكن في المقابل لا تفعل شيئاً تجاه عدم استقرار سعر الصرف وضعف الثقة في النظام المصرفي وانعدام السياسات التشجيعية، وغياب الحماية المؤسسية، وغياب أدوات التحويل ومواعين الاستثمار.. حتى هذا المؤتمر الأخير (اقتصادات الهجرة) ستذهب توصياته هدراً.. إننا بصراحة لن نلقي بالاً أو اهتماماً بتصريحات وزير رئاسة مجلس الوزراء، الذي قال في ختام المؤتمر إن الدولة ماضية وعازمة على وضع مخرجات المؤتمر موضع التنفيذ (الله يكضب الشينة). في خواتيم العام الماضي تعاقدت جامعات الخليج مع أكثر من (600) أستاذ جامعي من حملة الدكتوراة.. أمين عام وزارة التعليم العالي، عمر أحمد عثمان المقلي قال معلقاً على هجرة هذه الاعداد الهائلة: (لا أعتقد أن عدد المهاجرين يشكل هاجساً، فهم نسبة ضئيلة مقارنة بالموجودين ويمارسون عملهم بنشاط).. ما الذي يجبر وزارة التعليم العالي على هذا القول وإن صح؟! (600) أستاذ جامعي، يهاجرون دفعة واحدة والأمر بالنسبة للوزارة الموقرة (غير مقلق).. (خليهم يمشوا في ستين عندنا منهم كثير!!).. ما زلنا نطرح السؤال على نائب الرئيس الذي هو أستاذ جامعي فما رأيه في ذلك؟ الدكتور الحاج آدم يوسف كان قد حرض الأساتذة الجامعيين لقيادة ثورة حقيقية لإعادة رونق التعليم العالي، ودعا خلال مخاطبته مؤتمر قضايا الأستاذ الجامعي، في خواتيم العام الماضي، كل الجهات ذات الصلة بالتعليم العالي لسن تشريعات لتطوير البحث العلمي والالتزام بالتنفيذ وفرض عقوبات حال عدم التنفيذ!! { آخر الكلام: الفضائيات وما أدراك ما الفضائيات، فقد شمرت عن ساعد الإفساد وأكملت استعداداتها لإشغال الناس عن حِكم وفضائل شهر رمضان.. إنها تتبارى في جذب المشاهدين، لاجئة إلى كل الوسائل التي ليس لها علاقة برمضان.. معظم الفضائيات العربية وضعت لنفسها مهمة محددة هي الإثارة والإلهاء.. حتماً أن المادة هي المحرك الرئيس لعمل تلك الفضائيات (الفارغة) وتحدٍ كبير تواجهه.. قيل إن تكلفة الحزمة البرامجية للقنوات العربية مجتمعة في شهر رمضان في أحد الأعوام الماضية قد وصلت إلى حوالي 35 مليون دولار، وبلغت تكلفة الحلقة الواحدة لبعض البرامج حوالي 15 ألف دولار يحصل منها مقدم البرنامج على 5000 دولار؟!.. ويلٌ لنا من الفضائيات في رمضان.