كم آلمني أن تنزلق أقلاماً نكن لها الاحترام والتقدير في ربقة التنابز بالألقاب.. اتهامات متبادلة بالعنصرية والجهوية.. إنهم يرقصون على جراحات الوطن، لا يهمهم أن تغوص أقدامهم في وحل الجراح مسببة مزيداً من النزف.. دعوها أيها الرفقاء فإنها منتنة.. كلماتهم تتسابق من أقلامهم كأنها قذائف مندفعة دون روية أو تمهّل.. ليس هناك مسوّغ لذلك حتى لو كان أحدهم يعيش لحظة تدفق نفسي طال كبته.. عندما تطفح بعض الكتابات الصحفية بشعور متضخم بالذات تنزوي قيمة المسؤولية الصحفية وتتنحى جانباً.. فيُطلق العنان لحالة نرجسية تتلبس الكاتب وهالة من القوة الوهمية، فيغدو مثله مثل تلك الضفدعة المسكينة التي تملأ نفسها بالهواء كي تظهر أكثر ضخامة أمام الآخرين وهي تفعل ذلك ظناً منها أنها بذلك تخيفهم وتنجو بضعفها.. وجه الشبه أن لدى أصحاب الذات المتضخمة نزعة حيوانية مكنونة بداخلهم تظهر حينا بعد حين عندما يسيطر خلل في تكوينهم النفسي والإحساس بالنقص أمام الآخرين، فيلجأ أحدهم إلى سلوكيات الحيوان لإشباع هذا النقص اعتقاداً منه أنها المنقذ له من مشاكله أمام الآخرين. (2) كشف العيد كما يفعل كل عام، عن تسيّب وفوضى في دواوين الدولة.. جزء مهم من تأخرنا هو نظرتنا للعمل كقيمة.. قيمة العمل والاجتهاد واحدة من أهم وأعظم القيم التي قامت عليها الشعوب وتطورت الحضارات.. الدول والشعوب المتقدمة هي تلك التي قدرت قيمة العمل والاجتهاد.. لا مكان للكسالى والمتكاسلين في هذه الشعوب، بل الحياة الكريمة والمزدهرة للذين اجتهدوا في حياتهم واخلصوا لإعمالهم.. نحن قوم نفتقد خاصية الإتقان في العمل إلا من رحم.. اتقان العمل ليس هدفاً سلوكياً فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتثرى الحياة وتنتعش.. الاتقان والإخلاص في العمل هدف من أهداف الدين يسمو به المسلم ويرقى به في مرضاة الله.. الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وإخلاص العمل لا يكون إلا بإتقانه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).. من المهم أن نُقبل على أعمالنا بشغَفٍ وحماسة، ونقدم أفضل ما نستطيع من اتقان.. الإرجاءَ والتأجيل آفة الكثيرين، فإن قررنا عملاً فلابد من أن نباشر فوراً تنفيذه فلنحاولْ جميعُنا دائماً أن نصون وقتنا وجهدنا، ونُحْسِن استخدامه والانتفاع به.. فهذا ما يعرف حديثا بإدارة وضبط الوقت.. إن لم نضع لأنفسنا في حدود استعداداتنا وحاجاتنا وواجباتنا وكذلك طموحاتنا أهدافاً بعيدة وقريبة واضحة، فإننا لن نتقدم قيد أنملة.. لن نلحق بركب الأمم المتقدمة.. عامل مهم جداً لا نلقي له بالاً، ألا وهو عامل الزمن واحترام المواعيد والقانون. (3) يعكف نفر اليوم على تصفية المشروع الموءود.. كثير من الدماء صُفية في دوامة الصراع العبثي الذي احتدم، وكثير أيضاً من الموارد صُفية والخلل الإداري كان ماثلاً.. كان المشروع يحمل كل مقومات النجاح المادية عدا مقومات التقوى والصلاح.. جاء الحادبون يسبقهم طموح وثّاب وإرادة قوية، لكن الطمع والنزق لدى البعض كان أسبق.. أريد للمشروع أن يتأسس على حزمة قواعد أخلاقية ومهنية وما بالتمني تدرك الغايات.. الإعلام الرسالي الذي يختلف كثيراً عن غيره ليس مجرد نقل للخبر أو الصورة الواقعة، بل هو خطاب للعقل يقوم على أساس الحقيقة، وهو دعوة ترفض الكذب والتشويه وتسعى إلى الحقيقة منطقها هو المناقشة التي تؤدي إلى الاقتناع حيث تُقرع الُحجة بالحُجة بحرية كاملة.. المفارقة أن المشروع الموؤد بالأطماع جاء في إطار العبادة لله، فكان عليه أن يسعى لتكوين الرأي العام الذي يصلح الأُمة ولا يُفسد، ويرسّخ الفضائل وينفي الخبائث والرذائل.. فكرة المشروع الأساسية اقتضت أن يكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر.. لكن فاقد الشيء لا يعطيه، وذلك قول مأثور وقع كما يقع الحافر على الحافر. • آخر الكلام: لا حول ولا قوة إلا بالله وهو المستعان على ما يصفون